لا ينفى مسئولو الإدارة الأمريكية سيما مكتب نائب الرئيس ديك تشيني أنهم يعطون الأولوية لخيار الضربة العسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.وكشفت التقارير الأمريكية النقاب عن اقتراح تقدم به نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني في 24 مايو الماضي، والذي يقترح فيه توجيه ضربات جوية إلي معسكرات التدريب المشكوك في أنها تدار بواسطة قوات القدس الإيرانية في العراق لتدريب المجموعات الشيعية المسلحة المتمردة، مضيفة أن تشيني دائما ما كان يدفع إلي القيام بعمل عسكري ضد إيران، إذا ظهرت أدلة مؤكدة تشير إلي قيام إيران بدعم المجموعات المعادية للوجود الأمريكي في العراق.وهو ما فتأ القادة العسكريون في العراق يؤكدون عليه في الآونة الأخيرة، مما يدفع بالعمل العسكري ضد إيران إلى الطاولة.ويبدو أن هناك إستراتيجية أمريكية إسرائيلية تم وضعها للتعامل مع إيران. وقد اتفق الجانبان على النظر في مدى فعالية الحظر الدولي المفروض على حكومة طهران بنهاية العام الحالي. والإستراتيجية التي تتشارك فيها الولايات المتحدة وإسرائيل تتكون من ثلاثة عناصر، العنصر الأول: جبهة موحدة ضد البرنامج النووي الايرانى، وقد اتسعت تلك الجبهة بموقف قوى للرئيس الفرنسي ساركوزى الذي حذر من خطورة البرنامج النووي الايرانى على دول الخليج ومناداته بضرورة وقفه حتى ولو باستخدام القوة العسكرية.مع ملاحظة تصاعد الموقف الالمانى المناوئ للبرنامج النووي الايرانى والذي كان أميل إلى المساومة واضحي أكثر نزوعا إلى الميل نحو الموقف الامريكى الاسرائيلى. العنصر الثاني من تلك الإستراتيجية اعتبار انه في الوقت الراهن تعتبر العقوبات الدولية ضد طهران، أفضل سبل التعامل في مواجهة الطموحات الإيرانية. وهذا وضع مفهوم للتمكن من إيجاد أرضية مشتركة بشأن العراق والضغط علي طهران بشتى الوسائل بما في ذلك الأمم المتحدة.العنصر الثالث الاتفاق على النظر في مدى فعالية الحظر الدولي على طهران بنهاية العام الحالي 2007.وهذا التقييم سينتهي وفق الرؤية الأمريكية إلى أنها وان كانت مؤثرة إلا أنها غير كافية وأن الاعتقاد بأن إيران تريد استقرار العراق هو اعتقاد ساذج وخطير، ولذلك فان علي الولايات المتحدة أن تعيد النظر في إستراتيجيتها تجاه إيران من أجل تحييد ومواجهة الإستراتيجية الإيرانية. ولذا فانه لا مفر من استخدام الخيارات العسكرية ووضعها جميعا علي الطاولة بما فيها تدمير البرنامج النووي الإيراني وتدمير هيكل الحرس الثوري الايرانى وتدمير معسكرات تدريب العراقيين المناؤئين لواشنطن.ومن ثم يتم الربط بين خطر الطموحات النووية الإيرانية والأمن القومي الامريكى المرتبط بمصالح واشنطن العليا في منطقة الشرق الأوسط وحفاظا على أرواح الجنود الأمريكيين في العراق ومن ثم يتم تصوير الضربة العسكرية كدفاع مشروع عن النفس، لا يلزمه قرار أو مباركة من مجلس الأمن الدولي.ولذا لابد أن تكون الضربة العسكرية قوية وحاسمة وموجعة وفى وقت زمني قصير نسبيا. فاستغلال التغلغل الايرانى في العراق هو ذريعة عاجلة وحاسمة لواشنطن لتوجيه ضربة عسكرية لطهران. ولن يمانع الديمقراطيون في ذلك فمثلا أشار السيناتور ليبرمان الديمقراطي القوى في الكونجرس الامريكى انه ينبغي الاستعداد لشن عدوان عسكري ضد الإيرانيين لوقفهم من قتل الجنود الأمريكيين في العراق وأشار إلى اعتقاده أن العمل العسكري سيتضمن ضربات جوية عبر الحدود داخل إيران حيث يمتلك الأمريكيون ما يراه أدلة جيدة بوجود قاعدة لتدريب العناصر التي تدخل العراق quot; لقتل جنودنا quot; ومن هنا جاء الاقتراح الامريكى بإقامة قاعدة عسكرية قرب الحدود الإيرانية وهو ما أعلن الإيرانيون انه لن يسمحوا به. فهل ستكون تلك القاعدة هي الشرارة التي تشعل الموقف العسكري بين الأمريكيين وطهران؟ أن رئيس الولايات المتحدة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية. وصلاحيات الرئيس كثيرة ومتنوعة، وقوته المستقلة الكثيرة تكمن في منصبه كقائد أعلي للجيش، وعلي المدي القصير سيجد الكونجرس والرأي العام صعوبة كبيرة في تقييد خطواته.فالاعتقاد الكبير هو أن بوش سيأمر بقصف وتدمير منشآت إيران النووية قبل نهاية ولايته ولعلنا نتذكر بأن الولايات المتحدة قد انتقدت رئيس الوزراء الاسرائيلى مناحم بيجن بشدة بعد قصف أوزيراك المفاعل النووي العراقي، ولكن قادة أمريكيين كثيرين أثنوا بعد ذلك عليه وأكدوا أهمية الخطوة لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وهو السيناريو الذي تعول عليه ndash; على ما يبدو ndash; إدارة بوش التي ترى أنها هي التي مكنت القادة الإيرانيين في المنطقة عبر إزاحتها لأكبر عدوين لطهران وهما النظام البعثى في العراق وحركة طالبان في أفغانستان وانه لابد من تصحيح الخطأ حفاظا على مصالح الولايات المتحدة العليا في المنطقة. أن الخطة التى يعمل البنتاجون على تطويرها الآن - طبقا للتقارير الإعلامية ndash; لا تستهدف فقط المنشات النووية الإيرانية المشتبه فيها، وغيرها من المواقع العسكرية الإيرانية، والبنية الأساسية هناك، ولكنها تستهدف أيضا القواعد التى تدعى أمريكا أنها مراكز لتدريب الإرهابيين، وأماكن لتهريب السلاح إلى الأراضى العراقية. من ناحية أخرى تزامنت هذه التقارير مع قيام مجلس الشيوخ الأمريكى بتمرير مشروع قانون غير ملزم، يحث فيه الرئيس بوش على ضرورة إعلان الحرس الثورى الإيرانى كمنظمة إرهابية، فضلا عن مطالبته بفرض مزيدا من العقوبات الاقتصادية على إيران.
وواقع الامر أن الإدارة الأمريكية تفاضل مابين إعلان الحرث الثورى ككل كمنظمة إرهابية من ناحية، أو أن يقتصر الأمر فقط على قادة قوة القدس دون بقية التنظيم. وأيا ما كان الأمر، فان هذا الاتجاه يعبر عن تزايد حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة فى الآونة الأخيرة.
لذا صرح الرئيس بوش في خطاب أمام قدامي المحاربين الأمريكيين، بأن إيران التي تسعي للحصول علي السلاح النووي ستضع الشرق الأوسط في ظل كارثة نووية. وأن الولايات المتحدة الأمريكية ستواجه هذا الخطر قبل أن يصبح الوقت متأخرا جد.هل يمكن اعتبار ذلك إعلان نوايا حرب من الدولة الأقوى في العالم؟


د. عبد العظيم محمود حنفي
باحث في النظم السياسية