هل تصلح إستراتيجية الرئيس جورج دبليو بوش الجديدة في العراق ما أفسدته سياسات إدارته في
الإستراتيجية الأمريكية الجديدة كما بدا ملامحه تتوضح مع مرور الوقت، تستند على ثلاثة محاور أساسية، و تستمد قوتها و فرص نجاحها من تعاون أمريكي ndash; عراقي، أي بين الإدارة الأمريكية و الساسة العراقيين، بخلاف ما ذهب إليه تقرير بيكر ndash; هاملتون من ضرورة إشراك إيران و سوريا في عملية تهدئة الوضع العراقي |
الخبراء و المتتبعين للمشهد العراقي محقين، عندما يعتبرون الخطوة الأمريكية الجديدة، بمثابة الفرصة الأخيرة أمام الرئيس بوش لإفشال كل المراهنات التي تشكك في قدرته على إصلاح الوضع الأمني الخطير في العراق، و تصويب العملية السياسية المتعثرة الى حد الآن. الجمهوريون منهمكون منذ الآن بالإنتخابات الرئاسية القادمة، متطلعين الى تدارك الخسارة الفادحة في الإنتخابات التشريعية النصفية، التي أسفرت عن سيطرة الديمقراطيين على مجلسي النواب و الشيوخ.
و لكن بعيداً عن نزعة التشفي من فشل الأمريكيين في العراق، و العقدة الإيديولوجية المتأصلة في ثقافة شعوب المنطقة تجاه laquo; الهيمنةraquo; الإمبريالية على مقدرات الشعوب..!، يجد المرء نفسه مشدوداً الى الوضع العراقي، و آفاق الحل في ظل الإستراتيجية الأمريكية الجديدة، ليس من منطلق التمني في أن تنجح أمريكا في الخروج من laquo; المستنقع raquo; العراقي، و إنما من منطلق خروج العراق من دوامة العنف المستشري و المهيمن على تفاصيل الحياة اليومية لإبناءه الى غد أفضل يتحقق فيه الإستقرار و الإزدهار.
و بخلاف كل المراهنين على الفشل الأمريكي و المتمنين لسحق جنوده على أرض بلاد الرافدين، يتمنى السواد الأعظم من العراقيين أن تنجح الإدارة الأمريكية في إيقاف نزيف الدم العراقي. فالعراقيون يدركون تماما ً نتائج و تداعيات الفشل الأمريكي في بلادهم، بغض النظر عن الذرائع التي ساقها الأمريكيون من أجل غزو العراق و إسقاط نظام حكم صدام حسين فيه.
الإستراتيجية الأمريكية الجديدة كما بدا ملامحه تتوضح مع مرور الوقت، تستند على ثلاثة محاور أساسية، و تستمد قوتها و فرص نجاحها من تعاون أمريكي ndash; عراقي، أي بين الإدارة الأمريكية و الساسة العراقيين، بخلاف ما ذهب إليه تقرير بيكر ndash; هاملتون من ضرورة إشراك إيران و سوريا في عملية تهدئة الوضع العراقي، و هو ما شكل من الوهلة الأولى مفاجئة للمراقبين و خيبة أمل لدول الجوار العراقي.
المحور الأساسي في السياسة الجديدة تشير الى عزم الأمريكيين على إعطاء الأهمية القصوى لمدينة بغداد، بحيث تعود بغداد مدينة متأخية لجميع أبناءها، بعد أن سجلت عمليات العنف الطائفي مستويات خطيرة، و لا سيما من قبل جيش المهدي، فأغلب القوى السياسية العراقية باتت مقتنعة تماماً بضرورة حل هذا الجيش ( الميليشيا ) التابع لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، و نزع سلاحه، بعد أن قام هذا الأخير بعمليات تصفية مروعة بحق المواطنين السنة في بغداد. و لعل موافقة رئاسة إقليم كردستان على إرسال ثلاثة ألوية كردية تابعة للجيش العراقي الى مدينة بغداد للمشاركة في عملية إشاعة الأمن في المدينة، تأتي في نفس السياق السابق. أما فيما يتعلق بالمثلت السني المضطرب، فإن القوات الأمريكية الإضافية سوف تتكفل بإستئصال المجوعات الإرهابية الوافدة عبر الحدود. و في سياق عملية سياسية و عسكرية أشمل للقوات الأمريكية في العراق في المرحلة القادمة، تعهد الرئيس جورج بوش بإشراك أوسع للسنة في العملية السياسية الجارية، فمن المتوقع أن ترتكز جهود الإدارة الأمريكية على فك إرتباط المصلحة بين المجموعات الإرهابية، و لا سيما تلك التابعة للقاعدة، مع البعثيين و أفراد الجيش العراقي السابق، من خلال إلغاء قانون إجتثاث البعث، الذي أقره الحاكم المدني السابق للعراق بريمر من جهة، و إدماج أفراد الجيش السابق في الجيش العراقي الحالي من جهة أخرى.
المحور الثاني، الذي لايقل أهمية عن المحورين السابقين في السياسة الجديدة تقوم على إعطاء الأهمية البالغة لتحسين حياة العراقيين الإقتصادية. و الحديث المتزايد عن ضرورة تزامن تهدئة الوضع الأمني و إستقرار الحالة السياسية مع دفع عملية إعادة البناء و تأمين الخدمات للمواطنيين أصبح يحتل حيزاً مهماً في الرأي العام العراقي. لذا كان التركيز واضحاً على التوزيع العادل للثروة في العراق بغية طمئنة الجانب السني على وجه الخصوص. بحيث يكون للمناطق السنية حظاً وافراً من النفط في عملية إعادة البناء.
إن التصريحات الشديدة اللهجة تجاه الدور الإيراني ndash; السوري في العراق، وإعلان الإدارة الأمريكية، عزمها إستئصال العناصر المرتبطة بالدولتين على الأر ض العراقية تأتي في سياق قناعة أمريكية قديمة جديدة بتناقض مصلحة كل من إيران و سوريا مع عراق مستقر و ديمقراطي، لهذا كان إعتقال الإيرانيين في القنصلية الإيرانية في مدينة أربيل بمثابة رسالة واضحة لا لبث فيها الى إيران، تفيد بعدم إمكانية مقايضة التعاون الإيراني فيما يخص العراق بملفها النووي. و لا شك أن توقيت زيارة الرئيس جلال الطالباني الى دمشق تتفق أكثر مع الرأي القائل بأن في جعبة الطالباني رسالة أمريكية تحذيرية لدمشق أكثر من كونها زيارة لبحث العلاقات الثنائية و التعاون الإقتصادي.
لهذا يمكن القول بناءاً على سبق أن العراق ينتظر مرحلة حرجة في المستقبل القريب، و يتوقف خروج العراق من النفق الحالي المظلم على قدرة الأمريكيين على تنفيذ سياستهم الجديدة في العراق.
زيور العمر
التعليقات