يبدو أن عام 2006 سيكون هو عام معارك الكاريكاتير، فبعد الكاريكاتير الهولندي، وأزماته وضحاياه، شرقا وغربا، هُلعت بلغاريا، جراء نشر صحف محلية هناك، لكاريكاتير يتناول (الرئيس الليبي معمر القذافي) ومقدار الهلع البلغاري، من السهل تتبعه، في بيان وزارة الخارجية البلغارية، واستقبال الرئيس البلغاري غيورغي بارفانوف، للسفير الليبي ببلده، وإعرابه عن صدمته، لما نشر في صحف بلاده، تجاه العقيد القذافي.
لا يحتاج المرء إلى عناء تفكير، في كون هيبة القذافي وكرامته ليست مما تحرص عليها الدولة البلغارية، ولا يمكن أن تكون العلاقات الودية بين الشعبين الليبي والبلغاري( كما تقول وكالة الأنباء الليبية عادة)، هي الدافع لكل هذا التأدب الرسمي البلغاري، فحكومة بلغاريا، لا تضع نصب عينيها سوى خمسة ممرضات بلغاريات، وطبيب فلسطيني منح جنسية بلغارية مؤخرا، تسعى جاهدة لإطلاق سراحهم، متوسلة بكل ما تستطيع بداية من طيب الكلام إلى حد الاستعانة بسيد البيت الأبيض شخصيا.
حكومة صوفيا تدرك تماما أن أسلوب العقيد الليبي، في إدارة بلده، واهتمام النظام الليبي بشخصية قائده دون سواها، يجعل التعرض لهذه الشخصية، وفي هذا الوقت بالذات، يصيب كل جهودها بأزمة، إن لم يصبها بمقتل، فبلغاريا كدولة أوربية، تدرك ماذا حدث للنمسا، عندما منعت نجل العقيد من دخول أراضيها وسمحت بالدخول لحيواناته الكريمة (نمرين) أواخر التسعينات، فكان قرار العقيد إنهاء كل أعمال شركة (فوست البين voestalpine AG)، برغم عملها بمشاريع إستراتيجية ليبية، كمشروع الحديد والصلب بمصراته 200(كم شرق طرابلس)، ولم ينته الأمر، إلا بعد السماح لنجل العقيد بالدخول، معانقا نموره، وكتبه الدراسية في بلاد الألب.
وكان لتركيا كذلك، تجربة مماثلة، مع القائد الليبي، بعد نشر بعض صحفها لما أعتبر مسيئا لجناب العقيد الليبي كذلك، وكانت تدخلات أربكان، سببا في إيقاف العقاب الثوري عن الشركات التركية، بدولة العقيد المطلية بالأخضر.
وعندما خرج المعارض الليبي (فرج بولعشة) في برنامج على شاشة الجزيرة القطرية، أدرك الصباح السفير الليبي، جالسا في أول طائرة صوب عاصمة بلاده طرابلس، كإحتجاج على ظهور ما يخدش جلال العقيد المهيب، خاصة في قناة كالجزيرة.
ولازال المعارض الليبي (فتحي الجهمي) يدفع فاتورة صيحته في فضائيات أمريكة وعربية، تناولت شخص القذافي، الذي وصفه الجهمي، بأن ما ينقصه، هو أن يتخذ الليبيون سجادة، و يتوجهوا إليه بالصلاة، ومنذ اعتقاله قبل عامين، ضاعت كل الجهود والنداءات من أعرق المؤسسات الحقوقية، وشخصيات دولية شهيرة لإطلاق سراحه، فحقيقة الأمر، أن العقيد يغفر كل شيء إلا أن يشرك به، فما بالك حين يجترح مواطنه الشرك، تحت ظل خيمته بالذات.
تدرك بلغاريا أنها ربما لم ولن تصادف زعيما أو رئيسا في العالم، يدور الكون على نقطة هو مركزها ndash; بحسبان نفسه- كالعقيد القذافي، لم ولن يحدث شيء في ليبيا وحولها ومعها ذي بال، إلا إذا تعلق القائد صاحب الرقم القياسي في الكتب البيضاء، وحلول مشاكل البشرية، من إسراطين، حتى الكوريتين مرورا بالأمم المتحدة.
وبعد الدانمرك ورسومها الساخرة من رسول الإسلام (صلعم)، جاء الدور على (رسول الصحراء)، الذي أهدى للعالم ثلاث أجزاء من كتاب، لم يعد هو شخصيا، يشنّف الأسماع كثيرا بالحديث عنه، لكن الفارق أن الرسول الذي أهانته صحف بلغاريا حي، يرزق، ويملك ثامن أكبر احتياطي نفط في العالم، ويمكنه أن يمنع البلغار من استرزاق حرية مواطنيهم مالم يلبوا الشروط، ويزيلوا الموانع، ومن سيدفع الثمن هذه المرة لن يكونوا محتجين تحت شمس مايو، أمام السفارة البلغارية، بل بلغار ينتمون للإتحاد الأوربي، بغض النظر عن إدانتهم من عدمها.
لهذه الأسباب فقط، هرعت بلغاريا تستغفر العقيد زلة صحافتها اللامسؤولة، وتتباكي خارجيتها على هدر دماء تعارف الشعوب وعلاقاتها الطيبة، وفي ضوء هذه التوبة البلغارية النصوح عن ذنب لم ترتكبه دولتها، لايزال السؤال: أما آن لمن يتوب إليه الجميع أن يتوب؟؟؟ نعم هذا هو السؤال!!!
طارق القزيري
كاتب ليبي- هولندا
[email protected]
التعليقات