إعادة تطبيع الأوضاع في محافظة دهوك الاشورية على غرار تطبيع الأوضاع في كركوك النفطية!؟

جلال طالباني: ".. كل القرى الآشورية التي كانت آشورية في القرن العشرين أو في القرن التاسع عشر يجب أن تعود آشورية"


لا يخفي السريان (الكلدان الآشوريون) خشيتهم وخوفهم في العراق من المستقبل بعد ان تم إسقاط نظام صدام حسين على أيدي الأمريكان وحلفائهم في نيسان 2003، ولا سيما هم الحلقة الأضعف في السلسلة العراقية. وما عملية حرمانهم من حقهم في الاقتراع في الانتخابات التي جرت في سهل نينوى بتاريخ 30 كانون الثاني الماضي دون ان يدافع عنهم أي من الأخوة "الكبار" (العرب والاكراد)، إلا دليلا واضحا على مدى الغبن والحيف الذي يمكن ان يلحق بالسريان في الفترة المقبلة. وهاجس السريان الكلدان الاشوريين الأول والكبير اليوم، بعد مطلب توفير الأمن، يتعلق بكيفية حل المسألة الاثنية والدينية في عموم العراق. ففي حال فرض صيغة الفيدرالية العرقية (او حتى الحكم الذاتي) كحل لهذه المسألة، فلا يخفي السريان قلقهم وهلعهم من احتمال حرمانهم من هذه "النعمة" اولاً، وضم مناطق السريان الكلدان "المسيحيين" في الموصل (وأيضا اليزيديين والشبك والتركمان) الى رقعة الفيدرالية الكردية، ثانيا. علما أن نظام البعث، وبهدف ضرب عصفورين بحجر واحدة، (كما يقول المثل الشعبي)، منح الاكراد ما يعرف اليوم بـ (محافظة دهوك) الآشورية الكلدانية، وقبل بعث العروبة التنازل عنها وبالتالي ضمها الى مشروع (كردستان) مقابل فرملة عملية نزوح الاكراد من الأماكن النائية قرب حدودي ايران وتركيا نحو كركوك النفطية، وبدل التوجه الى كركوك توجهت الجموع الكردية وبدفع وتوجيه من الأحزاب الكردية وحزب العروبة البعثي، نحو قرى وقصبات السريان الآشوريين الكلدان في مناطق دهوك وزاخو والعمادية ومانكيش وديرابون وفبشخابور وشقلاوا...الخ. وظن البعثيون أنهم بهذا قد خلصوا كركوك من براثن الاكراد وجعلوها (أي كركوك) خارج إطار مشروع (كردستان). بينما نجح البعثيون العراقيون (وبدعم كردي واضح وخاصة من قبل عشيرة الزيباريين الكردية) بالقضاء على الكثافة السكانية للسريان الكلدان الآشوريين في منطقة دهوك التي كان لها امتدادات سكانية واضحة في محافظة نينوى بحدودها الإدارية الحالية، وكان من نتائج هذه المؤامرة (الزيبارية – البعثية) التي لم تستطع إيقاف عمليات تكريد كركوك، تهجير سكان أكثر من 200 قرية آشورية كلدانية (أي ما يقارب مائتي ألف نسمة) من محيط مدينة دهوك (وكذلك اربيل، كما حدث في منطقة شقلاوا وغيرها). علما ان عدد الاكراد والتركمان الذين هجروا معا من منطقة كركوك لم يتجاوز 11 ألف نسمة فقط!؟
ونذكر هنا، على سبيل المثال، أسماء بعض القرى والقصبات التي تم تكريدها وأصبحت اليوم ضمن الهيمنة الكردية او ان بعض الاكراد تجاوزا على أراضيها واغتصبوها لصالحهم من خلال استثمارها وجمع خيراتها لأنفسهم أمام أنظار أصحابها الشرعيين. وللعلم اننا نقلنا أسماء بعض القرى المتاكردة من قائمة للقرى الآشورية التي تجاوز او احتلها الاكراد، وكان قد سلمها الشهيد الآشوري الكلداني فرنسيس شابوا الى بعض المؤسسات أثناء جولته في أوروبا قبل اغتياله في شمال العراق عام 1993 : قرية معلثايا، منطقة زاخو، قرية ديرابون، صوريا، قرية مانكيش، قرية بابلو، فيشخابور، بلمند، بيرسفى، قرية بيدارو، خردس، باز، سرسنك، الداوودية، قرية ارادن، شقلاوا، مل عرب، بابلو، اينشكي، كوري كاشانا، بيرسفي، منطقة بروراي بالا، بيتاثا، باز، ديري...


ومن المعلوم أن ما يعيق اليوم عملية إعادة الحق الى أصحابه، ان آلاف الأكراد، استوطنوا فعلاً قرى وبلدات السريان الكلدان الآشوريين، وخصوصاً في منطقة دهوك وضواحي مدينة اربيل، مثلما استوطنت بعض القبائل العربية، مناطق كردية في كركوك (والعرب)، هؤلاء أخـلوا كثيـراً مـن القـرى الكرديـة بسبـب الخـوف من انتقام الأكراد لأنهم اليوم، اي الأكراد، قـوة يحـسب حسابها. اما في ما يخص القرى السريانية الكلدانية الآشورية، فمطلبنا هو أن يتبنى البرلمان العراقي والحكومة العراقية المقبلة مسالة تطبيع الأوضاع السكانية والعقارية في دهوك، ولا سيما ان الدستور العراقي المؤقت أكد على ضرورة إزالة أثار سياسات النظام العراقي السابق في تغيير الواقع القومي واللغوي والسكاني من خلال الهجرة القسرية. ونأمل ان يشعر ويحـس الأكــراد بشعـورنـا ويخـلوا قرانا مـن تلقاء أنفسهم احتراماً لذاتهـم الكرديـة، ولأجـل ان يتضامن معهم الآخرون في حقوقهم ومعـانـاتهم والعــالم قريــة صغـيرة، يســمع فيهـا أنين وآهات المغلوبين والمظلومين.

ولكن علينا الإقرار ان عمليات الاستيلاء والطرد والفتك والتكريد التي لحقت بمناطق السريان الكلدان الآشوريين وقعت في ظروف استثنائية مر بها الوطن العراقي في ما يقـارب القرن، أي منذ التطهير العرقي الذي تعرض له الآشوريون الكلدان السريان، في 1915، ومذابح سميل عام 1933، مروراً بالتمرد الكردي ضـد سلطـات بغـداد 1961، وانتهـاء بحرب الخليج الثانية 1991. وكان من المفترض، زوال هذه الظـروف التـي أخلت بالأمن والاستـقرار والخارطـة الإثنيـة واللـغوية لشمالي العراق، مع زوال نظـام صدام!

ما تطالب به اليوم غالبية المؤسسـات والمنظمات الآشورية الكلدانيـة السـريانية هو تطبيـق شـعــارات المســاواة والحـقـوق والديموقراطيـة تطبيقـاً عملـيـاً. أي عنـدما يعاد الأكراد الـى الـقرى والمنـاطــق التـي طـردوا منـها (بواسـطة القانون وليس العنف) لن يكون هذا عائقاً بوجه إعادة المهجرين من أبناء شعبنا السرياني الكلداني الآشوري، المقيمين ببغداد او في مناطق عراقية أخرى، او في بلاد الاغتراب، ويقدرون اليوم بما يقارب المليون نسمة، الى قراهم في شمال العراق، وتقديم الدعم وفسح المجال لمن يود العودة من المنافي.

وأكراد العراق (وكذلك عموم العراقيين) هم اليوم أمام امتحان جديد، صعب وعسير، ستـدل نـتائجـه عما اذا كان الأكراد ماضين في نهج قديم قام على محاولة إلغاء الوجود السرياني الكلداني الآشوري من شمالي ما بين النهرين، مستغلين عامل الدين لمصلحتهم، وضعف قبضة السلطات المركزية ببغداد، أم انهم عازمون هذه المرة على فتح صفحة جديدة، وعلاقات أخوية وسلمية يبرهنون فيهــا علـى ان الضحـية لا يمكن ان تتحـول الـى جـلاد، وذلـك، بدعم مشروع اعادة قرى وأمـلاك السريان الأشوريين الكلدان، في شمـال الـعراق، الى أصحابها الشرعيـين، والتـوقف عن الإساءة الى مشاعرنا وإلغاء هويتنا بإطلاقهم علينا تسمية (الأكراد المسيحيون) او (الكردستانيون)، تقليـداً لسلوك الأتراك تجاههم (سياسة التتريك) الذين سموا الأكراد "اتراك الجبال" تمهيداً لإلغاء الهوية الكردية.

وندعو البرلمان العراقي والحكومة العراقية القادمة الى فتح ملف القرى الآشورية الكلدانية السريانية التي تكردت في محافظتي اربيل ودهوك، ويمكن بهذا الصدد تشكيل لجنة عراقية (او حتى دولية) محايدة مهمتها تقديم دراسة مفصلة للبرلمان العراقي والجهات المختصة التي تهتم بازالة اثار التعريب والتكريد، ومن المهم ان تشمل وتتضمن هذه الدراسة قائمة مفصلة بأسماء القرى والقصبات المعنية وعدد المهجرين منها منذ اندلاع قتال الاكراد ضد حكومة بغداد سنة 1961 وحتى ساعة سقوط نظام صدام، وكذلك يمكن لهذه اللجنة فتح ملف القرى التي تكردت ما بين أعوام 1933 – 1961. والهدف من كل هذا ليس دعوة لطرد هذا او ذاك بل إعادة الاعتبار والحق والارض لشريحة عراقية أصيلة ومهمة، طالما تم تجاهلها من قبل المجتمع العراقي بسبب تميزها الديني واللغوي. ونذكر الجميع بان أهمية ملف القرى الآشورية الكلدانية التي تكردت لا يقل أهمية عن ملف كركوك النفطية بالنسبة لتأثيره مستقبلا على امن ووحدة العراق. ان مطلب إعادة محافظة دهوك الى حضن أصحابها العراقيين الشرعيين، يعتبر مطلبا عراقيا وطنيا من المفروض أن يتبناه كل الشرفاء الذين يؤمنون بالحق والعدالة والمساواة. وبمناسبة الحديث عن ملف القرى الآشورية الكلدانية السريانية، لا يسعنا هنا إلا التذكير بما قاله الزعيم الكردي (رئيس الجمهورية العراقية الحالي) جلال طالباني: (أنا اعتقد "والقول لـ طالباني"، وبقناعتي، ان كل القرى الآشورية التي كانت آشورية في القرن العشرين أو في القرن التاسع عشر يجب أن تعود آشورية).
فالشعب العراقي بكـل مكونـاته وأطيـافه وهو الذي تعرض للفتك والظلم والتهجير، في حاجة الى تقويم المرحلة الماضية بهدوء وتأن بعيداً من التشنج والتطرف والعنف وضرورة وضع الإيديولوجيات السياسية المتطرفة جانباً، والنظر الى الإنسان العراقي كقيمة لا تضاهيها أية فكرة سياسية أو إيديولوجية أو عرقية، أيا كانت.

كاتب من سوريا مقيم في السويد