الكل يدعي معرفته بشجرة الأرز، لكنني أتحدى الكثيرين بأن يعرفوا بعضاُ من سر هذه الشجرة العظيمة.

لمعرفة شجرة الأرز و سرها (أو أسرارها) العديدة، عليك أن تعيش معها. فالتفاهم مع مثل هذه النباتات (الأشجار) يتطلب العديد (بل العشرات) من السنين من التقارب و التناغم و التعارف.

الأرزة، وهي صغيرة يكون إرتفاعها سنتيمترات، و إذا زرعتها في حديقة بيتك، ستجد أن عشرات السنين ستنقضي قبل أن تراها فارعة الطول.
أقول هذا لأنني عشت مع بعض (الأرزات) طويلاٌُ لأكتشف هذا الكلام، و ليتبين لي بالوجه القاطع أن مثل هذه (الأصيلة) تقضي عشر سنوات على الأقل قبل أن يصل طولها إلى عشرين سنتيمتراُ (لا أكثر).

و لمعرفة هذه الشجرة، عليك أن تعيش معها و تتحدث إليها دائماُ لتراها في يوم من الأيام تتحدث إليك و تستجيب لكلامك. بعدها، (وإذا قبلت صداقتك) ستتعاون معك و تعطيك بعضاُ من تحف جمالها.

أجمل ما فيها سنينها العشر الأوائل، و أنت تشعر و تحس بنضارة أوراقها و بخشونة جذوعها و في نفس الوقت، برقتها في حبها لك، كاستجابة لغرامك بها.

قبل أن أكمل أود أن أذكر بأن شجرة الأرز يوجد منها عدة أنواع في العالم، مثل: الأرز النحاسي، والذي يعيش في أمريكا الشمالية، و أرز الأطلس، الذي يوجد على جبال الأطلس و جبال الريف في المغرب العربي، ثم أرز لبنان الموجود في لبنان و قبرص و على جبال الهملايا.

هنا، أنا أتحدث فقط عن أرز لبنان.

فهذا الأرز معروف عنه أن خشبه متين يصلح للنحت عــليه، ويدخل فـــي صناعات خشبية، إضافة إلى أن رائحته عطرة وذكية. و لون الشجرة معروف بالأخضر الجميل.

استخدم المصريون القدماء أشجار الأرز في التحنيط، وبناء القصور والمعابد والمقابر، وارتبطت هذه الشجرة بأساطير كثيرة ومنها الأساطير الفرعونية التي أضفت على هذه الشجرة صفة القدسية، وخاصة الأسطورة الفرعونية الشهيرة عن الصراع بين الخير والشر حول إيزيس وأوزيريس.

خلاصة كلامي تكمن في الوصف التالي:

يجب ملاحظة أنه حينما تتعرض شجرة الأرز للهجوم فإنها تنتج براعم ثانوية كآلية من آليات الدفاع عن نفسها وحب البقاء لديها.

هذا أجمل ما في الأرز، هذه الصفة التي ما زلنا لا نعرف من منحها للآخر(هل الشعب اللبناني منحها للأرز أم أنه اكتسبها من هذه الشجرة العظيمة؟)

لكن هذا السر يفسر لنا كيف أن لبنان اختار شجرة الأرز شعاراُ له على علمه الوطني.

انظروا إلى علم لبنان لنقرأه: فهي تمثل نقاء الحب و المحبة باللون الأبيض، و حب البقاء و الإستمرارية و التفاؤل بلونها الأخضر، و ثورتها على كل معتدي كان، في جذرها تدوس في الأسفل على من خانها من الأشقاء ليغرق في بحيرة من الدم، و من قمتها تنمو شموخاُ و كبرياء رغماُ عن العدو حتى لو اضطرت أن تسبح هي في الدم.

لكن الكارثة أن الذبح هذه المرة بدأ من الرحم، من الأسفل، فسقط الغضب من السماء.

و أستذكر هنا كلام واحد من بين ملايين محبي لبنان الذي قال:

quot;كما في كلّ عام وبمناسبة عيد الربيع، كنت أزور الأرزة الأم في الأعالي، طالباً الحنان والأمل والجمال، مهدياً لها ما أحمل في قلبي من محبّةٍ وإجلالhellip;لكن يبدو أنّ هذا العام ليس عاديّاًhellip; فما يحدث في الأسفل، يلقي بثقل ظلاله على السماءhellip;quot;

أقول بكل بساطة: إحذروا دموع الأرز


أكثم التل
كاتب و صحفي أردني ndash; مستقل
[email protected]