الفكرة التي أقدمت عليها جمعية قدماء تلاميذ بني عمار زرهون * والرامية إلى تنظيم كرنفال وسباقات خاصة بالحمير، تدعونا إلى المساءلة بل وإلى القلق الفكري. فخطوة من هذا النوع،تعد جريئة بكل المقاييس في مجتمع مازالت ثقافة الازدراء و الاحتقار متجذرة فيه.و الحلم بالفكرة والرغبة في تجاوز ما هو كائن لتحقيق ما يجب عليه أن يكون، دفع بأعضاء الجمعية المذكورة إلى إعلان التحدي في سبيل الاحتفاء بالحمار وإعادة الإعتبار إليه كوسيلة للتصالح مع الذات العاقلة و الحيوان في آن واحد.
أولا، تعد سباقات الحمير رسالة واضحة لخلخلة الجاهز في ثقافة الإنسان الذي يرى نفسه أرقى و أفضل من بقية الكائنات، بالمقابل يجهل نقصه اليومي و جزءه الطبيعي الذي ينكشف في لحظات عديدة يفقد فيها توازنه وعلى سبيل المثال لا الحصر، أثناء انفعاله حيث يلجأ إلى العنف المادي و الرمزي كرد على موقف معين.
ثانيا، حالة الطبيعة تفرض علينا حضورها انطلاقا مما يصدر عن الإنسان من سلوكات غير مكتسبة و أحكام قبلية جاهزة، وهذا يحفزنا أكثر على التساؤل:لماذا نحتفي بالإنسان المجرم، الجلاد، المغتصب لحقوق الآخرين،...ونكرمه و لا نحتفي بالحمار؟ فكل أفعال الإنسان الإجرامية و العنيفة تعري غرائزه و نزوعاته الطبيعية التي دون عقلنتها تظل في مرتبة الحيوانية. فأحكام القيمة هي التي تجعل الحمار في درجة دنيا و مثالا للبلادة دون أن نتساءل عن حقوق هذا الكائن و دلالاته الصامتة التي تظل جبيسة الغرائز و النظرات اليتيمة التي يرى بها هذا العالم. إنه كائن لا يَظلم كما يفعل الإنسان، بالمقابل فهو يخدم هذا الأخير و يساهم في تنمية مجاله.
تتجاوز هذه التساؤلات والأفكار لغة الخشب التي ألف الناس استعمالها في وصف الحمار، الذي يظل مع ذلك في درجة معينة من الذكاء تختلف النظرة إليها حسب اختلاف الثقافات و المجتمعات. إن وضع الحمار ككائن حي في العالم يسائلنا ويستنطق طبيعتنا الميالة إلى الغرائز التي لا تتميز عن بقية الحيوانات إلا بحضور العقل. فعندما يلبي الإنسان حاجاته الأولية أو يغتصب أخيه الإنسان جنسيا، أو يعتدي عليه...فإننا بذلك نكون أمام كائن طبيعي يمارس حالة الحيوانية الخالصة. فالإنسان لا يدخل إلى مملكة الوجود الإنساني إلا بتوقيع من العقل المغاير للغة الغرائز. في هذا السياق، لابد من الإشارة إلى فكرة ديكارت التي تؤكد على أن وجود الذات مرهون بالتفكير و بالتالي، فالإنسان الذي لا يفكر يعتبر ذاتا غير موجودة.
إن ما يلاحظ اليوم من ظلم و جور و حروب يمكن أن يفسر تصور المدرسة الواقعية بشتى ألوانها و التي تنهل من فلسفة هوبس الشيء الكثير. هذا التصور يجعل من العودة إلى حالة الطبيعة دافعا وراء العنف الممارس بين الإنسان و أخيه الإنسان. فالوضع العالمي يرفع الحجاب عن هذا النكوص الذي لا يجعل الإنسان أفضل من بقية الكائنات على أية حال.
فتنظيم مسابقة أجمل حمار تعد سابقة في مجتمع يكرس التراتبية و التصنيف الطبقي و الذي تحول فيه الإنسان إلى موضوع بدل من ذات فاعلة لها كيان مستقل. إنها جزء من الخطاب الجمالي والحقوقي الرامي إلى الرفق بالحمار و رد الاعتبار للحيوانات عموما، بل هي فرصة لكل منا من أجل التواصل مع ذاته و استفزاز كبريائها و اعتقادها الدوغمائي في الترابية بين الكائنات بغية الارتقاء بهذا الجزء الصامت فينا إلى مرتبة الفعل الثقافي و المجتمعي. لاشك أن الأمر عبارة عن حلم حققته جمعية قدماء تلاميذ بني عمار زرهون ثلاث مرات بإمكانياتها المحدودة و هي الآن تستعد في حلة جديدة لتنظيم الدورة الرابعة الصيف المقبل. ولذلك، نوجه ألف شكر لمنظمي كرنفال الحمير على هذه الجرأة المتميزة و التي تحتاج إلى دعم خاص من لدن بني البشر من أجل بناء عالم يسوده التناغم عوض التنافر.
الجمعية موجودة بقرية بني عمار زرهون ـ ناحية مدينة مكناس المغربية
محمد نبيل
صحافي مقيم بألمانيا
[email protected]
التعليقات