إن أزمة التغيير في سورية مطروحة بحدة واستمرار على أجندة المعارضة والنظام على حد سواء لكن كل من موقع مختلف عن الآخر، وضمن سياقات متباينة الثابت فيها هو سلوك النظام القمعي وإنفراده

نجحت قوى المعارضة وبظاهرتيها الأساسيتين جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق بالنجاح في حسم الموضوع ولو نظريا ً بتبني الديموقراطية التعددية كإطار حكم للمستقبل وهذا ماعبر عنه المشروع الوطني للتغيير السلمي الذي طرحته جبهة الخلاص الوطني
بالسلطة المطلقة واستمراره على صيغته الأمنية المعروفة من إلغاء دور الشعب ومصادرة حريته وحصره في خطابه الغوغائي الذي غيب الشعب والدولة وحشرهما في أفق مسدود على كافة المستويات، والمتحرك فيها هو المعارضة السورية ولو بشكل بطيء لايشكل ردا ً كاملا ً على سلوك النظام على المستوى الوطني والقومي ولايتجاوب مع سرعة الأحداث المنحدرة من سيء إلى أسوأ في المنطقة ولعوامل كثيرة مؤشرة ومعروفة من كافة فصائل المعارضة السورية.


وخيار النظام السوري أصبح واضحا ً تماما ً من خلال طريقة تعامله مع الوضع الداخلي والإقليمي والدولي والذي يتميز بثوابته الأمنية بعلاقته مع الشعب وافتقاره إلى أي مشروع للإصلاح والتطوير في بنية الدولة والمجتمع، بل على العكس يستمر في عملية تآكل ماتبقى من محددات الدولة وبروز ظاهرة الدولة ndash; الأسرة، من قبل فئة زادت تسلطها على مقدرات الدولة والمجتمع بدون رقيب ولاحسيب.
وخيار الشعب لازال إلى حد بعيد أسير آلة النظام القمعية من جهة والفاسدة من جهة أخرى يضاف إلى حالة الخوف المزمنة لدى الشعب التي أنتجها تاريخ طويل من حملات التصفية والتهميش ومصادرة الحريات وخنق كل الأصوات المطالبة بالإصلاح والتغيير، حتى تلك التي ترى في إمكانية أن يكون التغيير محمولا ً على النظام الحالي أسلم الطرق وأقصرها وأقلها كلفة على الشعب في هذه الظروف الإقليمية والدولية التي بدورها أنتجت موقفا ً سلبيا ً لدى الشعب غذاه ويغذيه النظام على أرضية مايحدث في العراق من صراعات مذهبية تمزقه وتبعد استقراره، وعليه نجح النظام إلى حد ما في ربط عملية التغيير بهذه الصورة العراقية القاتمة والإلتفاف على مشروع الإصلاح والتغيير معا ً، وأصبح موضوع التغييرشعبيا ً قابل للمقايضة مع متطلبات الأمن والأمان وخاصة في رؤى تغيير لم تتضح أبعاده بعد.


وخيار المعارضة السورية لازال بين بين، بين ظروف المعارضة الذاتية وبين وضع إقليمي متفجر بعنف وتسلسل مربكين، وبموقف عربي لم يحدد خياراته بعد بين النظام والتغيير، وبين قوى إقليمية متناقضة مع رؤى المعارضة السورية في التغيير بحكم استراتيجياتها المتناقضة هي الأخرى مع مصلحة الشعب السوري والشعوب العربية، أضاف عليها غياب الإستراتيجية العربية وعجز النظام العربي الرسمي عن أداء دوره مزيدا ً من الإرباك ينعكس سلبا ً على مشروع المعارضة للتغيير في سورية، وبموقف دولي لازال غامضا ً تحكمه عوامل كثيرة بعدم تبني رؤية المعارضة السورية للتغيير وبالتالي استمرار وقوفه متفرجا ً على مايعيشه الشعب السوري من قمع وتهميش وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، في هذا الخليط من المواقف السياسية والصراع الدموي الدائر على الساحة العربية تجد المعارضة السورية تفسها ملزمةً وطنيا ً بتبني مشروع التغيير الديموقراطي السلمي في سورية.


لقد واجهت المعارضة السورية الوطنية (ونصر على ضرورة التسمية بدلالاتها الفكرية والسياسية والتاريخية ) صراعا ً على مستويين اثنين:
الأول ndash; سياسي حول مشروع التغيير وقد نجحت قوى المعارضة وبظاهرتيها الأساسيتين جبهة الخلاص الوطني وإعلان دمشق بالنجاح في حسم الموضوع ولو نظريا ً بتبني الديموقراطية التعددية كإطار حكم للمستقبل وهذا ماعبر عنه المشروع الوطني للتغيير السلمي الذي طرحته جبهة الخلاص الوطني في مؤتمرها التأسيسي وأيضا ً في وثيقة إعلان دمشق.


الثاني ndash; إجرائي عملي متعلق بشكل وآلية التغيير في سورية، وفي هذا الشأن لاتزال المعارضة السورية تشق طريقها نحو تحديد آلية التغيير في كم هائل من الصعوبات الذاتية الداخلية والخارجية على حد سواء.


وفي مقاربات كثيرة من قبل أطراف المعارضة السورية التي اتخذت موقف التغيير الجذري الشامل وتبنت بشكل واضح القطع مع النظام، لازالت هذه المقاربات لم تستطع عمليا ً من خلق الحاضنة الشعبية السياسية الداخلية والخارجية لمشروع التغيير، وغلب عليها التكرار حينا ً ورد الفعل على سياسات النظام القمعية تجاه نشطاء الرأي والكتاب والمثقفين في معظم الأحيان،وبشكل عام بقيت في دائرة النظام القمعية ولم تستطع إلى الآن من التصرف على أرضية من الإستقلالية في الفعل السياسي الذي يفرضه مشروعها الوطني الديموقراطي للتغيير.


ورغم أن المعارضة والنظام يراهن كل منهما على الزمن، طبعا ً لكل زمنه ومحتواه واشتقاقاته على مستوى سورية والمستوى الإقليمي والدولي، ورغم الإختلاف في مستوى المراهنة بين النظام والمعارضة بمعنى أن النظام يراهن كليا ً على الوقت الذي إن استمر بمروره بشكله الحالي داخليا ً وإقليميا ً ودوليا ً هو في صالح النظام لأنه يمثل في أحد جوانبه الأساسية التي تهم الخارج نظام يخدم مصلحته وركيزة عملية له في منطقة فقدت كل ركائزها، على الطرف الآخر إن مراهنة المعارضة على الوقت هو يمثل أحد العوامل التي يمكن إذا استطاعت أن تلعب المراهنة بنشاط وحركية أن يكون عاملا ً يصب في مساعدتها بعملية التغيير لكن رهانها الأساسي هو على الداخل السوري نفسه وعلى قدرة المعارضة الخارجية والداخلية من إيجاد الصيغة العملية الواحدة لتحركها على الأرض والبدء العملي بمشروع التغيير في سورية، أي أن المراهنة هنا تأخذ بعد مشروع أهم خطوة فيه هو تحديد آليته وحوامله الداخلية بشكل أساسي وهذا سيكون موضوع الجزء الثاني.


د.نصر حسن
20 ndash; 01 - 2007