اتفقت حكومات الاتحاد الأوروبي على إبقاء أصول روسية مجمّدة داخل الاتحاد، بقيمة تصل إلى 210 مليارات يورو، دون تحديد سقف زمني، وهي أموال جُمِّدت منذ بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
ويُحتفَظ بمعظم هذه الأموال في بنك "يوروكلير" البلجيكي، فيما يأمل القادة الأوروبيون التوصل إلى اتفاق خلال القمة الحاسمة للاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، يتيح استخدام هذه الأموال في إطار قرض يهدف إلى مساعدة كييف على تمويل احتياجاتها العسكرية والاقتصادية.
وبعد نحو أربعة أعوام من الحرب الشاملة التي تشنها روسيا، تواجه أوكرانيا نقصاً حاداً في السيولة، وتحتاج إلى ما يُقدَّر بـ135.7 مليار يورو خلال العامين المقبلين.
ويهدف الاتحاد الأوروبي إلى توفير نحو ثلثي هذا المبلغ، في حين تتهم موسكو الاتحاد الأوروبي بسرقة أموالها.
وأعلن البنك المركزي الروسي يوم الجمعة أنه سيقاضي بنك يوروكلير البلجيكي في محكمة بموسكو، رداً على خطة قرض الاتحاد الأوروبي.
"من العدل استخدام الأصول الروسية"
وجُمِّدت الأصول الروسية الموجودة داخل الاتحاد الأوروبي خلال أيام من بدء الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، ويُحتفَظ بنحو 185 مليار يورو من هذه الأصول لدى شركة "يوروكلير".
ويرى كل من الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا أن هذه الأموال ينبغي أن تُستخدَم لإعادة إعمار ما دمّرته روسيا؛ إذ تصف بروكسل ذلك بأنه "قرض تعويضات"، وقد طرحت خطة لدعم الاقتصاد الأوكراني بقيمة تصل إلى 90 مليار يورو.
ويقول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: "من العدل أن تُستخدَم الأصول الروسية المجمّدة لإعادة بناء ما دمّرته روسيا، وعندها تصبح هذه الأموال ملكاً لنا".
من جهته، قال المستشار الألماني فريدريش ميرتس إن هذه الأصول "ستمكّن أوكرانيا من حماية نفسها بفاعلية في مواجهة أي هجمات روسية مستقبلية".
وكانت بروكسل تتوقع لجوء موسكو إلى القضاء، فيما قال المفوض الأوروبي للاقتصاد، فالديس دومبروفسكيس، يوم الجمعة، إن المؤسسات المالية الأوروبية "محمية بالكامل" من أي إجراءات قانونية.
لكن موسكو ليست الطرف الوحيد غير الراضي عن هذه الخطوة.
فبلجيكا تخشى أن تتحمّل فاتورة مالية ضخمة في حال فشل الخطة، فيما حذّرت الرئيسة التنفيذية لشركة "يوروكلير"، فاليري أوربان، من أن استخدام هذه الأموال قد "يزعزع استقرار النظام المالي الدولي".
كما تحتجز "يوروكلير" ما يُقدَّر بـ16 إلى 17 مليار يورو من الأصول المجمّدة داخل روسيا.
ووضع رئيس الوزراء البلجيكي بارت دي ويفر أمام الاتحاد الأوروبي مجموعة من "الشروط العقلانية والمعقولة والمبرّرة" قبل الموافقة على خطة التعويضات، ولم يستبعد اللجوء إلى القضاء إذا "شكّلت مخاطر كبيرة" على بلاده.

ما هي خطة الاتحاد الأوروبي؟
يعمل الاتحاد الأوروبي حتى اللحظات الأخيرة قبيل قمة الخميس المقبل على التوصل إلى حل يمكن لبلجيكا قبوله.
وحتى الآن، تجنّب الاتحاد الأوروبي المساس بالأصول نفسها بشكل مباشر، لكنه منذ العام الماضي بدأ تحويل ما يُعرف بـ"الأرباح الاستثنائية" الناتجة عنها إلى أوكرانيا، والتي بلغت في عام 2024 نحو 3.7 مليار يورو.
ويُنظر قانونياً إلى استخدام الفوائد على أنه إجراء آمن، إذ تخضع روسيا لعقوبات، ولا تُعدّ هذه العائدات ملكاً سيادياً روسياً.
لكن المساعدات العسكرية الدولية المقدّمة لأوكرانيا تراجعت بشكل حاد في عام 2025، فيما واجهت أوروبا صعوبة في سدّ الفجوة التي خلّفها قرار الولايات المتحدة شبه الكامل بوقف تمويل أوكرانيا في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
- الكرملين ينفي رفض بوتين لمقترحات السلام الأمريكية: "تبادل أولي للآراء"
- "قد تكون خطة السلام لأوكرانيا قد ماتت، لكن ترامب لا يزال غير قادر على إيقاف بوتين" - مقال في الغارديان
ويوجد حالياً مقترحان داخل الاتحاد الأوروبي يهدفان إلى توفير 90 مليار يورو لأوكرانيا، لتغطية نحو ثلثي احتياجاتها التمويلية.
يقضي المقترح الأول بجمع الأموال من أسواق رأس المال، على أن يكون ميزانية الاتحاد الأوروبي بمثابة ضمان، ويُعدّ هذا الخيار المفضّل لدى بلجيكا، لكنه يتطلب تصويتاً بالإجماع من قادة الاتحاد الأوروبي، وهو ما يبدو صعباً في ظل اعتراض كل من هنغاريا وسلوفاكيا على تمويل الدعم العسكري لأوكرانيا.
أما الخيار الآخر، فيتمثّل في إقراض أوكرانيا أموالاً من الأصول الروسية، التي كانت في الأصل محتجزة على شكل أوراق مالية، لكنها تحوّلت إلى سيولة نقدية إلى حدٍّ كبير، وهذه الأموال تُعدّ ملكاً لشركة "يوروكلير" ومودَعة لدى البنك المركزي الأوروبي.
وتقرّ المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، بأن لبلجيكا مخاوف مشروعة، وتؤكد ثقتها بأنها عالجت هذه المخاوف.
وتنصّ الخطة على توفير ضمان يحمي بلجيكا، ويغطي كامل قيمة الأصول الروسية الموجودة في الاتحاد الأوروبي، والبالغة 210 مليارات يورو.
وفي حال تكبّدت "يوروكلير" خسائر في أصولها داخل روسيا، أوضح مصدر في المفوضية أن ذلك سيُعوَّض من أصول تعود لغرفة المقاصة الروسية نفسها والموجودة داخل الاتحاد الأوروبي.
أما إذا سعت روسيا إلى ملاحقة بلجيكا قضائياً، فإن أي حكم يصدر عن محكمة روسية لن يُعترف به داخل الاتحاد الأوروبي.
وفي تطوّر مهم، اتفق سفراء دول الاتحاد الأوروبي على إبقاء أصول البنك المركزي الروسي المحتجزة في أوروبا مجمّدة إلى أجل غير مسمّى.
وكان يتعيّن حتى الآن تجديد قرار التجميد بالإجماع كل ستة أشهر، وهو ما كان يفرض خطراً متكرراً على بلجيكا.
وقد لجأ سفراء الاتحاد الأوروبي إلى بند طارئ منصوص عليه في المادة 122 من معاهدات الاتحاد، يسمح بالإبقاء على تجميد الأصول طالما استمر "التهديد المباشر للمصالح الاقتصادية للاتحاد"، أو إلى أن تدفع روسيا كامل تعويضات الحرب لأوكرانيا.
وقالت وزيرة المالية السويدية إليزابيث سفانتيسون إن القرار يشكّل "خطوة مهمة نحو تمكين تقديم مزيد من الدعم لأوكرانيا وحماية ديمقراطيتنا".

لماذا لم تشعر بلجيكا بالرضا بعد؟
تؤكد بلجيكا تمسّكها بموقفها كحليف قوي لأوكرانيا، لكنها ترى في الخطة مخاطر قانونية، وتخشى أن تُترك وحدها لمواجهة التداعيات في حال سارت الأمور على نحو خاطئ.
وفي هذه القضية، اصطفّ المشهد السياسي البلجيكي، الذي يتّسم عادةً بالانقسام، خلف رئيس الوزراء بارت دي ويفر، الذي يتعرّض لضغوط من شركائه الأوروبيين.
وقال دي ويفر إن الاتحاد الأوروبي سيتخذ "قرارات بالغة الأهمية" خلال الأسبوع المقبل، وذلك خلال اجتماع جمعه برئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر في لندن يوم الجمعة.
وأضاف أن بلجيكا والمملكة المتحدة ستعملان معاً "لضمان اليقين الذي يتيح لنا دعم أوكرانيا كي تبقى دولة حرّة وديمقراطية وذات سيادة".
ويرى الاتحاد الأوروبي أنه قادر على توفير ضمانات كافية للقرض نفسه، غير أن بلجيكا تخشى مخاطر إضافية تتمثّل في تعرّضها لتعويضات أو غرامات محتملة.
وتقول فيرله كولارت، أستاذة القانون المالي في جامعة "كي يو لوفين"، إن "بلجيكا اقتصاد صغير، إذ يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 565 مليار يورو – تخيّلوا لو اضطرت إلى تحمّل فاتورة بقيمة 185 مليار يورو".
كما ترى كولارت أن إلزام شركة "يوروكلير" بتقديم قرض للاتحاد الأوروبي من شأنه أن ينتهك القواعد المصرفية المعمول بها داخل الاتحاد.
وتضيف: "يتعيّن على البنوك الالتزام بمتطلبات رأس المال والسيولة، وألا تضع كل البيض في سلة واحدة. والآن يطلب الاتحاد الأوروبي من يوروكلير أن تفعل ذلك تحديداً".
وتتابع: "لماذا وُضعت هذه القواعد المصرفية أساساً؟ لأنها تهدف إلى ضمان استقرار البنوك. وإذا ساءت الأمور، فسيكون على بلجيكا إنقاذ يوروكلير. وهذا سبب إضافي يجعل من الضروري جداً أن تحصل بلجيكا على ضمانات محكمة تماماً لحماية يوروكلير".
- روسيا والهند: ماذا حقّق بوتين ومودي بعد لقائهما في دلهي؟
- هل يمكن لأوروبا أن تنقذ أوكرانيا من بوتين وترامب؟ - مقال في الغارديان
أوروبا تحت ضغط من كل جانب
وتحذّر سبع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، من بينها الدول الأقرب جغرافياً إلى روسيا مثل دول البلطيق وفنلندا وبولندا، من أنه "لا وقت لإضاعته".
وترى هذه الدول أن خطة استخدام الأصول الروسية المجمّدة تمثّل "الحل الأكثر جدوى من الناحية المالية والأكثر واقعية من الناحية السياسية".
ويقول النائب المحافظ الألماني البارز نوربرت روتغن: "إنها مسألة مصير بالنسبة لنا. إذا فشلنا، لا أعرف ماذا سنفعل بعد ذلك. لذلك علينا أن ننجح خلال أسبوع".
وفي حين تصرّ روسيا على عدم المساس بأموالها، تبرز مخاوف إضافية لدى بعض الأوساط الأوروبية من أن تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام مليارات الدولارات الروسية المجمّدة بطريقة مختلفة، في إطار خطتها الخاصة للسلام.
وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قد قال إن أوكرانيا تعمل مع أوروبا والولايات المتحدة على إنشاء صندوق لإعادة الإعمار، لكنه يدرك في الوقت نفسه أن واشنطن تجري محادثات مع موسكو بشأن تعاون مستقبلي.
وأشارت مسودة أولية لخطة السلام الأمريكية إلى استخدام 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة من قبل الولايات المتحدة لأغراض إعادة الإعمار، على أن تحصل واشنطن على 50 في المئة من الأرباح، فيما تضيف أوروبا 100 مليار دولار أخرى. أما الأصول المتبقية، فكان من المفترض أن تُستخدَم في نوع من مشاريع الاستثمار المشترك بين الولايات المتحدة وروسيا.
وقال مصدر في الاتحاد الأوروبي إن الميزة الإضافية للتصويت المرتقب يوم الجمعة على إبقاء الأصول الروسية مجمّدة إلى أجل غير مسمّى تتمثل في جعل سحب هذه الأموال أكثر صعوبة على أي طرف. ويُفهم ضمناً أن الولايات المتحدة، في هذه الحالة، ستضطر إلى كسب تأييد غالبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للموافقة على خطة قد تكلّفها مالياً مبلغاً هائلاً.
من جهته، قال رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان، الذي يُنظر إليه على أنه أقرب حلفاء روسيا داخل الاتحاد الأوروبي، إن قادة أوروبا "يضعون أنفسهم فوق القواعد"، ويستبدلون سيادة القانون بـ"حكم البيروقراطيين".
- "على أوروبا استقبال المهاجرين وإلا ستواجه زوالها" - مقال في الغارديان
- الأمين العام للناتو يحذر: "روسيا قد تشن هجوماً على الحلف خلال خمس سنوات"
- ترامب ينتقد حكومات أوروبية: "قادة ضعفاء ودول تتدهور"
























التعليقات