لماذا نشبت الحروب، واندلعت النزاعات المسلحة وانفجرت الحروب الأهلية وما زالت؟؟ لماذا تحدث الحروب؟ ما هي أسبابها؟ وماهي جذور المشكلة؟.إن التاريخ يعلمنا أن الحروب حصدت أرواح الملايين من البشر ودمرت بلدان شر تدمير وأودت بحياة زهرة شباب المجتمع وما زالت.وفي صيف2006م غطت سحب الحرب مجددا سماء لبنان المنكوب بألف ملة ونحلة. وحزب وزعيم مفتول الشوارب أو طويل اللحية. وتم تبادل القصف مع إسرائيل.والمجانين من البشر كثيرون.ولكنهم ليسوا في المصحات العقلية أو وراء القضبان. بل يقودون الشعوب ويشنون الحرب بأسماء شتى قومية ودينية وأيديولوجية. إن ظاهرة الحرب أفظع الفظائع وأشد من الطواعين ووباء الكوليرا والجذام والحمى الصفراء التي حصدت المدن.وقد آن الأوان لتحليل وتفكيك هذه الظاهرة المروعة ووضعها تحت عدسة مجهر الدراسة النفسية الاجتماعية. من أجل بناء ثقافة السلم وإعلان ولادة إنسان جديد، من رحم ثقافة جديدة، محب كل شيء في الحياة، ويمتلك ثقافة النقد الذاتي، ويحب ويرحم أخاه الإنسان، وينبذ ويودع ثقافة العنف بغير عودة. ويستعد للحوار مع الآخر في كل وقت لإيجاد الحلول الناجعة وبناء جسر الثقة والتخلص من كل المشاعر السلبية وهذه ليست أمنيات مثالية فهي ممكنة و قابلة للتطبيق حسب طروحات علم النفس الحديثة. وهذا يعني التدشين العملي لرحلة العودة إلى الجنة التي خرج منها الإنسان: جنة الطفولة وبراءتها وجمال كل شيء.ولا سيما بعد أن أدرك العالم أن طريق القوة مسدود وان الحرب عبث وانتحار. لقد كانت الحرب في القديم تلعب دور الصيد للأفراد والآن تحول الصيد الفردي للتسلية وستمضي الحرب في مصير الصيد القديم.ولن يطول قدوم ذلك اليوم.لقد حيرت ظاهرة العنف الإنساني العلماء والمفكرين وعلماء النفس. وتورط الجنس البشري في ثقافة ابن آدم القاتل وأسلوب لأقتلنك فنشأ بالتالي إنسان مريض النفسية، مشوه الثقافة، لا يعرف سوى ثقافة العنف وأدواتها وسيلة للتفاهم مع أخيه الإنسان. وبذلك كتب التاريخ باللون الأحمر ومات ملايين الناس وعاش الإنسان في الحرب والخوف منها أو الاستعداد لها، وخلال آلاف السنين حسب دراسة العالم الفرنسي غاستون بوتول لظاهرة الحرب نعم الإنسان بالسلام في عام واحد مقابل 13 سنة عاشها في الحرب. فقد كتب التاريخ الإنساني بلون الدم والدمع والمعاناة.في الواقع إن الإنسان كائن شديد التعقيد وخلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون. وهنا يأتي دور الصلاة، أي دور الثقافة في تحرير الإنسان من علاقات القوة، وهو لب التوحيد. يقول برتراند راسل الفيلسوف البريطاني في كتابه السلطان وهو يحاول تفسير ظاهرة الحرب والقوة واكتشاف الدافع في غرائز الإنسان إن أفعى البوا إذا التهمت فريستها نامت أشهرا براحة. ولكن كزركسيس ملك الفرس الذي قام بحملته العسكرية في القرن الخامس قبل الميلاد على اليونان لم يكن بحاجة للطعام أو الزوجات أو العز والجاه. وهو يأكل كل يوم ما تأكله أفعى البوا في سنة.إن العنف مرض ثقافي وكل منا يحمل وحشا في داخله وعنده استعداد نفسي أن يتحول إلى فرعون.وهناك من يرى أن وراء العنف جين ات مرضية في داخل كل إنسان تدفعه إلى ممارسة جنون الحرب. وفي قناعتي إن الذي يفرز فرعون هو المناخ الثقافي المريض. ونحن صرنا قابلين للاستعمار قبل أن تتحقق ظاهرة الاستعمار. وتغيير فرعون لن يغير المناخ.و من العبث الركض خلف البعوض لقتلهم ما لم نردم المستنقع. إن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا.وإذا ما قمنا بتحليل طيف العنف إلى عناصره الأولية كما في الضوء المكون من سبعة ألوان نجد أن طيف العنف الإنساني يبدأ بالفكرة الخاطئة ويولد الشعور السلبي من الكراهية والحقد وهذه تقوم بإفرازاتها الضارة مثل الشجرة الخبيثة وتتجلى على صور شتى من الابتسامة الصفراء والنظرة الحاقدة أو مد اليد واللسان بالسوء. وانتهاء بالحرب التي تقوم على قتل الآخر الذي يعني حذفه الكامل من خريطة الوجود. وقديما قال الشاعر العربي امرؤ القيس عن عبثية الحرب:

أول ما تكون الحرب فتية تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا حميت وشب ضرامها غدت عجوزا غير ذات حليل

شمطاء جزت رأسها وتنكرت مكروهة للشم والتقبيل

هذه هي حقيقة الحرب إنها كالفتاة رائعة الجمال أو هكذا تبدو في البداية ثم ينكشف الغطاء وتذوب مساحيق التجميل ويتساقط الشعر المستعار ويظهر كل شيء على حقيقته. لقد ضمت هذه الأبيات الشعرية حلاوة الشعر والحس الفلسفي العميق والاختراق العلمي للمستقبل. إن العنف شجرة خبيثة جذورها الكراهية وثمرتها الخوف والجريمة.وا للاعنف شجرة مباركة جذورها الحب وثمرتها الأمن والسلام.إن ظاهرة الحرب كالمرض تماما فهي ظاهرة معقدة ومن التسطيح أن تبسط ويقال إن سببه عنصر واحد. الحرب جنون وجريمة وفي الحرب تسقط كل القيم والمثل.وفي الحرب تسقط الحضارة الإنسانية وتنتهك كل الحرمات.فلا يبقى حصانة لدم وعرض وكرامة وعقل، وهل يبقى الإنسان إنسانا وهو يقتل أخاه الإنسان باسم الله والقومية والبعثية والصهيونية والنازية والفاشية؟؟.الحرب عبث وطاعون وسعار من نوع اجتماعي يفتك بالأبرياء والأطفال والنساء والمدنيين قبل العسكريين المجرمين.الحرب تبدأ في الرؤوس قبل استخدام الفؤوس والحرب هي قتال جماعة لجماعة ولكن الحرب لا تنفجر من فراغ بل من تصورات ومخاوف وهي ضد قانون الحياة ولا تحل مشاكل بل تخلق مشاكل لأن العنف يولد العنف. والدم يفجر الدم والحرب خضوع واستسلام للدماغ السفلي حيث تعصف الانفعالات ويتعطل المخ العلوي عن ضبط مسار الأحداث. وهي إفلاس أخلاقي لكل الأطراف التي شاركت فيها ولو بكلمة ومن مونها ومن سعى لها الكل في الإثم سواء. و كان أول تساؤل وجهته الملائكة إلى الله سبحانه لحظة خلق الإنسان لم تسأل أتجعل فيها من يكفر فيها؟ بل سألت أتجعل فيها من يسفك الدماء؟. إن الفكر الانثربولوجي يلقي الضوء هنا ويسعفنا لقراءة مسيرة الإنسان وفلسفة الدولة وولادتها في التاريخ ولماذا حدثت الحروب؟. لقد بنى الإنسان الدولة من أجل أمن الأفراد داخلها ومع ولادة الدولة ولدت الحضارة وكانت ولادة الدولة من ناحية جيدة لأنها حررت في داخلها البشر من الخوف من البعض باحتكار العنف ضمن حدود هذه الدولة. ولكن الجانب الكريه أنها أفرزت طغيان الدولة وبرمجة الحروب.فتوقف صراع الأفراد ولكن استمرت حرب الدول.واليوم الجنس البشري في طريقه إلى تكوين الدولة العالمية التي ستحقق أمن الدول فيما بينها كما فعلت الدولة بالأفراد داخلها. مقابل احتكار العنف في مؤسسات محدودة جيدة التسلح سريعة القفز إلى بؤر التوتر. ومشكلة الديكتاتوريات ستزول مع هذه العتبة من التطور. هذا وقد توصلت الحكومات الغربية أخيرا إلى قناعة تامة بأن في عصر العولمة، وبعد كارثة 11 سبتمبر 2001، لا يمكن أن يعيش العالم بسلام ما لم يتم القضاء على التخلف والاستبداد وبؤر العنف والإرهاب والتوتر في كل مكان. ووصلت أيضا إلى قناعة تامة أنه لا يمكن لهذا العالم أن يعيش بسلام إلا بالقضاء على الأنظمة الفاشية المارقة والراعية للإرهاب، وإخراج منطقتنا من التخلف والجهل وحكم البداوة والاستبداد وإقامة البديل الديمقراطي في هذه البلدان. لا هياما بسواد عيوننا، ولكن لكي يتخلصوا هم، ويحموا شعوبهم من شرور هذه الأنظمة. ولعل نموذج الاتحاد الأوروبي هو الذي سيسود لأنه بني على العدل وليس التوسع الإمبراطوري. وقديما كان يعالج السعال الديكي بلبن الحمير ويؤخذ العسل بعد قتل النحل. والجنس البشري لا يزال يحل المعضلات السياسية بالحرب ليس لأن المشكلة غير قابلة للحل ولكن لأن الطب السياسي مازال عند مرحلة معالجة السعال الديكي بلبن الحمير. وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون.

صبحي درويش