هل سيكون الاشوريون ضحية للتهديات التركية مرة اخرى؟

منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي وتركيا تمارس اللعبة الكريهة هذه، التهديد باجتياح اقليم كوردستان، او مناطق واسعة منه وبنفس الحجة السمجة والغير المقبولة ابدا، فرغم اعتقادنا ان حزب العمال الكوردستاني ليس ذلك الحمل الوديع، الا ان اقتلاعه او القضاء عليه عملية محفوفة بالمخاطر وتكاد ان تكون مستحيلة، وقد تدفع تركيا الكثير لمثل هذا الهدف، قد يطال وحدتها الوطنية. فحزب العمال الكوردستاني ليس ذلك الحزب المعزول وخصوصا ان لتركيا مشاكل مع الكثير من جيرانها شرقا وشمالا وغربا وليس جنوبا كما تدعي، وهذه الدول تتعاطف مع قضية حزب العمال الكوردستاني وان لم يكن كحق بل لتحقيق مصالح او مطامع لدى تركيا.

ان حل قضية حزب العمال الكوردستاني، هو بيد تركيا اولا واخيرا، فتركيا لا تزال محكومة بالايديولوجية الكمالية التي لا تعترف باي عنصر غير العنصر التركي، والكل يدرك ان تركيا مطالبة اليوم وقبل الغد بالاقرار بحقوق الشعوب المتعايشة على هذه الارض والتي تعتبرها تلك الشعوب ارضها التاريخية، ومنها الكورد والارمن والاشوريين السريان والاغريق، ناهيك عن الاقليات الاخرى مثل الجركس، ولعل الاعتراف بحق هذه الشعوب في ابراز هويتها القومية وبمشاركتها بصفتها القومية في الحياة السياسية التركية هو احد مطالب الانظمام الى الاتحاد الاوربي.

ان انظمام تركيا للاتحاد الاوربي، كان يحظي بتأييد هذه الشعوب، لانها تدرك انه الطر يق الموصل الى ما تتطلع اليه من الحقوق التي هظمت طويلا، ولم يكن احد ليسمع انينها في ظل الحرب الباردة والتي كانت تركيا تشكل احد قواعدها الاساسية والمهمة. ان انظمام تركيا للاتحاد الاوربي سيكون امرا سعيدا وسببا مهما لتطوير اقليم كوردستان العراق، فالعراق وحدوده الشمالية تحديدا سيحاذيان في هذه الحالة حدود الاتحاد الاوربي ومنطقته الكمركية الموحدة، ليس هذا فقط، بل ويتعامل بشكل اقرب مع قيم الاتحاد في الممارسة السياسية والحقوق الفردية.

حدى الاشوريين في العراق ورغم حملة الارهاب البشعة التي تعرضوا لها من قبل الارهاب،امل وخصوصا ان السيد سركيس اغاجان وزير مالية اقليم كوردستان العراق يقود حملة اعمار مختلفة الاتجاهات لقراهم التي نزحوا منها بسبب الحروب المستمرة من اكثر من اربعين عاما، ولذا فالكثر من الاشوريين عادوا الى قراهم يحدوهم الامل في التطور والبناء والاستقرار النهائي على ارض الاباء والاجداد، الا ان التهديدات التركية عادت لتعبث بامنهم مرة اخرى، وتعرضت الكثير من قراهم للقصف دون اي سبب منطقي، فالمعلوم ان اعضاء حزب العمال الكوردستاني لا يسكنون هذه القرى، بل يعيشون في محموعات في الجبال العصية والبعيدة عن مرمي المدفعية التركية.

اذا الاشوريين في العراق الوسطي والجنوبي يتعرضون للاضطهاد الديني والقومي، يشمل تفجير كنائسهم ومضايقته في عيشهم وخطفهم لاجل الفدية، وفي مناطقهم التاريخية يتعرضون للقصف المدفعي التركي، فاين المفر؟

بقدر ما كانت القوى الاشورية بمختلف توجهاتها ومناطق انبعاثها مساندة للتوجه التركي نحو اوربا، بنفس القدر يدرك الاشوريين اليوم ان تركيا لا تحاول ان تتبدل وان تهئ نفسها لكي تدخل المحفل الاوربي، فتركيا ووضعها اليوم هو كوضع انسان يتم سحبة باتجاهين مختلفين، او بالاحرى هو يرنوا برأسه متطلعا نحو اوربا، ولكن القيم الكمالية والعنصرية التركية تجعله يتشبت في موقعه، الصلب الذي لايلين، مضحيا بكل باب امل ينفتح ليس لشعوب تركيا المنسية بل لاتراك تركيا ايضا.

فالامبراطيورية العثمانية، التي ورثتها تركيا الكمالية كانت قد شنت حملات عديدة لابادة الاشوريين في القرنين التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ولعل اكبرها الحملة المعروفة بالسيفو والتي فقد الاشورين فيها حوالي 750 الف نسمة من مجموعهم بمذابح جماعية بشعة، شملت الاطفال والنساء والرجال وكبار السن.

ان التدخل التركي في اقليم كردستان العراق، باي حجة كانت هو ضربة قوية لامالها في الدخول الى المحفل الاوربي، وهذا يعني ضرب لامال كل الشعوب التركية في التقدم الاقتصادي والتطور الاجتماعي وتعزيز دول القانون والحريات الفردية.

على تركيا ان تتعلم حل مشاكله الداخلية بصراحة وعدم اخفاء الرأس في الرمال ونكران الحقائق القائمة او التاريخية، ان اسلوب التهديد والوعيد بات من مخلفات الماضي، واذا استجيب مطالبها اليوم واشبع غرورها، فان الامور لن تبقى على حالها كل زمان ومكان، هذا اذا كانت تركيا حقا تريد حل مشاكلها، اما اذا كانت ترمى لامور اخرى وهذه الامور محتملة جدا، مثل افشال التجربة الناجحة لاقليم كوردستان في تحقيق استقرار اقتصادي وامني مشهود له، لغايات الانتقام وتدمير اي امل يعطي لاكراد تركيا نموذجا جيدا وصالحا لاقتداء به، فحينها علينا ان ندرك ان فتيل البارود سيشتعل وسيطال ليس الاشوريين الذين تتقاذهم حملات الارهاب والاطماع التركية، بل المنطقة باكملها وسيكون الخاسر الاكبر تركيا.

تيري بطرس

[email protected]