وقائع ميدانية تعدل المسارات

الميدان هذه المرة يقف على موازنة مختلفة ومنطق جديد حتى لو كانت اسرائيل تقف على الطرف الآخر، وهنا لابد من استنطاق المواقف الميدانية التي تقول:

بدات القصة في عملية من قبل حزب الله، عسكريا كانت العملية فيها تخطيط وتنفيذ واستخدام لعقلية على الصعيد العسكري تعتبر من الوزن الثقيل، فالدورية الاسرائيلية التي تعرضت للاختطاف والتدمير كانت تسير على بعد ثلاثة خطوط من الاسلاك الشائكة المكهربة اضافة الى خط رملي يكشف الاثر، هذا ناهيك عن الامكانيات العسكرية التي تمتلكها الدورية والتي تم التغلب عليها بسهولة، تلك العملية جعلت اسرائيل تعقد اجتماعا طارئا لكبار القيادات السياسية والعسكرية في الدولة.. الاجتماع اسفر عن رد قاس وعملية وصفت بانها طويلة، فبداية من اليوم الثالث عشر من تموز بدا الرد الاسرائيلي بحصار على لبنان جوا وبرا وبحرا وقصف عنيف للبنية التحتية مصاحبا لاستهداف المدنيين، ذلك القصف احرق كل شئ بما في ذلك الاوراق التي يمكن ان تلعب بها اسرائيل في ادارة المعركة، وهذه المعادلة جعلت كل يوم في الحرب يُوقع الضرر على اسرائيل اكثر مما يضر في لبنان فلا شئ يخسره لبنان كما ان الاوراق التي في حقيبة حزب الله ليست قليلة.

القيادة الاسرائيلية كانت كعادتها تتحدث بلغة عسكرية استعلائية كما هو الحال في الحروب السابقة التي خاضتها ضد العرب، اما التصريحات التي اطلقها المسؤولون في اسرائيل حددت سقف الانتصار بان لا يقل عن منع الصوايخ على اسرائيل او اقامة منطقة عازلة تصل الى 20 كم داخل الاراضي اللبنانية، لكن ذلك لم يتحقق بعد اكثر من 33 يوم على بداية الحرب، ناهيك عن ان المؤسسة السياسية في اسرائيل اتهمت القيادة العسكرية بعدم اطلاع القادة السياسيين على الامكانيات الحقيقية العسكرية لحزب الله كما جاء على لسان احد الوزراء الاسرائيليين اثناء الحرب، والذي يؤكد ذلك ان اسرائيل استمرت في استهداف مواقع مدمرة اصلا حيث رجعت وقصفت الجسور المدمرة وهددت بقصف عشرة مباني في الضاحية الجنوبية مقابل كل صاروخ لحزب الله مع ان الضاحية الجنوبية تعرضت لتدمير كبير في الايام الاولى للحرب.

ان المواجهات السابقة بين حزب الله وبين اسرائيل شهدت احداثا وجولات كثيرة مرة لهذا ومرة لذاك لكن هذه الحرب قدمت مجموعة المتغيرات الميدانية لم تكن مالوفة في المواجهات السابقة:ـ

ـ استهداف مواقع في العمق الاسرائيلي من قبل حزب الله لم تستهدف من قبل.

ـ استطاع حزب الله شلّ فعالية القوة البحرية الاسرائيلية اذ انه استطاع اكثر من مرة استهداف الزوارق البحرية والبوارج المتطورة جدا من جملتها البارجة الحديثة التي نزلت للخدمة قبل ثلاث سنوات وهي واحدة من ثلاث بوارج في الجيش الاسرائيلي وذلك مثّل صدمة لاسرائيل.

ـ التلويح بالوصول لعمق اكبر مما تم استهدافه داخل الاراضي الاسرائيلية.

ـ استطاع مقاتلوا حزب الله التوغل في الاراضي الاسرائيلية وتدمير اهداف داخل اسرائيل عن طريق عمليات برية.

ـ لقد تغلب عناصر الحزب في مواجهة مباشرة مع الدروع الاسرائيلية وتمكنوا من تدمير الدبابات الاكثر تطورا في اسرائيل وهي دبابات المركابا وهنا لا نتحدث عن عبوات ناسفة بل عن مواجهة على طريقة التصويب الصاروخي.

ـ لقد صمد المقاتلون على الارض حتى في المواجهات المباشرة في غير حرب العصابات والكر والفر.. وهناك نقاط جغرافية كثيرة استعصت على اسرائيل حتى وقف اطلاق النار، فبعد اكثر من شهر على الحرب لازالت الارض لحزب الله والسماء لاسرائيل في اغلب المناطق التي حصل فيها احتكاك بين الطرفين، كما ان الحزب يدير المعركة على الارض باساليب ذكية وتخطيط عسكري ناضج بحيث تمكن اكثر من مرة من استدراج الجيش الاسرائيلي عن طريق فتح الثغرات امام بعض الوحدات الاسرائيلية للدخول في العمق اللبناني ومن ثم الانقضاض عليها.

ان استدعاء الاحتياط في اسرائيل على وجبات متفاوتة جدا بحيث تم استدعاء 6000 جندي في المرة الاولى ثم استدعاء 30000 جندي بعد اسبوعين يؤكد صعوبة الموقف على الارض طيلة ايام الحرب.

هاهي الحرب قد انتهت في جولاتها الاولى والمواقف لازالت قوية عند الاطراف التي كان من المتوقع ان تتهاوى في الاسبوع الاول، وبعيدا عن لغة التمجيد والتضخيم والتهويل فان حزب الله على الاقل لم يخرج مهزوما على الصعيد العسكري ان لم يكن منتصرا رغم فارق القوة الذي يرجح كفة اسرائيل، فاسرائيل وعدت بالقضاء على حزب الله لكنها لم تستطع.. اسرائيل وعدت ان تمنع اطلاق الصواريخ على اراضيها لكنها لم تستطع، ليس ذلك فقط بل تمكن الجناح العسكري لحزب الله من استهداف العمق الاسرائيلي الذي لم يتمكن من استهدافه في السابق، ولا ننسى جميعا ان اسرائيل لم تتمكن من استعادة الجنديين وهو السبب المعلن للحرب من جانب اسرائيل في بداية الازمة.

يتبع

جمال الخرسان

كاتب عراقي

[email protected]