عودة إلى محاكمات الرئيس
العدالة عند برزان سابقاً والعدالة التي يطالب بها اليوم ما هي؟
(دكتور فقد حياته بسبب ضحكة)

إذا تساءل القائل من هذا صاحب أعلى شهادة في طب الأطفال، ومن هو البلد الذي يعدم بسبب ضحكة عابرة، وبأي قانون جرت محاكمة هذا الضحية الطبيب ورفاقه.
نعلن في هذا المقال الواقعي أن الطبيب الذي أعدمه صدام حسين بالتعاون مع أخيه برزان هو الطبيب الأخصائي ( هشام ماهر السلمان ) مدير أكبر مستشفى للأطفال في العراق ومعه راح ضحية المزاجية، وعدم تطبيق القانون وعدم مراعاة العدالة خمسة أطباء آخرون وكلهم أخصائيون منهم ( إسماعيل حسن سامي التتر )، لنا أن نتساءل أهناك بلد مثل العراق أيام نظام صدام حسين صاحب أقوى شهوة للقتل المزاجي وترك آثار هذه المزاجية في المقابر الجماعية التي تركها ونثرها كيمياوياً على حلبجة الشمالية حتى أن هذه المزاجية اتخذت صفة التعميم والأممية وأصبحت متعة من متع الرئيس.. إجرام.. إرهاب.. قتل.. تعذيب.. دهس بالسيارات، وتسللت هذه الأيادي المجرمة بعضاً إلى محلات سكناهم، وتصاعدت بوضوح يوم شملت أقرب الناس إليه من العائلة بدءًا من ابن خاله عدنان خير الله، ومنها ربعه وأقاربه في قريته العوجة، في الواقع أن ظاهر الحال أيام حكم صدام حسين، لا يكشف عن عمق الإرهاب المنظم الذي كان يمارسه، فقد بدأت نوازع هذه الروح الإجرامية بانقلاب 8 شباط 1963، واستمر وتعمق بممارسته بوضع الناس بحالات من الغدر، وأخذت هذه الفوبيا الإجرامية كلما صعدت تترقى في حلقات السلطة والنفوذ، ولم تفلت منه أي معارضة يتخيلها سواء من أصدقائه أو من فئات أخرى لا تؤمن بنظامه وحزبه، إلا أنه للتاريخ أن صدام حسين قد جعل حالة استثنائية يعيش في إطارها بعض الناس المقربين إليه والذين يختارهم كأصدقاء أو كموالين أو ككوادر حزبية متقدمة، هو الذي يصنعهم في هذه الحلقة لا بخيارهم وإرادتهم، ومن يستطيع أن يرفض ؟! الكل يذكر كيف كانت حالة البغداديين أيام ذلك النظام.. خليط عجيب من البعثيين يتواجدون في المجتمع البغدادي والعراقي بشكل شبه انضباطي بحضورهم النوادي، مثل نادي العلوية ونادي الزوراء ونادي المنصور ونادي الصيد، محاولين ايهام الناس بعدم تميزهم عن الغير في سلوكيتهم الاجتماعية، بل إنهم من أجل ذلك محرم عليهم حزبياً أن يسكروا من الكحول، يحاولون أن يندمجوا في هذه الحفلات، ولكن تكشفهم الشوارب الكثيفة على وجوههم، وتفضحهم أنهم بعثيين أو مخابرات، ونادرًا ما ارتفعت لعلعة الرصاص في مثل هذه النوادي، إذ أن هناك من يجلس في هذه النوادي أكثر قربًا لصدام، أو أعلى رتبة في المخابرات، لذا تجد أن العوائل التي تسهر في هذه النوادي تجد نوعًا من التوازن، وهكذا تجد أن النشاطات الاجتماعية كانت فيها نوع من الهدوء والتناغم، إلا أن هناك بعض الاستثناءات لسلوكية جماعة صدام ومحيطيه، فالناس لا تنسى يوم هجم ابن صدام عدي على طباخ والده (كوركيس) وأماته ضرباً بعصا كان يحملها أمام الناس وحدث أيضاً مثل هذه الحالة الاستثنائية في نادي الصيد والمنصور، ولكنها نسبياً لم تكن عالية بحيث يحجم الناس عن الحضور وبهذه الوضعية ولكون الإنسان اجتماعي بطبعه والمواطن العراقي يحاول أن يتواءم مع أصدقائه ويسهر معهم في مثل هذه الشعور بوجود توازن في الأمان المفروض أن يعم الحياة الاجتماعية في بغداد يومئذٍ، لذا نجد أن العوائل العراقية التي تبتعد عن الحضور إلى النوادي تتزاور مع بعضها وتقيم استقبالات مختصرة فيما بينهم بعضهم بشكل عائلي، وبعضهم يقتصر على الرجال وحفلات يجتمعون لأجل لعب الورق أو عشاء رجالي، وموضوع هذا المقال وكون الإنسان العراقي قد يذهب في ظل مزاجية الرئيس الحاكم لأتفه الأسباب منها ضحكة قد تكون عالية لنكتة طرحت في الجلسة وهذا ما جرى.. الأطباء الخمسة كانوا مجتمعين في دار إسماعيل التتر والطبيب إسماعيل هو الطبيب الخاص بصدام، ولحمايته كان يحظى بمداراة خاصة من القصر الجمهوري وقد سببت نكتة أوردها الدكتور اسماعيل ضحك البقية وأعلاها كانت ضحكة الدكتور هشام ولا أحد يعرف ماهي النكتة ولماذا تأثر بها الرئيس و زعل منها، بحيث أنه أبدل قرار محكمة الثورة من سنتي حبس إلى عقوبة الإعدام معلقاً بهامش على نفس أوراق الدعوة الجنائية ( يجب إعادة المحاكمة لهؤلاء في محكمة تقدر أهمية الرئيس صدام وعمق الإجرام الذي يرتكبه من يورد شيء بصدده ) هذا الذي قفز إلى ذهني وأنا رئيس محامي بلا حدود يوم طلبت مني إحدى الفضائيات أن أعلق على هذه المحاكمات وهل هي محاكمة جادة وهل هناك نصيب للعدالة التي يطالب بها المتهمون، المرء يحتار كيف يستطيع الماثلون في قفص الاتهام اليوم يطلبون العدالة القانونية وهم أنفسهم أعدموا خمسة أطباء لأنهم ضحكوا على نكتة، وهم الذين قتلوا 148 من الدجيل وأربعة آلاف من حلبجة وضربوا المراقد والأئمة ودور العبادة، وكل شيء مقدس لدى العراقيين، أيعقل مثل هؤلاء بلعوا كل جرائمهم بفمهم وبذات الفم يطالبون بالعدالة، إني لست من الذين يستعدون المحكمة على المتهمين بل كنت ولا أزال أطالب بفسح المجال لهم للدفاع عن أنفسهم، ولكن إني لا أستطيع أن أهضم مثل هذه النماذج البشرية التي تعدم بيد قاسية وبخلاف القانون وبذات الإرادة وبذات الفكر وبهؤلاء جميعا تقف في قفص الاتهام وتطالب بالعدالة، ليتنا ملائكة نستطيع أن نتجاوز عن هذه المغالطات، وليتنا نستطيع أن نكبت شعور الألم والأسى بفقدان الناس ومنهم هؤلاء الأطباء وهم ليسوا كل الضحايا الذين جمعتهم قسوة صدام، ولكنه في قمة الاستهتار القانوني وفي منتهى التخلف الحضاري أن يعدم إنسان لأنه ابتسم أو ضحك لنكتة، أهناك شخص لا يتألم لمثل هذه الحالات سوف لن يرحم التاريخ مثل هؤلاء.

المستشار خالد عيسى طه
رئيس جمعية محامين بلا حدود
ونائب رئيس نقابة المحامين العراقيين البريطانيين