بعد أن تم أختطاف الأب بولص اسكندر، راعي كنيسة مار أفرام للسريان الارثذوكس في مدينة الموصل في العاشر من شهر تشرين الاول الجاري، عثر على جثته مقطوعة الرأس بعد يومين من خطفه في أحد الاحياء على الجانب الايسر من المدينة. واذا كانت هذه الحالة ليست الاولى في القتل والتهجير والخطف والتفجير ودفع الجزية، وربما لن تكون الاخيرة في هذا المسلسل الطويل الذي يطال أعرق شريحة من المجتمع العراقي (الآشوريون المسيحيون). لكن مثل هذه الحوادث تلقي الضوء على عمق المعاناة في العراق عموما وهذه الفئة من الشعب العراقي على وجه التحديد والتي لا تؤمن بالعنف مسلكا للخروج من أزمة الهوية والوطن، كما تلقي ظلال الشك حول السعي الجدي لدى بقية مكونات الشعب العراقي في الابقاء على الهوية الوطنية والايمان بوحدة الشعب والتراب العراقي.
الاقلية الآشورية المسيحية والتي تختلف بالدين والقومية عن بقية مكونات الشعب العراقي، لم تنصفها القوات الغازية للعراق منذ القدم ولحد يومنا هذا، كما لم ينصفها أبناء العراق من العوام. فدوما وابدا كانت نظرة الشك والريبة بهويتهم الوطنية هي الاقرب إلى ذهنية أغلب أفراد المجتمع العراقي، وهذه النظرة لم تختلف حتى في هذه الايام. ولو عدنا بالتاريخ إلى الوراء قليلا لنأخذ الدولة العثمانية كنموذج صريح وواقعي على تصور الحاكم لهذا الجزء من الشعب العراقي المختلف دينيا وقوميا لرأينا ان التعامل معهم كان من باب أهل الذمة وبدرجات أدنى من بقية الشعب والمسالك الوظيفية التي كانت مفتوحة لهم لا ترتقي إلى الوظائف الرفيعة، وتوجتها الدولة العثمانية عند أعلان الجهاد المقدس ضد الكفار أبان الحرب الكونية الاولى فشملت هذه الفتوى حتى من كان يعيش ضمن حدودها من الارمن والاشوريين.
ولم يختلف الحال منذ تأسيس دولة العراق الحديثة عام 1921 حتى هذا اليوم مع مجيء القوات الامريكية والبريطانية إلى العراق، ليبدأ فصلا جديدا من القتل والخطف والتفجير والتهجير لكل ما له علاقة بالشعب الآشوري المسيحي في العراق، حيث بدأ التصنيف الديني ( فهم على ديانة قوات الاحتلال) دون أن يتمكن أي طرف من الاطراف التي توجه العنف والارهاب من وضعهم في خانة أبناء البلد على الرغم من كونهم أقدم من سكن أرض الرافدين. وعلى الجانب الآخر من المعادلة العراقية، رأت القوات الامريكية في الشعب الآشوري المسيحي مجرد تحصيل حاصل للمعادلة السياسية التي ترغب بتطبيقها في العراق. فهم أقلية وليسوا بقوة الاكراد وتنظيمهم وليسوا بكثرة العرب السنة والشيعة والمدعومون بدول الجوار، كما ان هذه الاقلية حالها كحال بقية الشعب العراقي فيها من القوى التي تتصارع فيما بينها، كل هذه العوامل الذاتية والموضوعية دون الدخول في العامل الخارجي التي سنأتي اليه بعد هذه الاسطر، ادت إلى تركيز الصورة عليهم واخراجهم او ابعادهم عن الساحة السياسية العراقية من زاوية الانتقام من قوات الاحتلال المسيحية.! فبدأ القتل منذ الايام الاولى لدخول القوات الامريكية والبريطانية إلى العراق، وشهدت مدينة البصرة سقوط أول ضحية للعنف الموجه ثم توالت في بقية مدن العراق الكبيرة بغداد، الموصل،كركوك، الرمادي وتوالت فصول القصة وصولا إلى نحر رجل الدين بولص اسكندر قبل أيام. كما لا ننسى العامل الخارجي الذي لا يمكن ابعاد تأثيراته على هذه الفئة من الشعب العراقي ووضعها في خانة ابرز الاسباب في تغذية روح العداء تجاه كل من هو مسيحي من المجتمع العراقي، فتصريحات البابا بندكتس في محاضرته المشهورة وقبلها أزمة الرسوم المسيئة إلى الرسول محمد (ص)، دفع المسيحيون الآشوريون في العراق ثمن هذه التصريحات والاحداث الجارية على بعد آلاف الكليلومترات دما غاليا كنتيجة حتمية للأفكار السائدة في عراق اليوم. كما اضاف العامل الخارجي بعدا آخر في تعامل العراقي مع شقيقة في الوطن واصبحت الديانة والطائفة والقومية هي المعايير الاساسية في قبول العراقي الآخر. فاليمني والمصري والجزائري اليوم أقرب إلى السني من شقيقه الاشوري العراقي، وينسحب ذات الامر بالنسبة إلى الشيعي ودواليك لبقية الطوائف !.
ربما تكون هذه جزء من معاناة جميع فئات الشعب العراقي التي ابتليت بالتحرير وذهبت أحلام الحرية لدى معظم العراقيين ادراج الرياح امام هول المعاناة، لكن أذا نظرنا إلى الواقع فأن الاقليات العرقية والاثنية العراقية بدأت بالتناقص وربما مع استمرار هذا الحال لن تمر الاعوام المقبلة حتى نشهد أن معظم المدن العراقية الكبيرة قد خلت منهم (واذا استثنيت جزء من العراق وهو اقليم كردستان فهذا يعني ان الاقليات العرقية و الدينية تعيش بحرية وتمارس ثقافتها وديانتها دون قيود ). فلن يكون جارك من أهل الصبة ولا مسيحي آشوري أو شبكي او ايزيدي.
ومن صلب هذه المعاناة وانعدام رؤية المستقبل لعراق دون عنف، ومن حب الوطن تنطلق الاصوات لاقامة منطقة ادارة ذاتية كي تحافظ هذه الاقليات على ثقافتها وهويتها القومية والوطنية.

عمانوئيل خوشابا

عضو قيادة
الحزب الوطني الآشوري