مما لاشك فيه ان واحدة من القنوات الفضائية النشيطة التي عنيت بالشأن العراقي اكثر من اي شأن آخر هي قناة الشرقية الفضائية، وهي تتفاخر ببرامجها ومسلسلاتها تفاخرا كبيرا يصل حد الغرور وتعقد الندوات وتستضيف النقاد والفنانين والأعلاميين وتجند الصحافيين لتمجيد تلك البرامج والمسلسلات والأيحاء والأعلان على انه فتح غير مسبوق في تاريخ الدراما والبرامج والأخبار في اية فضائية اخرى.
بالطبع ان هذا الزعم يفتقد الى كثير من الموضوعية والتواضع ايضا، فهذه القناة الفقيرة الأمكانات لايمكن ان تضع رأسها برأس الفضائيات العربية راسخة المنهج والتاريخ كما ان ظهور مسلسلات ضخمة وذات جمهور عريض في فضائيات عربية اخرى ابان حملة الشرقية الأشهارية اكد تلك الفاصلة الشاسعة ففي وقت اتحفت الشرقية جمهورها ب(ميس كمر ) وكانت نجمة الشرقية التي لايشق لها غبار، بكل فجاجة ادائها وبدائية تعبيرها وصوتها المنفر غير المدرب، في هذا الوقت كانت الفضائيات العربية تقدم مسلسلات ضخمة ومهمة استقطبت المشاهد العراقي والعربي على السواء كمسلسلات باب الحارة وصقر قريش وسقف العالم و الملك فاروق وقضية رأي عام وحسيبة وغيرها من المسلسلات المتميزة اخراجا وموضوعا وممثلين وبناءا فنيا.
اما قناة الشرقية فقد بدا واضحا انها تشن حملة مستعرة من الكراهية تصرفها عبر برامجها ومسلسلاتها، حملة الكراهية هذه تنصرف مباشرة الى ادانة (الحكومة الشيعية ) التي تحكم العراق اليوم بحسب تخريج الشرقية الأعلامي وبالأخص عبر نشراتها الأخبارية التي ليس لها شبيه ولامثيل في التزوير والتهويل والمبالغة والكذب وكل السقطات الذي تقع فيه اية قناة اعلامية.
انا هنا لاانطلق من حكم مسبق ينطلق منه آخرون حول توجهات الشرقية واعلانها بفجاجة الأنتماء الطائفي في تكريسها الخط السني المتطرف.
هذه الخلاصة لاتؤثر عندي على الحقيقة الدامغة لبرامج البزاز ومسلسلاته، فالتزوير وقلب الحقائق الذي تمارسه الشرقية يوحي بأن كل الخراب القائم اليوم هو من صنع القادمين مع دبابات الأحتلال، فالعراق في هذا العرف كان جنة الفردوس..ولم يكن هنالك مشردون ولا مهجرون ولا طائفية ولا تقتيتل ولا سجون ولا ترهيب ولا..ولا،..ولا..في عهده وعهد سيده الطاغية المقبور..
فقول الشرقية في احد مسلسلاتها ( كل عراقي جوازه بيمنته وحط على ظهرة جنطته والشعب بوري انضرب ) اتساءل: متى حمل العراقي جوازه وفر من العراق؟ اليس صاحب الشرقية نفسه فر حاملا حقيبته وجوازه باحثا عن دولة (تلفيه ) في مطلع التسعينيات؟ اليس مئات الاف العراقيين فروا من جحيم الطاغية وحروبه العبثية الخاسرة منذ هزيمة احتلال الكويت؟ فلماذا قلب الحقائق وتزويرها؟ اليس الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم من احتلال وخراب ماهو الا نتاج المدرسة الصدامية التي تشكل الشرقية نموذجا لها، فالقائد المقبور وقادته ووزراءه هم من فتح ابواب العراق على مصاريعها لكل مانعيشه من مصائب اليوم.
اليس هو الذي خاض الحروب الخاسرة فتهاوت قدرات العراق وصار صيدا سهلا للأحتلال؟ اليست الرشوة وشراء الذمم والأنحدار القيمي والأخلاقي هي من نتاج الحكم الشمولي وسنوات الحصار العجاف؟
وعلى هذا لم تترك الشرقية شتيمة ولاسبة الا وألصقتها بالأنسان العراقي، ففي برنامج ميس كمر البائس اعدادا واخراجا، يظهركل شيء خاطيء وسيء: الشرطي مرتشي والموظف طائفي و الأنسان العادي منافق ناهيك عن المسؤول والوزير فهو حثالة من الحثالات على شاشة الشرقية.
وتمضي الفجاجة في ابشع ملامحها في الأساء للشعب العراقي برمته عندما تتغنى ميس كمر بقولها (نايم ياشعب ) وهي تتراقص على هذا النغم بطريقة الغجر البدائية الفجة..
ثم تكتمل الصورة في ماعرف بمسلسل جحا الفيدرالي، هذا المسلسل كله يهدف فقط للقول لا للفيدرالية، لكن كيف وبأية طريقة.؟ لقد مزج المسلسل مزجا متهافتا بين واقع الحياة العراقية اليوم وبين عصر جحا..ولم يوفق ابدا لا في اضحاكنا ولا اقناع المشاهد برفض الفيدرالية التي يجهلها العراقي فلم يعشها ولم يلمس حسناتها من سيئاتها فأنى له ان يشتمها كما شتمها المسلسل.
واذا ذهبنا الى مسلسل انباع الوطن..هذا المسلسل المليء بالأسفاف لم يكن الا زجا رخيصا للكاولية والراقصات شبه الخليعات وشرب الخمور في وقت الأفطار وفي شهر رمضان المعظم..الأساءات والأبتذال واحتقار الشخصية العراقية في هذا المسلسل امر غير مسبوق ولا مألوف ابدا..ويكفي ان الشعب يظهر في شكل قطيع يساق للمجهول..وهو قمة الأهانة غير المبررة هذا ناهيك عن فجاجة اداء النجم المخضرم راسم الجميلي الذي اساء لتاريخه الكبير الذي يحترمه العراقيون في هذا المسلسل..فترهله كان لعنة عليه في المسلسل..وكونه زعيما عراقيا منغمسا بالخمر والنساء والكيولية هو ليس غير صدام وعدي ووطبان ومزبان وبرزان وكل البطانة المتخلفة..اما هذا التخليط الفج بين الواقع العراقي اليوم وبين ماقدمه المسلسل فهو حقا تخليط ساذج ومبتذل اشد الأبتذال..
لقد قدمت الشرقية مسلسلات لم يكن هدفها الا تشويه صورة العراقي واحتقار ادميته بكل الوسائل وبدا خطابها الأعلامي محتقنا مليئا بالتحامل والكراهية والحقد الطائفي وهو امر يتنافى ويتقاطع مع الرسالة الأعلامية والشرف الأعلامي وشرف الكلمة..ان كانت الشرقية وصاحبها تدرك معانيها......
داوود السعيد
التعليقات