في مقال سابق بعنوان تصريحات إيران والمواجهة الحتمية كتبنا عن الحرب الباردة بين إيران وبين دول العالم الغربي وإستنتجنا في مقالنا الآنف الذكر أن المواجهة حتمية بين إيران وبين أمريكا وإسرائيل ودول التحالف وأكدنا في مقالنا أن إيران ستكون خاسرة إذا راهنت على أن أمريكا وحلفائها لن تخوض حرباً ضدها وخصوصاً بعد التورط الأنجلو_أمريكي في العراق.

وذكرنا أيضاً أن قرار مجلس الأمن بشأن الملف الإيراني قد حسم الأمر لصالح التصعيد الأنجلو_أمريكي، وبات واضحاً وأكثر من أي وقت مضى أن دول العالم الغربي ستتحالف فيما بينها ضد إيران ومن أجل عيون إسرائيل وإستشهدنا بتعهد الرئيس بوش الإبن بحماية أمن إسرائيل من أي تهديد إيراني محتمل، رداً على تهديدات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد السابقة بـquot;محو إسرائيل من الخارطةquot;.

وضربنا مثل بتهديدات الرئيس العراقي صدام حسين بضرب إسرائيل بالمزدوج الأمر الذي أدى إلى الحرب ضد العراق وتدمير قواته وإقتصاده وشعبه وأخيراً إلقاء القبض عليه وهو يحاكم الآن في العراق، وتحدثنا أيضاً عن السيناريو المحتمل للتعامل مع القيادات الإيرانية والشعب الإيراني الذي لن ينجوا من كارثة محققة إذا لم تتدارك الأمر قبل فوات الأوان وإحتمال أن تلقى نفس مصير الرئيس العراقي السابق صدام حسين والعراق المجيد.

وبعد هذه المقدمة سنسلط الضوء على بعض التصريحات الإيرانية والأنجلو_أمريكية والتصريحات الفرنسية والتصريحات الإسرائيلية وسندرس إمكانية تحقيق تلك التصريحات وماهو مصير المنطقة والعالم أجمع إذا لم تتدارك إيران إنها في خطر حقيقي ومنطقة الخليج العربي وماحولها وهنا نتسائل لماذا كل تلك السلبية من بعض دول المنطقة التي من المحتمل أن تتعرض لكارثة إنسانية وكأنها لاتستشعر الخطر المحدق بالمنطقة بأسرها تاركين إيران والعالم الغربي وإسرائيل على الساحة السياسية والعسكرية لاعبين وحدهم بمصير المنطقة القابل للإنفجار كما تركوا العراق وحيداً.

ومعروف أن اللاعبين الأساسيين في أزمة الملف الإيراني هم ثلاثة أطراف أساسية أمريكا وحلفائها، وإيران ومن يساندها، وإسرائيل ومن يدعمها، وهنا نستنتج أن إيران ضعيفة بكل المقاييس أمام هذه التحالفات ولهذا ننصح القيادات الفلسطينية بعدم التعاون مع إيران أو قبول أي مساعدات مالية منها لأنهم بذلك يراهنون على الجواد الخاسر أمام الوحش الكاسر.

ونريد من القيادة الإيرانية الإحتكام الى صوت العقل والمنطق وإنهاء الأزمة بأي شكل من الأشكال مع حفظ ماء الوجه حتى لاتضطر الى محو إسرائيل من الخارطة وهي تهديدات غير قابلة للتحقيق أو التصديق فقضية وجود ldquo;اسرائيلrdquo; وبقائها كدولة قوية وامتلاكها لكل أسباب القوة هي قضية مسلم بها لا اختلاف عليها في الغرب وكذلك الحال بالنسبة الى دعمها المتواصل، فلا تكاد تخلو دولة في الغرب لا تخصص مساعدات لإسرائيل في ميزانيتها.

وكل ما تتوصل اليه هذه الدول من تكنولوجيا حديثة ومتطورة في مختلف الميادين يصل فوراً الى الكيان الصهيوني دعماً له لمواصلة بقائه وازدياد بسط نفوذه وما ذاك إلا لأن الفكر اليهودي بات مسيطراً على العقول الغربية وحتى بعض العربية منها، وباتت تلك الشعوب تخدم المصالح العديدة للإسرائيليين دون تهويد عقائدي ولكن تهويد فكري وهو الأخطر.

فليس ضرورياً أن تكون يهودياً حتى تكون صهيونياً، لأن الصهيونية ليست جزءاً من تاريخ اليهود ولا التوراة ولا التلمود، ومعظم التصريحات للقيادات الإيرانية هي للإستهلاك المحلي لزيادة المشاعر العاطفية المتأججة واللغة الشاعرية التي يتمتع بها أبناء تلك المناطق التي شغلتهم أغاني الفيديو كليب ولم يفكروا في مصيرهم المحتوم ونرجوهم أن لايعودوا بنا الى الوراء أقصد القيادات الى عهد الستينيات والقادة الذين هددوا برمي إسرائيل في البحر الأمر الذي أدى الى هزيمة عسكرية منكرة سموها نكسة.

فالأمة ليست بحاجة الى نكسات جديدة وينبغي أن ننشغل بالإقتصاد لدعم مشاريع تنموية صناعية تنقذ أبناء المنطقة من البطالة التي بدأت تعصف بهم وتهجرهم الى بلاد المهجر، كفانا إرتكاب أخطاء مدمرة فالعبرة بالأمم السابقة أقصد بذلك quot;الإتحاد السوفيتيquot; الذي إنهزم بسبب سباق التسلح فنزل عن عرش الدول العظمى، وكأن هناك في الأفق سيناريو آخر يتبع مع إيران التي ماتزال تحلم بالترسانة العسكرية بعد أن كانت شرطي المنطقة في عهد الشاه، وبالتالي ستستنزف كل مواردها الإقتصادية لسباق تسلح جديد سيجعلها أفقر دول المنطقة وهي دولة بترولية فيها من الإحتياطي مايجعلها قوة إقتصادية كبيرة وهذه العبرة خير طريق للنجاة من الإنهيار.

وعودة الى التصريحات التي وعدنا بإستعراضها لنترك للقاريء أن يقارن ليعلم من هم الصادقون ومن هم الكاذبون، فهناك تصريح من رفسنجاني لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية قال فيه quot; أن إيران قررت كسر المحرمات الاستعمارية باستئناف برنامجها للطاقة النووية السلمية quot;.

وهناك تصريح آخر للتلفزيون الإيراني عن الرئيس محمود أحمدي نجاد قوله quot; إن إيران ستمضي قدما في برنامجها النووي لأن من يملكون اليوم أعلى مستويات التقنية في إنتاج الطاقة النووية، يملكون الوقود النووي، وهم يستعملونه سلاحا اقتصاديا وسياسيا quot;.

وهناك تصريح لمصدر مسؤول للتلفزيون الإيراني قال فيه إنه quot;تم بنجاح اختبار زورق طائر حديث للغاية في إطار مناورات (الرسول الأعظم)، مضيفة أنه quot;بسبب التصميم المتطور لهيكله الخارجي، لا يمكن لأي رادار في البحر أو في الجو أن يحدد موقعه، كما يمكنه الإقلاع من المياه، و تم تصنيعه محليا بالكامل ويمكنه إطلاق صواريخ تصيب أهدافها بدقة بالغة خلال تحركهاquot;.

وتعقيباً على التصريح السابق هناك مخاوف أوروبية من مناورات أمريكية ترى فيها استعدادات لهجوم على طهران لأن إيران تختبر زورقا طائرا وصاروخا يتجنب الرادار وتتعهد بمواصلة نشاطاتها النووية.

وعلقت الولايات المتحدة على التجارب الإيرانية بقولها إنه quot;من المحتمل أن تكون إيران قد أنتجت صاروخا قادرا على تجنب الرادار والموجات الصوتية، لكن لديها ميل للتفاخر والمبالغةquot;، وأعربت عن قلقها من المناورات الإيرانية.

وأعربت إسرائيل عن مخاوفها من التجارب الإيرانية، وخصوصا بعد ظهور تقارير صحفية ذكرت أن طهران نصبت شبكة تجميع استخبارات معقدة في جنوب لبنان لتحديد أهداف في شمال إسرائيل في حال حدوث مواجهة عسكرية حول برنامجها النووي.

وهناك تصريحات لرئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الروسي قسطنطين كوساتشوف quot; أن استعراض القوة من جانب إيران عمل غير لائق، وأن هذه التصرفات تعطي مردودا معاكساً، ولا تخلق جو الثقة الضروري في المحادثات quot;.

أما تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز التي أكد فيها أن إسرائيل لن تقبل بحصول إيران على التكنولوجيا النووية تحت أي ظرف من الظروف، وردت عليه إيران بالتصريح التالي quot; إن إسرائيل سترتكب quot;خطأ قاتلاquot; في حال لجأت إلى الخيار العسكري ضد برنامج طهران النووي، ووصفت التهديدات الإسرائيلية بأنها لا تتعدى كونها quot;لعبة صبيانيةquot;.

وواصل موفاز تصريحاته بالقول أن تل أبيب quot;لن تتساهل في أي حال من الأحوال حيال امتلاك إيران للخيار النوويquot;، وفي الوقت نفسه أكد أن الأولوية تعود للعمل الدبلوماسي وإستطرد القول إنه سيكون على إسرائيل الاستعداد لمواجة البرنامج النووي الإيراني.

أما التصريحات الأمريكية جاءت على لسان المتحدث باسم الخارجية الأميركية آدم إريلي أن تجربة الصاروخ الجديد التي أجرتها طهران تثبت عدوانية البرنامج العسكري الإيراني، مضيفا أنه يتضمن الجهود لتطوير أسلحة دمار شامل وكذلك منظومات إطلاق هذه الأسلحة.

وتأتي التصريحات الفرنسية على لسان رئيسها جاك شيراك التي هدد فيها باستخدام بلاده السلاح النووي ضد أي دولة تدعم ما وصفه بالهجمات الإرهابية في إشارة واضحة الى إيران.

وفي تصريح لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير أنه يشاطر الرئيس الفرنسي جاك شيراك مخاوفه من quot;الدول المارقةquot;، التي تطور قدراتها النووية بما يخالف واجباتها الدولية، في إشارة واضحة لإيران.

وفي تصريح لرضا آصفي ردا على تهديدات الرئيس الفرنسي جاك شيراك باستخدام بلاده السلاح النووي ضد أي دولة تدعم ما وصفه بالهجمات الإرهابية، وقال إن التصريحات تعكس النوايا الحقيقية للقوى النووية الكبرى.

وهناك تصريح واضح من الرئيس بوش الإبن لوح فيه بإمكانية فرض عقوبات دولية على إيران في حال إصرارها على عدم التخلي عن برنامجها النووي، وقال إن العقوبات مسألة مطروحة بقوة، دون أن يحدد نوع العقوبات التي يتحدث عنها ولا في أي مرحلة يمكن أن تفرض، وأشار إلى احتمالية اللجوء إلى القوة العسكرية ضد طهران كخيار أخير، لكنه شدد على ضرورة استنفاد جميع الإمكانيات الدبلوماسية أولا.

إن تجربة الصاروخ المائي الإيراني لن تمر بسلام وستتهم بحيازة أسلحة الدمار الشامل ويعود السيناريو الذي طبق على العراق ليتم تطبيقه على إيران ولهذا ينبغي على العقلاء أن ينزعوا فتيل الأزمة قبل أن تصبح المواجهة العسكرية حتمية.

مصطفى الغريب

شيكاغو