فجأة ينفجر الوضع في جنوب لبنان. حزب الله يمارس حقه في النضال والدفاع عن جنوب لبنان ويناضل لتحرير مزارع شبعا ويقاتل من اجل استعادة المناضلين المعتقلين في السجون الاسرائيلية. هذا من حق المقاومة الباسلة. لا شك ان حزب الله كان مستعدا للمواجهة واثبت خلال الأربعة اسابيع الماضية انه قادر على استيعاب الضربات المؤلمة وان يرد على اسرائيل وان يصمد أمام أكبر قوة عسكرية خارج الناتو وروسيا.
اسرائيل كدولة انتقامية حاقدة باشرت بتدمير لبنان تدميرا منهجيا كاملا. الولايات المتحدة وبريطانيا تواطئت مع اسرائيل ووقفت كعقبة أمام تحقيق وقف اطلاق نار سريع لاعطاء فرصة كافية لاسرائيل لكي تدمر حزب الله ووضع أسس جديدة للخارطة السياسية في المنطقة. اسرائيل وبدعم غير محدود من الولايات المتحدة لا تريد تقديم نصر ميداني لحزب الله على طبق من ذهب بالموافقة على وقف اطلاق نار فوري. التواطؤ الاميركي البريطاني الاسرائيلي لا يخفى على أحد.
ومما لا يمكن التشكيك فيه هو مقدرة حزب الله على مقارعة اسرائيل والصمود أمامها واستطاع بصموده تحطيم اسطورة الجيش الذي لا يقهر.
وكتبت قبل اسبوعين في هذا المنبر انه مهما يحدث على الساحتين العسكرية والديبلوماسية سيعلن حزب الله الانتصار مهما كانت النتيجة النهائية ومهما كانت العواقب ومهما كان حجم الدمار. وهذا الاعتقاد لم يتغير.
هذا كان واضحا لكل من يتابع الأخبار حتى ولو بطريقة سطحية.
ولكن المفاجأة الأخرى هو اندلاع حرب اعلامية شرسة تستهدف الأردن والسعودية ومصر من خلال الفضائيات والتعليقات الصحفية وكيل الاتهامات ضد الدول المذكورة بالتقصير في دعم المقاومة بسبب علاقاتها الديبلوماسية مع الولايات المتحدة وبسبب اتفاقات سلام اردنية ومصرية مع اسرائيل.
يطالب المناضلون الشفهيون في وسائل الاعلام من مصر والاردن بقطع العلاقات مع اسرائيل. البعض الآخر يطالب الدول العربية بدخول حرب ضد اسرائيل وهي غير مستعدة لتلك الحرب. أي يريدوا جر بعض الدول العربية الى مواجهة كارثية كما حدث عام 1967.
أما قطع العلاقات الديبلوماسية ليس أقل خطرا. ولكن السؤال الهام هل سيحقق قطع العلاقات الديبلوماسية والغاء الاتفاقات أي فائدة أو هل سيؤدي الى وقف فوري لاطلاق النار وهل سينقذ لبنان من الدمار الاسرائيلي الشامل. هل تم دراسة العواقب والتبعيات لخطوة من هذا النوع. اذا كان المطلوب هو احتجاج رسمي شديد اللهجة فهذا تم على أعلى المستويات في المملكة الاردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية. وابدت هذه الدول حكومات وشعوب تضامنا قويا مع الشعب اللبناني رغم التحفظ على الطريقة التي تم بها اشعال الموقف.
لنفترض جدلا ان الاردن أغلق سفارته في تل ابيب وطلب من السفير الاسرائيلي مغادرة عمان حالا. فماذا سيحدث؟
هل ستتوقف اسرائيل عن قصف لبنان. هل ستسارع اسرائيل في اطلاق سراح المعتقلين والانسحاب من مزارع شبعا وتتحول الى دولة عاقلة انسانية وتطلب مفاوضات وحوار لحل المشاكل. أم أنها ستكرر النغمة انها محاطة بالاعداء وان العرب لا يمكن الثقة بهم ولا فائدة من اي اتفاقات معهم وتحصل على الدعم الاميركي الأعمى في هذا الموقف العدائي. ومن سيستفيد من هذا الموقف غير اسرائيل واعداء العرب والقضايا العربية. بما أن اسرائيل هي المستفيد فمن هو الخاسر الأكبر؟
الشعب الأردني سيخسر والشعب الفلسطيني سيدفع ثمن هذا الغباء السياسي كما هو الآن يدفع ثمن اخطاء السلطة الفلسطينية والمقاومة المتمثلة بحماس والجهاد الاسلامي.
ويحق لنا ان نتساءل ماذا سيحدث في الاراضي المحتلة. اسرائيل قادرة على اغلاق المعبر والجسر الذي يربط الضفة الغربية بالاردن الذي هو بمثابة رئة حيوية يتنفس منها الشعب الفلسطيني الذي تربطه علاقات عائلية واجتماعية ونسب مع الشعب الاردني وسنجد انفسنا امام كارثة انسانية جديدة. وهل سيتدخل مرددي الشعارات والمعارك الشفهية عبر الفضائيات لانقاذ الشعب الفلسطيني. وأثبتت وقائع التاريخ أن وجود علاقات مع العدو أفضل من عدمه. على أدنى حد تستطيع ان تعطي رأيك او احتجاجك من خلال القنوات الديبلوماسية والتأثير على قرار خصمك.
واطرح سؤالا بديهيا وربما يبدو ساذجا ولكنه يحتاج الى دراسة:
هل اسرائيل قادرة أم لا على طرد كل سكان غزة من القطاع وتشريدهم باتجاه مصر والتخلص منهم كليا.؟ من يستطيع ايقاف اسرائيل من اتخاذ خطوة كهذه؟ ولولا وجود علاقات ديبلوماسية واتفاقات مع مصر لقامت اسرائيل بذلك وتخلصت من غزة وحماس وصواريخ القسام. وماذا سيفعل العرب من المحيط الى الخليج؟ الجواب: عسكريا صفر. اعلاميا سنسمع صراخ على الفضائيات وتعليقات استنكارية على المواقع الانترنتية والصحف.
وخلال الاسابيع الأربعة الماضية استطاعت اسرائيل اجبار 700 ألف مواطن لبناني النزوح من قراهم ومدنهم في الجنوب وهي قادرة ان تفعل ذلك في الضفة الغربية.
يتعين على الذين يطالبوا بقطع العلاقات الديبلوماسية مع اسرائيل وايضا مع الولايات المتحدة لانها الداعم الأول والأكبر لاسرائيل ان يفكروا قليلا بالعواقب. هل يعولوا على روسيا والصين ودول العالم الاسلامي لتساعدهم وتقف معهم.
أثبت التاريخ الحديث ان المصالح هي المعيار وليس العواطف.
وعلى أدنى المستويات وجود علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل يعطي الاردن المقدرة على ممارسة ضغوط والتعبير عن مواقف الاستنكار والرفض وبالمثل مع الولايات المتحدة. ولو لم تتوافر هذه القنوات هل يستطيع أحد ان يتنبأ الكوارث التي ستحل بالشعب الفلسطيني والاردني.
اذا ليس صعبا ان نستنتج ان قطع العلاقات مع اسرائيل والولايات المتحدة لن يأتي بأي فائدة للأردن والعرب وسيأتي بالكارثة للشعب الفلسطيني.
ليس سرا ان اسرائيل تعتبر الأردن الوطن البديل للفلسطينيين وستنتهز اي فرصة ملائمة لطرد مليون فلسطيني من الضفة الغربية وغزة للأردن لفتح المجال امام المستوطنين ليحلوا محلهم. ولكن الاردن وقف لاسرائيل بالمرصاد وحذر من مغبة اي خطوات من هذا النوع واقنع الادارة الاميركية بخطورة خطوات من هذا القبيل. وهذا لم يكن ممكنا اذا لم يكن هناك علاقات وقنوات للحوار والتشاور.
الأردن بلد صغير ذو موارد محدودة ورغم صغر حجمه وقدراته استطاع استيعاب موجات ضخمة من النازحين نتيجة للعدوان الاسرائيلي في فلسطين وغزو صدام حسين للكويت ونتيجة لغزو العراق لاسقاط صدام حسين.
الرجاء أن لا تحملوا الاردن أكثر من طاقته ولا تضعوا وزر الصراعات الاقليمية على كاهل الاردن. الاردن أول من اخترق الحصار الجوي على لبنان واستقبل الطائرات اللبنانية وقدم ما يستطيع من المساعدة والاردن فتح ابوابه للعراقيين الهاربين من الحرب والارهاب والبطش الصدامي.
ومهما قدّم الأردن من تضحيات من اجل الامة العربية سيبقى مستهدفا للمؤامرت الاقليمية بتواطؤ المتربصين في الداخل الذين يعملوا لحساب الغير تحت شعارات دينية وقومية ويستغلوا هامش الحرية الواسع للاساءة الى الاردن والتشكيك في دوره ووطنيته.
وسؤال لأبطال الشعارات ماذا فعلت الانظمة الثورية الجمهورية من اجل مساعدة لبنان وانقاذ لبنان. وعلى سبيل المثال ماذا قدمت ليبيا الثورية الوراثية من دعم ولماذا لم يتم اشعال جبهة الجولان واين الصواريخ المضادة للطائرات في لبنان. وماذا قدّم المليار ونصف المليار مسلم للبنان والشعب اللبناني.
نهاد اسماعيل
لندن
Nehad ismail ndash; London، UK
التعليقات