لم يكن هدف إسرائيل أبدا من تلك الحرب تحرير الجنديين. لم يذكر لنا التاريخ إمكانية تحرير أسيرين أو رهينتين سواء فى العراق أو فى أفغانستان أو فلسطين أو فى أى مكان آخر فى العالم. وهدف من يردد أن سبب حرب إسرائيل كان تحرير الأسيرين هو يريد فقط ان يخدع نفسه وأن يخدعنا لكى يصور إخفاق إسرائيل فى ذلك على أنه هزيمة. كان هدف إسرائيل هو منع حزب الله من تهديد أمن سكان الشمال بصواريخه وكذلك منع محاربيه من تجاوز الحدود الإسرائيلية والقيام بعلميات خطف أو quot;مقاومةquot; كالتى درب الحزب على القيام بها بين الفينة والأخرى. وتأتى حجة تحرير الأسيرين كهدف واجهة فقط.
أيا كانت الدعاية وأيا كان كلام الفضائيات وصياح المتحدثين فإن إسرائيل قد نجحت نجاحا ساحقا فى التوصل لهدفها الأساسى. لن يطلق حزب الله ولا أحدا من محاربيه رصاصة واحدة ndash; مابالك بصاروخ- عبر الحدود الإسرائيلية ولمدة طويلة جدا قادمة، وأتحدى من يقول بغير ذلك. دفعت إسرائيل ثمنا لذلك مائة وخمسين قتيلا ومليارين من الدولارات، وبضعة آلاف من النازحين وشهر من سكنى الملاجىء لبضعة آلاف أخر.
كان هدف حزب الله أن يشعل المنطقة لحساب إيران التى كان عليها التعامل مع المجتمع الدولى فى شأن ملفها النووى. وقد فشل هذا الهدف تماما، إذ أصدر مجلس الأمن قراره التحذيرى لإيران، وموعدها آخر هذا الشهر لدفع باقى الإستحقاقات. بل أظن أن عملية حزب الله قد تحولت إلى عامل لتشدد المجتمع الدولى تجاه إيران أكثر من السابق.
كان هدف حزب الله أيضا أن يحلحل مشكلة الأراضى السورية المحتلة عن طريق توحيد مسارها مع مسار مزارع شبعا. ولم تخل هذه الحجة على المجتمع الدولى فوضع آلية لحل مشكلة مزارع شبعا بدون التعرض للجولان المحتلة ولم يربط مسارها بمسار مزارع شبعا كما أمل حزب الله ومن وراءه السوريون. كان أحد أهداف حزب الله أيضا أن يعلن نفسه رأس حربة للأمة الإسلامية والعربية لحساب إيران التى كانت لتشكل عندها حسم الحربة الذى يحمى العروبة وفلسطين والإسلام والمسلمين. وقد فشل فى بلوغ هذا الهدف أيضا فشلا ذريعا لسبب أن العرب لم يحبذوا درعا يرهبهم بأكثر مما يحميهم.
كان هدف حزب الله الجانبى وتأكيدا لزعامته أن يقوم بعملية إذلال لإسرائيل كالتى قام بها وقت أن إختطف بضعة جثامين لجنود إسرائيليين ولم يبادلهما إلا عن طريق عملية إذلال طويلة توسط فيها الألمان مقابل الإفراج عن بضعة اسرى لبنانيين. كان أمل حزب الله أن يتوصل هذه المرة لنتائج أروع مما مضى، كان يتمنى أن يفاوض على إطلاق الأسرى الفلسطينيين جميعا، وعلى عدة مساومات أخرى لم يعلن عنها. ويحتمل أن ينجح حزب الله فى الإفراج عن الأسرى اللبنانيين فقط مقابل الجنديين الإسرائيليين وهذا أقصى نجاح يمكن أن يبلغه.
خسائر حزب الله أكثر من أن تعد ومن أن تحصى. أول تلك الخسائر أن ورقته قد إحترقت لدى إيران فلن يعود هو رأس الحربة الإيرانية. ولإدراك ذلك يجب أن نعلم أن أمريكا لم تبدأ فى تبنى إسرائيل إلا عندما إنتصرت فى حرب سبعة وستون، فقد كان إنتصارها حينئذ مؤذنا وكاشفا للأمريكيين أنها حليف يعتمد عليه. ومنذ ذلك الحين فقط تولت أمريكا تزويدها بالسلاح الأمريكى، وقد كانت إسرائيل من قبل ذلك تعتمد إعتمادا حصريا على السلاح والتأييد الفرنسى والأنجليزى. الدول الكبرى والتى لها أهداف سيطرة مثل أمريكا وإيران تعتمد على المنتصرين فقط ولا تقبل بموالاة المنهزمين، ولن تصلح الدعاية والبروباجندا فى تزييف وعى وإدراك حكام إيران مهما تظاهروا بخلاف ذلك.
خسر حزب الله ايضا quot;تفاهماتهquot; الداخلية، وأيضا خسر كثيرا من إحترامه لدى فرقاء الداخل فالكل يعلم يقينا أنه هزم مهما قالت الفضائيات. لا يمثل نزع سلاحه أو بقاء محاربيه خلف الليطانى أية خسارة فعلية للحزب تجاه إسرائيل. فكما قلنا لن يطلق أى من محاربيه رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل ولو خطف الجنود الإسرائيليون أولاده، وسيدوم ذلك لمدة طويلة جدا. يكفى أن الحزب لم يرد على مقتل مقاومين قتلا من بعد وقف إطلاق النار
أيضا الدولة اللبنانية وعلى خلاف الشائع ستخسر كثيرا. لنتأمل حزبا مسلحا حتى أذنيه، خسر حربا قاسية جدا ودفع ثمنا فادحا من قتلى وجرحى ونازحين، الأموال quot;الحلالquot; لن تجىء بالمقدار اللازم والمطلوب لأن الكارت قد إحترق. سيتجه الحزب للدولة وسيطالبها بأموال لبناء ما دمرته الحرب، سيعترض بعض الفرقاء على أساس أن الحزب هو المتسبب فى الكارثة، وحتى لو أرادت الدولة فلن تجد ما يكفى لبناء البنية الأساسية المدمرة وأيضا دفع مستحقات الحزب لمحاربيه ومشايعيه، وخصوصا أن الأموال الممنوحة ستكون تحت رقابة دقيقة من الدول المانحة سواء العربية منها أو الأجنبية. فهل تكسب الدولة من معادلة كهذه أم تخسر!
لايبدو الحل الذى أشرنا إليه فى مقالة سابقة من تنازل الحزب وإحتواء الفرقاء اللبنانيون له لإنشاء دولة حلا مطروحا من جانب الحزب. دعايته وخطابه المتخشب من بعد وقف إطلاق النار يقول ذلك. خطاب الأسد الأكثر تخشبا يقول ذلك أيضا. دعنا من خطاب إيران فهى دولة يقوم عليها أناس فى منتهى الواقعية والذكاء ولهم أحلام إمراطورية حتى ولو تغطت بخطابات جماهيرية ينساق خلفها رعاع العربان. الحل المتاح لإيران للتوصل لمشروعها الإمبراطورى هو أن تتحالف مع الشيطان الأكبر وأظن ان هذه ستكون محاولتها القادمة. ويبقى نجاحها فى ذلك أو فشلها معلقا على إحتياط الدول العربية وإفشالها لهكذا مشروع...

عادل حزين
نيويورك
[email protected]