الرئيس الايراني وسياسة اعلان(الاخبار السارة) بالتقسيط

أوفى الرئيس الايراني احمدي نجاد ما وعد به شعبه والعالم فاعلن قبل ايام قسطا من اخباره السارة المتعلقة ببرنامج بلاده النووي والتي تمثلت بنجاح ايران في تشغيل دورة الوقود التي كانت قد اعلنت عن امتلاكها سابقا وحصولها على الوجبة الاولى من اليورانيوم المخصب بنسبة3،5 الى 5% او مايطلق عليه بوقود المحطات. ليس خافيا على الاختصاصيين والمطلعين على علوم التقنية النووية ان هنالك فاصلة مهمة في العمل والزمن بين هذا الذي يدور الحديث عنه الان اي وقود المحطات وبين الوقود النووي المطلوب للاسلحة النووية، لكن توقيت الاعلان في هذه الايام حيث يتصاعد الصراع حول هذا الملف مسجلا نقطة اعلى في مقياس حرارته واعطاء النظام الايراني لهذه الخطوة زخما اعلاميا وتسويقه لهاعلى اساس انها سجلت ايران رسميا عضوا جديدا في النادي النووي في الوقت الذي توجد فيه مثل هذه المعامل اي معامل انتاج وقود المحطات في دول اخرى ولم يسبق واعلنت تلك الدول انها تنتمي الى النادي النووي.

ان ماسبق ذكره يشير الى حقيقتين رئيسيتين:

الاولى تتمثل في ان الاعلان عن تحقيق نجاحات جديدة يعني ببساطة ان هذا البرنامج، وكما نوهنا في مقالات سابقة، لم يتوقف للحظة واحدة وبالتالي فان الاعتماد على الطرح والادعاءات الايرانية في تقييم هذا البرنامج وماوصل اليه قد يسبب الوقوع في مغالطات كبيرة فكيف يمكن لبرنامج تم إدعاء تجميده ووضع اختام مفتشي وكالة الطاقة على منشأته من تحقيق خطوات جوهرية جديدة خاصة وان الفترة الفاصلة بين اعلان النظام الايراني عن نيته كسر و رفع تلك الاختام وبين الاعلان الاخير عن انتاج الوجبة الاولى من الوقود المخصب لاتتعدى الشهران فقط، كما ان الانباء تتحدث عن طحن اكثر من مئة طن من الكعكة الصفراء. ان الاعلان الايراني قد وضع القيادة الايرانية من وجهة نظر الكثيرين في قلب الدائرة الصغرى من الشك في كل ادعاءاتها ونواياها. وحده مدير وكالة الطاقة الدولية الدكتور محمد البرادعي الذي يبدو انه إستفاد كثيرا من الدرس العراقي يرى الى حد ما عكس ذلك، فاصبح حذرا الى اقصى الحدود في تصريحاته ولذلك حاول ويحاول التخفيف من حجم الخطوة الايرانية معتمدا السياسة ذاتها التي يستخدمها مع النظام الايراني في الرفع والكبس بخجل شديد بعكس ما فعله ايام ازمة اسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة. أليس التساؤل مشروعا حول ردة فعل البرادعي لو كان العراق وقتها قد اعلن عن نجاحه في تخصيب اليورانيوم باية نسبة بسيطة، هل كان سيكون رد الفعل مشابها لردة فعله ازاء الاعلان الايراني، لقد كان اكتشاف عدة وثائق عن التخصيب في دار احد العلماء العراقيين كافيا لينطلق الدكتور البرادعي وقتها في تصريحات نارية تنذر العالم بخطر رهيب وشيك!

اما الحقيقة الثانية فتكمن في ان الكثيرين لايعتقدون في ان القيادة الايرانية التي اظهرت لحد الان قدرة كبيرة على المراوغة قد وصلت بها السذاجة الى ذلك الحد الذي تقرر فيه تحدي العالم كله واسترخاص مصداقيتها لديه من اجل وقود لاينفع باي شكل من الاشكال ليكون ورقة حاسمة في مساومات مباحثات الطاولة بل يمكن، اذا كان هذا كل شئ. ان يكون ذلك السحر الذي سينقلب على الساحر ويصبح سببا لتنازلات جدية من الجانب الايراني وفرض شروط جديدة من الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي.

ان الزمن يمضي بسرعة ولايمكن لكل الاطراف ان تستمر في الامساك بخيوط اللعبة الى المالانهاية واذا كانت القيادة الايرانية قد تمكنت حتى الان من ادارة اللعبة والمراوغة فيها بدرجة كبيرة من الذكاء ألا انها تعرف يقينا ان صافرة الحكم قد اصبح صوتها اقرب من اي وقت مضى وان امامها طريقان لاثالث لهما، إما ان تلقي بكل مفاتيح البرنامج النووي الايراني على الطاولة في تصرف مشابه لما فعله قبلها العقيد الليبي وتعتبر ان انتاج وقود المحطات كان نقطة الذروة في هذا البرنامج. يبدو هذا الاحتمال بعيدا نظرا لما عُرف عن النظام الايراني من التعنت والمطاولة وعدم الاستعداد لوضع ربح العالم مكافئا لخسارة المصداقية امام شعبه ناهيكم عن ان هذا النظام يعرف جيدا ان مفاتيح البرنامج النووي وكما اثبتت الوقائع ليست إلا مقدمة لسلسلة طويلة من المفاتيح الاخرى التي غالبا ماتنتهي بمفاتيح غرف النوم الداخلية. اما الخيار الثاني فهو الاعلان الرسمي عن امتلاك ماهو اكثر من وقود المحطات وفرض الامر الواقع على المجتمع الدولي ودعوته الى التفاوض على اساس حقائق جديدة. ليس صعبا على محلل مبتدأ ان يقرأ مابين السطور فعندما يتحدث الرئيس الايراني في حفل تدشين وقود المحطات عن القوة النووية الايرانية ودورها المستقبلي في ( استقرار المنطقة ) فان ذلك يعني ان قسطا مهما من ( الاخبار السارة ) في الطريق، وإلا ماهو الرابط بين وقود تنحصر استخداماته في محطات توليد الطاقة والقوة النووية؟

ان النظام الايراني يعتقد جازما ان اعلانه عن امتلاكه السلاح النووي سيكون عاملا حاسما يقيه من اية ضربة عسكرية تخطط الولايات المتحدة او اسرائيل لتنفيذها ضده بل وحتى اية عقوبات دولية طويلة.

هنيئا للادارات الامريكية المتعاقبة على سياساتها الغبية وصنيعها الاسود يوم قررت مطاردة السراب النووي العراقي وتركت القط حتى يسمن جيدا فغاصت في وحل المطاردة ودفع ويدفع الابرياء الثمن ولاتعرف لنفسها مخرجا، اما القط فكانت السنين الطويلة كافية ليلعب ويلهو ويمارس الرياضة ويسمن كما يحلو له وعندما قررت الادارة الامريكية ان تستفيق له وجدت نفسها امام تنين احمق سيكسر عنق الزجاجة ان لم يخرج منها سالما.

الدكتور وديع بتي حنا

[email protected]