انتهت محاكمة صدام حسين و سبعة من معاونيه فيما يخص جريمة الدجيل وسوف تبدء محاكمة جديدة لصدام و بعض معاونيه يوم 21- 8 - 2006 بتهمة ارتكاب مجزرة ( الانفال ) التي راح ضحيتها حوالي 180 الف كردي، و استخدمت فيها الاسلحة الكيمياوية و المدفعية الثقيلة و الطيران و المشاة بكثافة، و دمرت مئات القرى الكردية، و أسر الاف حيث وضعوا في معسكرات اعتقال ( تبين ان معظم هؤلاء قد دفنوا احياء في مقابر جماعية في الصحراء الجنوبية من العراق ! ). و السؤال المطروح في هذا السياق :
من هم مرتكبوا جريمة الانفال ؟ و ما هي مواقعهم عند ارتكاب الجريمة ؟ و هل جريمة الانفال من الجرائم الموجهة ضد الانسانية؟
لقد شارك صدام حسين شخصيا في الجوانب العملياتية لجريمة الانفال من خلال مكتب رئاسة الجمهورية cedil;و بأعتباره القائد العام للقوات المسلحة الا ان السلطات العليا لتسيير الشؤون الكردية بين اعوام 1986 ndash; 1989 قد انيطت ب علي حسن المجيد ( علي كيمياوي ) بأمر من صدام حسين.
كانت جريمة الانفال عملية خاصة قادها مكتب تنظيم الشمال الذي يرأسه علي كيمياوي الذي اعطيت له سلطات أستثنائية بموجب القرار الصادر عن مكتب تنظيم الشمال و لجنة الشمال المرقم 160 بتاريخ 29 اذار 1987، حيث وضعت تحت تصرفه جميع اجهزة الدولة الحزبية و العسكرية و الامنية، و قد شارل في التوقيع على الاوامر الصادرة عن قيادة مكتب شؤون الشمال، طاهر توفيق العاني، سكرتير المكتب ( احتفظ عندي ببعض هذه الاوامر في الارشيف الخاص بالانفال )، و شارل ايضا راضي حسن سلمان مساعد امين عام قيادة مكتب الشمال ( كان محافظ القادسية سابقا ).
لقد وضعت تحت قيادة على كيمياوي في عمليات الانفال الاجهزة الرئيسية التالية :
* الجيش العراقي الذي يضم ( قوات الكوماندوس و القوات الخاصة و وحدات الاسلحة الكيمياوية و سلاح الهندسة... ).
كان وزير الدفاع انذاك اللواء عدنان خير الله ( توفى ) و رئيس اركان الجيش نزار عبد الكريم الخزرجي، وكانت معظم عمليات الانفال تدار من قبل الفيلق الاول المتمركزفي كركوك بقيادة سلطان هاشم و الفيلق الخامس المتمركز في اربيل بقيادة العميد يونس محمد الضارب، و كان سلطان هاشم ايضا قائدا ميدانيا لعملية الانفال الاولى، و قاد كل من العميد اياد خليل زكي و العميد بارق عبد الله الحاج حنطة على التوالي عمليتي الانفال الثانية و الثالثة ( الاخير قتله صدام ).
قوات الحرس الجمهوري وحدة العمليات الخاصة التي شاركت في عمليات الانفال الاولى و الثانية.
* مديرية الاستخبارات العسكرية العامة، التي اشرفت على مراكز الحجز التمهيدية في قلعتي ( قورانتو و نزاركه و غيرها ) و التحقيق في بعض المسائل الخاصة بالمتخلفين و الهاربين من الخدمة العسكرية hellip; و كان قائد القاطع الشرقي للاستخبارات ( خالد محمد عباس ) و قائد القاطع الشمالي للاستخبارات( فرمان مطلك صالح ).
* مديرية الامن العامة، و من ضمنها الوحدات الخاصة بالعملاء الكرد (المفارز الخاصة ) والتي من مهامها جمع المعلومات و مراقبة السكان و التحقيق معالمعتقلين في ( توب زاوا ) و معسكرات الاعتقال الاخرى، و الاشراف على المخبرين و تعقب الفارين و الذين يؤونهم و مراقبة المجمعات... و كان انذاك عبد الرحمن عزيز حسين مديرا لامن منطقة الحكم الذاتي لكردستان.
* قوات الطوارئ، وهي الوحدات الموجودة تحت قيادة حزب البعث من ضمنها، الجحوش، عملاء الشرطة المسؤولين عن المعلومات حول المدن،مقاومة الارهاب، و الاشراف على مراكز الحجز الاولية في مدينة السليمانية و مواقع اخرى.
* جحافل الدفاع الوطني، لها دور مساعد في العمليات القتالية، جمع السجناء، مهمات الحراسة في مراكز التجميع...
* الجيش الشعبي، مهمات الحراسة في مراكز النقل الرئيسية ( توب زاوا، دوبز... )
* لجنة استقبال العائدين، التي كانت مسؤولة عن الذين يعودون الى الصف الوطني بموجب قرارات العفو العام...
* اللجان الامنية و لجان مكافحة النشاط المعادي و قد نظمت هذه اللجان لمقتلة البيشمركه على مستوى المحافظة، و كان عدد من هذه اللجان تراقب الحصارالاقتصادي للمناطق المحرمة و تتحكم في حصص التموين و تحاول منع عمليات التهريب...
* لجان المتابعة التي كانت مسؤولة عن اذعان العائدين بحسب القوانين و تعقب الفارين...
لقد لعبت بعض الوزارات ادوارا مساعدة في عمليات الانفال حيث قامت وزارة الزراعة بحصد المحاصيل المتروكة، و وزارة المالية بمصادرة الممتلكات و اشرفت على تهديم المنازل....
ان جريمة الانفال تعتبر بنظر القانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الدولي الانساني ( قانون الحرب ) من الجرائم الموجهة ضد الانسانية التي لا تسقط بالتقادم حيث صوت البرلمان الفرنسي في 26 ديسمبر عام 1985 عل جعل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم استنادا الى اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب و الجرائم المرتكبة ضد الانسانية و لفائدة القراء سوف نرفق نص هذه الاتفاقية في اخر المقال ( فيرجى الانتباه الى ذلك ).
و في هذا السياق لا بد لنا ان نعرف بشكل قانوني مصطلح جرائم ضد الانسانية و ماذا يشمل و متى ولد هذا المصطلح؟
لقد ولد مصطلح جريمة ضد الانسانية على اثر المجازر الجماعية التي تعرض لها الشعب الارمني على ايدي الاتراك عام 1915، و قد عرف بشكل قانوني حين قررالحلفاء عام 1945 محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية في نورنبرغ حيث عرفته المحكمة العسكرية الدوليةالتي أنشأت لهذه الغاية الجرائم ضد الانسانية : ( جرائم تستهدف القتل و الابادة و الاستعباد و التغريب و كل عمل بشري تم ارتكابه ضد السكان المدنيين قبل او اثناء الحرب، او الاضطهادات التي تم ارتكابها لغايات سياسية، عرقية، دينية. و خلال محاكمة مجرم الحرب ( كلاوس باربي ) تم تعريف جرائم ضد الانسانية بشكل اوسع حيث عرفته محكمة الاستئناف في مدينة ليون الفرنسية التي حاكمته : ( اعمال غير انسانية و اضطهادات تمت بأسم دولة تمارس سياسةهيمنة ايديولوجية و تم ارتكابها بشكل منهجي ليس فقط ضد اشخاص بسببانتمائهم العرقي او الديني، و انما ايضا ضد خصوم سياسيين، مهما كان شكل معارضتهم ). و من هنا يتبين ان عمليات الانفال نفذت بأسم دولة و بشكل منهجي ضد مجموعات من السكان بسبب انتمائهم القومي اولا و اعتبارهم خصوم سياسيين ثانيا.
لقد تطور تعريف مصطلح جرائم ضد الانسانية، حيث اغفلت التعاريف السابقة بعض الجرائم التي هي ليست اقل شأنا، حيث عرفته المحكمة الجنائية الدوليةعام 1998
حيث ورد في المادة السابعة من ميثاق المحكمة، تشمل جرائم ضد الانسانية الاعتداءات التي يتم ارتكاب أي منها بصورة منهجية و على نطاق واسع و هي :
( القتل المتعمد، الابادة، الاستعباد،الابعاد القسري للسكان، السجن او الاشكال الاخرى للحرمان من الحرية بما يخالف الشرعة الدولية لحقوق الانسان، التعذيب، الاغتصاب، الاستعباد الجنسي، الاجبار على البغاء، الاجبار على الحمل او التعقيم او أي شكل من الاشكال الاخرى للاعتداء الجنسي، قمع مجموعة او جماعة سياسية او عرقية او قومية او أقنية او ثقافية او دينية، أختطاف الاشخاص، جريمة الابارتايد، و كل جريمةتسبب في أيذاء النفس او الجسد او الثحة العقلية.
و من هنا لا بد من توجيه اتهام جرائم ضد الانسانية الى كل من شارك او ساهم ( بأي شكل ) او خطط او امرفي عمليات الانفال سيئة الصيت.


رياض العطار

كاتب صحفي عضو اتحاد الكتاب السويديين