من بيرس لبيرتس... من قانا للسودانية.. رسالة واحدة!

أكتب هذا الكلمات بعيون دامعة متابعة عبر شاشة فلسطيني البث الحي للمجزرة الإسرائيلية في السودانية بقطاع غزة، ومحاولاً مقاومة رجفة قلمي على صوت نحيب الطفلة الثكلي على جثة أبيها الممدة على الشاطئ. حيث أن ما قامت به البوارج الحربية الإسرائيلية من قصف لمصطافين فلسطينيين في منطقة السودانية قرب قرية بيت لاهيا شمال قطاع غزة_ وما نتج عن ذلك من استشهاد نحو ثمانية شهداء (من عائلة غالية) وأكثر من أربعين إصابة ضمن تقديرات أولية_ يشكل قمة الغطرسة في السياسة الاحتلالية، وبرهاناً ساطعاً على حرب الإبادة التي تقودها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. حيث تم قصف مدنيين عزل هربوا من وهج حرارة شمس حزيران الملتهبة في قطاع غزة الذي لا يملك سوى شاطئ محاصر كمكان للاصطياف، محاولين قهر الجوع نتيجة الحصار المفروض على شعبنا عقاباً له على ديمقراطيته. ولاهثين وراء أحلام طفولة عابرة وسط رمال الشاطئ الحزين. وتأتي هذه المجزرة البشعة استمراراً للهجمة الاحتلالية المسعورة ضد أبناء الشعب الفلسطيني الذي يعاني حصاراً براً وبحراً وجواً، حيث يتعرض قطاع غزة للقصف المستمر من دبابات الاحتلال ومدفعيته التي تحاصر القطاع، وكذلك من طائراته التي تحصد أبطال المقاومة وقادتها الواحد تلو الآخر.

وقد جاءت هذه المجزرة البشعة في الوقت الذي تتجه أنظار العالم نحو مونديال العالم في ألمانيا، حيث تستغل قوات الاحتلال انشغال العالم وإعلامه بهذا الحدث الكروي الكبير لارتكاب هذه المجزرة من أجل قهر الشعب الفلسطيني، والنيل من صموده وإرادته. كما أن هذه المجزرة جاءت لتكشف زيف من أدعى ويدعي بأنه حمامة سلام، وأنه دخل الحكومة الإسرائيلية من أجل العودة لعملية السلام. وهي تكشف الوجه الحقيقي والإجرامي لعمير بيرتس وزير الدفاع الإسرائيلي وزعيم حزب العمل الإسرائيلي. وتؤكد أن حزب العمل وكاديما وجهان لعملة واحدة، وأنهما ينهلان من نبع إرهابي صهيوني عنصري يحمل الحقد لكل ما هو فلسطيني حتى لو كان طفلاً أو شيخاً أو امرأة. وأن دولة إسرائيل هي دولة عنصرية وإرهابية وليست دولة ديمقراطية كما يروج لها العالم. وأن العالم يتحمل مسؤوليته الكاملة في تقديم قادة دولة إسرائيل كمجرمي حرب إلى المحاكم الدولية. وأن ما ارتكب من جرائم حرب في صبرا وشاتيلا في 17/9/1982، ومذبحة قانا في سنة 1996م، ومجزرة السودانية هي مسلسل لن يتوقف ما لم يقدم مرتكبيها للمحاكم الدولية. وأن عمير بيرتس لا يختلف عن شمعون بيرس _بطل مذبحة قانا في جنوب لبنان_ ولا يختلف عن الإرهابي شارون.

وتشكل هذه المجزرة رسالة إلى كل من يلهث وراء السلام مع دولة الاحتلال، ويعول على هذه وذاك. ويحاول أن يجد تفريقاً بين حمائم وصقور في السياسة الإسرائيلية. ومن الجدير بالذكر هنا أن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة لم تشهد حتى شعاراً واحداً حول السلام من جميع الأحزاب الإسرائيلية بما فيها الأحزاب التي تتشدق بالسلام. وهي تعد ابرازاً لجنوح المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والعنصرية، وتأكل ما كان يعرف بمعسكر السلام الإسرائيلي.

كما تبرق هذه المجزرة إلى القيادة الفلسطينية بضرورة الترفع عن المصالح الحزبية والشخصية، و مدى الحاجة الملحة لحوار وطني فلسطيني يعيد للشعب الفلسطيني وحدته حول مشروعه الوطني وقضيته العادلة في حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وأن حالة التشرذم التي يعيشها الشعب الفلسطيني وانقسامه والاستقطاب الحاد الذي تمارسه فصائله الوطنية الفلسطينية هي التي تشجع دولة الاحتلال على الاستمرار في غيها وبطشها. وأن ما يرتكب من مجازر بحق أطفال شعبنا وشيوخه ونسائه يستدعي توحيد المقاومة الفلسطينية على برنامج واحد وإستراتيجية واحدة. وأن الكل مستهدف ولا يوجد أحد من الشعب الفلسطيني خارج دائرة العنف والبطش الإسرائيلي حتى لو كان الطفل الرضيع في سريره على شاطئ البحر.

إن هذه المجزرة يجب أن تسجل كوثيقة إعلامية وتنشر في جميع الوسائل الإعلامية العالم للدلالة على الوجه الحقيقي والعنصري لدولة الاحتلال الصهيوني. وأن تبث صورة الطفلة التي تنوح أباها على مدار الساعة في فضائيات الدول العربية والإسلامية أثناء تغطية مونديال العالم بل ما بعد ذلك من أجل إبقاء هذه المجزرة حية في ذهن ووعي كل فلسطيني وعربي ومسلم.

د. خالد محمد صافي