عقدت الجزائر مؤخرا صفقة بمليارات الدولارات بهدف اقتناء أسلحة روسية متطورة وإعادة تأهيل الجيش الجزائري وتحديث آلياته. وقد حظيت هذه الصفقة الروسية-الجزائرية باهتمام إعلامي خاص اعتبارا لحجمها ولانعكاساتها الإقليمية والدولية، ونظرا لأنها صفقة أبرمت عند زيارة الرئيس الروسي للجزائر في العاشر من مارس 2006.
ومن الواضح أن للجزائر، التي حاولت منذ انهيار الاتحاد السوفييتي تنويع مصادر قطعها العسكرية، مطامح إستراتيجية وعسكرية على المستوى الإقليمي. فهي تسعى بإصرار إلى التحول إلى قوة عسكرية مهيمنة على مستوى المغرب العربي، بإمكانها فرض أجنداتها العسكرية والإستراتيجية على دول الجوار. ولا نحتاج إلى اجتهاد فكري خارق لنستنتج أن السلاح الجزائري موجه بالأساس ضد مصالح المغرب العسكرية والترابية والوطنية. فالجزائر هي الداعمة الأكبر للانفصاليين الصحراويين، وهي التي لم تذخر جهدا، في العلن كما في السر، منذ السبعينات إلى اليوم في محاولة عرقلة المسيرة التنموية للمغرب وحرمانه من وحدته الترابية المشروعة.
وقف المغرب غير ما مرة مع الجزائر أثناء الاستعمار الفرنسي وبعده، ولم تقف هي أبدا مع المغرب باعتباره بلدا مجاورا وشقيقا، بل كانت دائما خصما للمغرب ومتربصة به وبحقوقه وقضاياه في المحافل الدولية وفي المنتظمات القارية. وليس هناك ما يفسر هذا التحامل الكبير على المغرب سوى أن الجزائر تعاني من عقدة تاريخية من ناحية المغرب باعتباره دولة ذات تاريخ ضارب في القدم، وباعتباره مملكة مستقرة ومتنورة، وبوصفه دولة مؤسسات ديمقراطية واجتماعية، ولأن للمغرب سياسة خارجية تتسم بالتوازن والمرونة والجنوح إلى السلم والحوار.
إن المتتبع للتاريخ الجزائري منذ الاستقلال إلى اليوم سيلمس عن قرب أن سياسة الجزائر تحكمها المفارقات والتناقضات والتقلبات، والعنف والأحقاد والاحتقان الاجتماعي، والمزاجية والتوتر وقصر النظر. لم تنفتح الجزائر على الممارسات الديمقراطية إلا حديثا، إلا أنها لم تفلح حتى الآن من الاستفادة من درس الديمقراطية الذي يرمي إلى تقوية البنيات الاجتماعية وتحرير القرار السياسي من قبضة السلطة العسكرية وتوطين الاستقرار محليا وإقليميا.
إن الدول الديمقراطية لا تعادي بعضها بعضا، بل تتكتل فيما بينها في مجموعات متكاملة ومتوازنة. وللجزائر للأسف رؤية عدائية لمستقبل المغرب العربي. فسلاحها موجه ضد شعوب المغرب العربي فقط. فهي لا تتسلح ضد دول شمال المتوسط أو ضد دول جنوب الصحراء بل على الأرجح ضد المغرب وتونس وموريتانيا وليبيا أو ربما ضد شعبها في الداخل الذي ابتلي عبر السنين بويلات الاستعمار وقهر نظام الحزب الواحد الأوحد وطاحونة الحرب الأهلية التي ترتبت عن انتخابات دجنبر 1991.
تتسلح الجزائر لأنها ترى أن مستقبل المغرب العربي في الحرب وليس في الرخاء والتواصل والتكتل والتقدم والديمقراطية والانفتاح والمصالحة والتعاون. لذلك، فإنني أرى أنه من الواقعية، بل من اللازم، أن تطرح الأمانة العامة للمغرب العربي سؤالا وجيها وصريحا ومباشرا على الدولة الجزائرية، يمكن صياغته كالآتي: quot;ضد من تتسلح الجزائر؟quot; سيكون هذا السؤال مربكا حتما لأصحاب القرار في الجزائر سواء على المستوى الداخلي أم على المستوى الخارجي.
يستنزف التسلح ثروات الشعوب، ويخلق مناخا ينتصر فيه الرعب والهلع على الطمأنينة والسلام. وهو لا يقوي الدول غير المستقرة وغير الديمقراطية، بل يضعفها ويزيد من تخلفها وتراجعها ويفوت عليها فرص النماء الاجتماعي والاقتصادي والتطور والتحديث. فماذا استفادت الجزائر من أسلحتها وعتادها الحربي منذ الاستقلال حتى الآن؟ لم تحقق إلا عداء مستمرا لمصالح المغرب العليا، وخلقت مناخا اجتماعيا وسياسيا غير مستقر داخل الجزائر، وأجهزت على طموحات شعوب المغرب العربي نحو الوحدة والتقدم والازدهار.
لم تستفد الجزائر حتى اليوم من الدرس المغربي في السلم الاجتماعي والديمقراطية والانفتاح ومن الدرس التونسي في التطور الاقتصادي والاستقرار السياسي. فالجزائر هي التي تعيق مشروع بناء مغرب عربي موحد ببرامجها العسكرية ومخططاتها العدائية، وليس المغرب أو تونس.
وليس من المبالغة إن قلنا أن صفقات الجزائر العسكرية يراد منها شن حرب جانبية وخفية ضد مسلسل الإصلاح الديمقراطي الذي انخرط فيه المغرب بجدية وشجاعة قصد إغوائه لمجاراتها في التسليح وإبرام الصفقات العسكرية على حساب برامجه الاجتماعية والاقتصادية. فأولويات المغرب اليوم بفضل سياسة جلالة الملك هي اجتماعية وسياسية واقتصادية بالدرجة الأولى وليست عسكرية أو حربية. يوجه المغرب اليوم ترسانته الشاملة لمحاربة الفقر، وترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتقوية البنيات الاجتماعية والاقتصادية، وتأهيل القطاعات الحيوية لمواجهة تحديات العولمة والتحولات العالمية الطارئة.
فعلى المغرب في جميع الأحوال أن لا يجاري الجزائر في صراعها مع ذاتها ضد مصالح شعوبها وشعوب المغرب العربي الغارقة في التخلف والعزلة والمشاكل الاجتماعية. للمغرب سمعة دولية تمكنه من نسج تحالفات استراتيجية مع الدول الحليفة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا؛ وبذلك لن يحتاج إلى إهدار أمواله في التسلح وتقويض برامجه العقلانية والمتنورة من أجل الإصلاح والتحديث والتقدم. إن سلاح الجزائر موجه ضد الخطط التي أعلن عنها جلالة الملك غير ما مرة من أجل أن يصبح المغرب ديمقراطية نموذجية في العالم العربي.

د. جمال الدين بنحيون
[email protected]