لدينا فى بلاد الأعراب فائض كبير جدا فى المحللين الإستراتيجيين والعسكريين. تقريبا كل شعوبنا لها باع فى التحليل الإستراتيجى والعسكرى. عندما تذهب إلى الميكانيكى لتصليح سيارتك تجد الأسطى يقرأ فى صحف ndash; وليست صحيفة واحدة- عن أخبار العالم كله وعلى رأسها طبعا أخبار الأمة الغير مفرحة. ثم يدعوك ليس لشرح مشكلة سيارتك التى قمت بقطرها لمحله ولكن للإستماع لوجهة نظره الخطيرة وآراءه الفذة فى حل مشاكل العالم كله الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والعسكرية ايضا. وقس على هذا الجزار والبقال وبائع البطاطا.
طبعا لا ننسى حضرات الموظفين الذين يقرأون الجرائد وهم يتناولون الفطور أو الترويقة أو كيفما كان إسم تلك الوجبة حسب الموطن. كل هؤلاء ينتظرون من المستمع أن يهز رأسه موافقا على الأقل. أما إن كانت الخدمة المطلوبة ملحة أو كان الشراء من الجزار أو من البقال آجلا فلا أقل من الموافقة التامة وإضافة بعض الحجج لتأييد الأراء المبداة حتى ولو كانت سخيفة كمثل تلك الأراء ذاتها.
هذه مصيبة محتملة. أما المصيبة غير المحتملة فهى أراء أغلب حضرات المتعلمين والذين تسبق أسمائهم quot;الدالquot; العتيدة والتى من المفروض أن تدل على أن الحاصل عليها قد بلغ من العلم مبلغا عظيما هو الأسمى بين طالبى العلم. سبب هذه المقالة أن عشرات من الدكاترة وأساتذة العلوم السياسية والمحللين الإستراتيجيين والساسة والديبلوماسيين والمذيعين وغيرهم وغيرهم لم يستطيعوا أن يشرحوا للمواطن العربى الفارق بين وقف إطلاق النار ووقف الأعمال الحربية، ذلك رغم الساعات التى وفرتها لهم كافة الفضائيات. ومن الأكيد أن حضرات الضيوف لا يعلمون الفارق ولذلك عجزوا أيما عجز عن شرح الفرق بين المعنيين.
هذا المقال موجه لهؤلاء السادة الذين لا أشك أنهم قد تحصلوا على شهاداتهم بالغش أو بالسرقة العلمية المنتشرة فى الوطن العربى أو على الأقل بالرشوة. نقول لهؤلاء السادة المتصدين للتحليل quot;الإستراتيجىquot; من مذيعين وضيوف ولواءات عسكر وحاملى شهادات الدكتوراة وسياسيين وسفراء للأسف، نقول لهم أن الفارق بين معنى quot;وقف إطلاق النارquot; وبين quot;وقف الأعمال الحربية العدائيةquot; هو فارق نوعى.
quot;وقف إطلاق النارquot; معناه دارج ومعروف وهو توقف الإطلاق الفعلى للنار بين القوات المتحاربة. أما quot;وقف الأعمال الحربيةquot; فله معنى أشمل من المقصود بوقف إطلاق النار. ويختلف الإثنان عن quot; وقف الأعمال الحربية العدائيةquot;. وقف الأعمال الحربية له معنى يتسع عن معنى وقف إطلاق النار، إذ هو يتضمن وسحتوى وقف إطلاق النار حسبما هو معروف، وأيضا وبالإضافة لذلك المعنى ينسحب على كافة الأعمال العسكرية حتى ولو لم تتضمن إطلاقا فعليا للنار. فمثلا تحريك أيا من الطرفين المتحارين لقواتهما إلى جهات التماس هو عمل حربى حتى ولو يترتب عليه إطلاق فعلى للنار، مثلا لو حرك حزب الله صواريخه من مخازنها فى الضاحية إلى الجنوب قريبا من خطوط التماس هو عمل حربى يخرق التعهد بوقف الأعمال الحربية. أيضا إختراق الطائرات العسكرية الإسرائيلية ولو كانت طائرات تجسس هو خرق للتعهد بوقف الأعمال الحربية، وبالطبع فإن إطلاق النار من بابا أولى هو خرق فادح للتعهد بوقف الأعمال الحربية.
أما quot;وقف الأعمال الحربية العدائيةquot; فله معنى تخصيصى إستدراكى. إن إضافة quot;كلمة العدائيةquot; على جملة أو تعهد وقف الأعمال الحربية لها مفعول التخصيص الذى يضيق المعنى العام. من شأن إضافة كلمة quot;العدائيةquot; أن تسمح ببعض الِأعمال الحربية أن تمر بدون أن تمثل خرقا للتعهد بوقف الأعمال الحربية. فمثلا يكون الدفاع عن النفس ولو بإطلاق النار حقا مشروعا، أيضا يكون تنفيذ التعهد عن طريق القوة وإطلاق النار عملا مشروعا ولا يمثل أى إختراق لقرار مجلس الأمن المزمع إصداره. فمثلا يكون لإسرائيل مع وجود هذا البند بصياغته الحالية إرسال طائرات تجسس وإختراق الأجواء الللبنانية للتأكد من الإلتزام بقرار وقف الأعمال الحربية، ولا يعد هذا عملا عدائيا. أيضا لإسرائيل التعرض لجلب حزب الله أية صواريخ سواء من الخارج أو تحريكها فى الداخل لأن هذا الجلب يعتبر عملا حربيا عدائيا بينما التعرض له لا يعتبر عدائيا بل دفاع عن النفس وطريقة للحفاظ على التعهد الملزم بوقف الأعمال الحربية. بناء إسرائيل لمواقع دفاعية ولو كانت داخل الشريط المحتل لا يعد عملا حربيا quot;عدائياquot;. أما بناء حزب الله لمنصة صواريخ داخل الأرض اللبنانية فيعد عملا حربيا عدائيا...
فى عام سبعة وستين نص القرار 242 الصادر من مجلس الأمن فى نسخته العربية على إنسحاب إسرائيل من الأراضى العربية، أما فى نسحته الإنجليزية المعتمدة فقد نص على إنسحاب إسرائيل من أراض عربية محتلة! وبفضل سياسيينا ومحللينا الإستراتيجيين ودكاترتنا العظام الذين لم يفهموا وقتها الفارق بين المعنيين، فقد ظل القرار المذجور يراوح مكانه جتى اليوم، فهلا إتعضنا!؟

* أنصح اللبنانيين أن لا يحاولوا الضحك على المجتمع الدولى بقصة مد سيادة الجيش للجنوب، قد يضحكون على العالم كله، ولكن من الصعب جدا الضحك على جيرانهم الجنوبيين!

عادل حزين
نيويورك
[email protected]