كتبنا في إيلاف قبل يومين عن الجنرال الشاب حسن نصرالله لنشير إلى تجربته السياسية الضحلة، رغم بلاغته الخطابية التي يحسده عليها كل سياسي، وقد اعترف من حيث لا يقصد بأن قطاعاً عريضاً من الشعب اللبناني يلتف حول حكومة السنيورة، وأن الإنقلاب عليها سوف ينتهي بحرب أهلية، وأن الجنرال الشاب وحواشيه كميشال عون وسليمان فرنجية وطلال أرسلان مصرون رغم ذلك على قلب الحكومة. كتبنا ذلك فهاج وماج مناصرو حزب الله من الذين لم يقرؤونا جيداً واتهمونا بالخيانة والعمالة لا لسبب إلا لأننا انتقدنا زعيمهم الذي سيحشرون معه يوم الحشر كما أكد ذلك الجنرال الشاب في خطابه العاشورائي بالأمس مساءً واستنكروا على إيلاف نشر مقالتنا التي لم تخرج عن حدود اللياقة والأدب. من جهتي فإنني أعذرهم طالما أنهم كانوا قد فهموا من الجنرال أو من بعض حوارييه أنهم سيحشرون يوم الحشر معه ولذلك يحبونه مطهراً !!

في خطابه البليغ بالأمس أوقع الجنرال الشاب نفسه مرة أخرى في حيص بيص فقال أن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان لم تكن بسبب خطف جنديين إنما كانت استجابة لقرار أمريكي ـ هو يقول ذلك لكنه لم ينكر أنه هو من ضغط الزناد أولاً فاندلعت الحرب ؛ ونحن لا ننكر أن أمريكا وبغباء شديد طلبت من إسرائيل القضاء على حزب الله. ويعترف الجنرال الشاب هنا أنه لم يكن يعرف أن أمريكا ستطلب ذلك من إسرائيل حين تقع الواقعة. الذين يتنطحون إلى حمل المسؤولية الأولى في الأمة، مسؤولية قرار الحرب أو السلم لا بدّ وأن تحاسبه الأمة بعد كل خطأ يقترفه في هذا الشأن. حرب تموز التي أشعلها الحنرال الشاب جرّت على لبنان كوارث ليست في حسبان أحد ومع ذلك ومما يثير السخرية حقاً أن نصرالله يدعي بنصر إلهي كي يغطي خطأه بل خطيئته الكبرى. سبقه إلى ذلك الجنرال الملهم صدام حسين فادعّى نصراً في quot; قادسية صدام quot; وفي quot; أم المعارك quot; التي وقع بعدها صك الإستسلام للولايات المتحدة في خيمة quot; صفوان quot; وتعهد مرغماً بالتخلص من كل أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها وهو التعهد الذي أتى بنهايته!! لا يدعي الإنتصارات الكاذبة إلا أولئك الذين لا يهتمون بمصائر شعوبهم فلا يستقيلون وراء كل خسارة كبرى. وطالما أن الشيء بالشيء يذكر فأذكر هنا حقيقة قل من يعرفها وهي أن ستالين، المتهم بالدكتاتورية والتسلط الفردي، عندما تيقن من فشله في توقع الإعتداء الهتلري على الإتحاد السوفياتي في صباح الثاني والعشرين من حزيران 1941 ـ وكان يظنه سيقع بعد ستة شهور ـ ترك القيادة واختفى لبضعة أيام قبل أن يجده رفاقه في القيادة ويضطروه للعودة حيث أنه الأقدر على مجابهة هتلر. الجنرال الملهم صدام حسين والجنرال الشاب حسن نصرالله خسرا حروبهما ولم يتركا القيادة !!

لن يتهمني مناصرو حزب الله هذه المرة بالعمالة وبالخيانة بعد أن أكدّ زعيمهم الجنرال الشاب تابعيته للإمام علي الخامئني وأنه لا يستطيع ألاّ يتقيد بكل أوامره وتعليماته !! عجيب كيف لزعيم لبناني يعترف بمثل هذا الإعتراف الخطير خاصة وأنه في غمرة مواجهة لبنانية لبنانية !! ليس من تفسير لمثل هذا الإعتراف الخطير الذي جاء كطعنة نجلاء لحليفه الجنرال العجوز ميشال عون وللشاب المتعالي سليمان فرنجية وسائر الحلفاء الآخرين !! ليس من تفسير لذلك سوى أن الخامئني طلب من نصرالله أن يؤكد هذه التبعية ـ التي كنا نؤكدها على الدوام ـ تحت طائلة حجب الأموال خاصة وأن نصرالله بحاجة لكل دولار منها. الخامئني ليس لبنانياً ولم تطأ قدماه أرض لبنان ليتعرف على مشاكل الشعب اللبناني وأحواله المعيشية فلماذا يقبل عقلاء حزب الله أن يقود الخامئني كل شؤون الشعب اللبناني خاصة وأنه صاحب مشروع عالمي لا ينتهي إلا بأسلمة العالم إنتظاراً للمهدي !! إزاء مثل هذا الإعتراف الخطير يتوجب على السلطات الشرعية اللبنانية أن تنزع الشرعية عن حزب الله وتحرم كل نشاطاته وتصادر ممتلكاته طالما أن قيادته ليست لبنانية.

بل ما هو أخطر من كل هذا هو أن الجنرال الشاب يعتقد بأنه على تواصل مع الله، منه يستلهم سياساته وأن الله بالطبع لن يخيّب مساعيه وليس أدل على ذلك من أن الله quot; أنزل quot; عليه النصر في نهاية حرب تموز !! نحن إذاً إزاء حالة خطيرة هي أن أحدهم يختطف قسماً من الشعب اللبناني ليأخذه في مسارات أقل ما يقال فيها أنها ليست عقلانية. لكن الجنرال الشاب نسي في هذا السياق أن الله لم يهده إلى القرار الصحيح في تجاوز الخط الأخضر واختطاف جنديين والقضاء على بقية الدورية الإسرائيلية كما لم يعلمه أن الولايات المتحدة ستأمر إسرائيل بمواصلة الحرب حتى القضاء على حزبه، حزب الله. لقد برهن التاريخ على أن من يدعون بصلتهم مع الله ويمسكون بمقدرات الشعوب ـ كما كان حال حكام ممالك المدن قبل آلاف السنين ـ إنما هم خطر حقيقي على البشرية. فأي مصير ينتظر شعوب شرق المتوسط مثلاً إذا تراءى في المنام للإمام علي الخامئني أن الله يأمره بقصف إسرائيل بقنبلتين نوويتين؟!!! ألن يتحول شرق المتوسط إذّاك لقفر بلقع لمائة عام أو يزيد؟!!

حبذا لو قام حزب الله بمراجعة لسياساته ومواقفه المعلنة اليوم وأصدر نقداً ذاتياً ليتحول إلى حزب لبناني لا تشوبه شائبة، حزب آدمي عكس ما وصفه علي عمار، ويتعفف عن مد يده إلى أموال جوعى إيران وفقرائها وما أكثرهم ! إذّاك سنهتف بأعلى الصوت : مرحى مرحى لحزب الله، بل لحزب الأوادم اللبنانيين !!

عبد الغني مصطفى