بدعوة من مرصد الديمقراطية في العراق،عقد في بغداد للفترة من 21- 23 من تشرين الثاني 2007. مؤتمرا موسعا برعاية السيد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. تحت شعار ( دور النخب العراقية في العملية السياسية الديمقراطية والمصالحة الوطنية ). بداية يجب الاشارة الى ان انعقاد هذا المؤتمر في بغداد هو ميزة تسجل لمرصد الديمقراطية في العراق. لانه يكاد يكون المؤتمر الاول الذي لايتم انعقاده في عاصمة اوربية او في دول الجوار العربي. اضافة الى حضور قوي وفاعل من شخصيات تكنوقراط عراقية اكاديمية وسياسية و حقوقية وصحفية و اعلامية واقتصادية وثقافية وفكرية وسياسية مستقلة من خارج العراق وخاصة من البلدان الاوربية على وجه الخصوص. وايضا بحضور متميز لشخصيات عراقية من الداخل تمثل النخب العراقية بكل الجوانب اعلاه. اضافة الى ممثلي عن منظمات المجتع المدني و سعى المؤتمر وخلال جلسات متعددة من النقاشات العميقة وبحضور بعض الشخصيات الرسمية والبرلمانية في بعض الجلسات. الى دعم بناء السلم الاهلي وسيادة القانون ودعم العملية الدستورية والديمقراطية ونبذ الطائفية في العراق. وكذلك الى الغاء مفردات الاقصاء والتشهير والغاء ثقافة عبادة الفرد والى بناء ثقافة وفكر عراقي جدي يلغي كل هذه العناصر والتي ادت بالبلد الى الحروب والكوارث كما ادت خلال اكثر من ثلاثة عقود الى هجرة الملايين من العراقيين الى الخارج في هجرة جماعية لايوجد لها مثيل في التاريخ الاجتماعي العراقي، مما يتطلب عمل جاد لتقليل الاضرار الاجتماعية والسياسة الكبيرة التي نتجت جراء ذلك. كما تم مناقشة دور النخب العراقية في بناء العراق الجديد والدور الذي يقع على عاتق البرلمان والحكومة العراقية في التفاعل مع افكار واطروحات هذه النخب العراقية المستقلة والاستفادة من خبراتها وتجاربها المتراكمة. وكذلك انجاز المصالحة الوطنية اللازمة للتخلص من ارث الماضي وبناء العراق الجديد. كما تم التركيز على الضرورة القصوى لحرمة الدم العراقي واشاعة روح التسامح و الى ابتداع خطاب سياسي ثقافي مفعم بروح القوانين وسيادة الدستور، باعتباره المعيار الاساسي للحكم وتبادل السلطة وبناء العلاقات الوطنية وبلورة شخصية المواطن وتحقيق العدل والمساواة والسلم الاهلي. كما تطرق المؤتمر في توصياته الى امور غاية في الاهمية منها.

ان عودة العراق الى الاسرة الدولية تتطلب الغاء العقوبات واخراج العراق من البند السابع واستعادة دوره في المجتمع الدولي عبر الامم المتحدة والاتحاد الاوربي والمنظمات الدولية لبناء موقع دولي وعلاقات دولية للعراق في اطار سياسة متوازنة مدعومة باجراءات وخطوات وطنية تشارك فيها الهيئات العراقية المختلفة، سواء تلك المتعلقة بالمجتمع السياسي الحاكم او بالمجتمع المدني الناشط. وكذلك طالب كثير من الحضور بتشكيل خلايا ازمات دائمة في الوزارات والهيئات الرسمية والجامعات واستنكر عدد من المؤتمرين استنكاف كثير من الوزراء عن استشارة الاختصاصيين والتكنوقراط. كما طرح مشاركون حقوقيون ودستوريون ملاحظات كثيرة عن الملابسات القائمة، منها على سبيل المثال ضرورة ان لايكتفي البرلمان باعتباره مجلسا تشريعيا ينفذ المادة 72 بقبول الحكومة ورئيس الوزراء، وانما رأوا ضرورة ان يقوم المجلس ايضا بواجب تسهيل تنفيذ المسؤوليات التي منحها الدستور لرئيس الحكومة وما يتعلق بذلك من توفير الاليات بطريقة ديمقراطية تؤكد حرية العمل والائتمان المفترض ومنها اعفاء اعضاء من حكومته بناء على صلاحياته في المحاسبة والمتابعة الفعلية. كما طالبت كثير من التوصيات بالعمل على انهاء مظاهر ارتباط العمل السياسي بالسلاح سواء عن طريق فصائل مسلحة علنا ام سرا، واعتبار ذلك عملا غير قانوني وغير دستوري ولايساعد استمراره على تحقيق السلم الاهلي لضمان مستقبل العراق وتطوره السياسي والاجتماعي والاقتصادي السلمي. و ناقش المؤتمرون سبل معالجة تاثير الحرب الاعلامية التي تسعى لاشعال الفتنة الطائفية والتحريض ضد المواطنين العراقيين ومعاداة الديمقراطية والتاثير على الاستقرار السياسي والاجتماعي، واوصوا بانشاء مشروع اعلام دولة مستقل ومهني بتخويل من البرلمان لتخصيص الاموال اللازمة بعيدا عن الرقابة والوصاية والتوجيه واحترام مهنية واستقلالية هذا المشروع وعدم ادخاله في اطار المحاصصات من اي نوع. كما رأى المؤتمر استمرار حالة ضحايا النظام السابق سواء من المفصولين والمبعدين سياسيا والمهجرين والفاقدين لفرص العيش والدراسة والعمل اللائق واستمرار تفاوت الفرص وحالة الابعاد المتعددة الاساليب للمعارضين السياسيين السابقين ودعا الى تعويض ضحايا الدكتاتورية في الداخل والخارج ودعوة الجميع للحصول على حقوقهم القانونية سواء عن طريق اعادتهم الى الخدمة او اية ترتيبات واجراءات حقوقية وادارية دستورية في سياق تحقيق السلم الاهلي والعدالة. كما اوصى المؤتمرون بان شغل الوظائف المدنية حق لكل مواطن استنادا الى خبرته وتخصصه ودرجته التعليمية وليس استنادا على معايير سياسية او حزبية تكرس المحاصصة وتوزيع الوظائف كمغنم سياسي او حزبي او قومي او ديني او مذهبي او اي شكل آخر. كما ادان المؤتمر ظاهرة الفساد المالي والاداري واستخدام الفساد لاغراض سياسية تطيل من امده وتبعد القانون عن السيطرة عليه وتجعل المواطن العراقي اول من يدفع الثمن بسبب الهدر الهائل للمال العام الذي يتم التعامل معه من قبل بعض المسؤولين والموظفين باعتباره مالا سائبا.

كما ان هناك الكثير من الامور المهمة التي تم مناقشاتها ووضعها من ضمن توصيات المؤتمر. وهنا لابد من الاشارة الى جانبين مهمين حول التوصيات. فالعبره في تطبيق هذه التوصيات واخذها بنظر الاعتبار من قبل السلطات التشريعية والتنفيذية في العراق. وايضا على دور النخب في تحقيق مثل هكذا توصيات مهمة اذا اتيحت امامها الفرص الدستورية والقانونية المناسبة. والاشارة الاخرى التي يجب الاشارة اليها بكل شفافية ووضوح ان ضمن النقاشات والجلسات التي جرت في المؤتمر تم انتقد البعض الاداء الحكومي في بعض المفاصل اضافة الى انتقاد جانب من اداء البرلمان العراقي. وقد تم كل ذلك وغيره بصوت عالي وواضح وصريح وامام شاشات التلفاز وسجلت ضمن محاضر الجلسات. دون ادنى تردد او خوف من المتحدثين. وهذا هو جزء من الجانب المشرق للعراق الجديد الذي يجب الاشارة اليه من قبل بعض وسائل الاعلام وليس فقط التركيز على سلبيات التي تحيط في الواقع العراقي.رغم ان حتى بعض هذه السلبيات هي نتيجة طبيعية لعراق جديد خرج من تجربة مريرة وظلامية من حكم الاقصاء والتفرد والدكتاتورية. ان في العراق اليوم هناك أسس جديدة يتم بنائها عمادها الدستور والقانون رغم كل السلبيات التي تحيط بهذه التجربة الفريدة في المنطقة. لكن الامل الكبير يبقى على الشعب العراقي لانه شعب حي وشعب حسه التاريخي والانساني والثقافي والفكري والوطني كبير وعميق. ومثل هكذا شعب لايخاف عليه، بل سيثبت لكل الدنيا انه الاجدر بفرصة العيش بكرامة وعز وكبرياء دون منة او تفضل من احد. كما الاشارة التي يجب ان لاتنسى هي الدور المتميز لمرصد الديمقراطية في العراق بشخص مديره د. نبيل ياسين في انعقاد هذا المؤتمر وجذب شخصيات عراقية من اوربا ومن الداخل وتحقيق هذه الخطوة المميزة والبارزة في قلب العراق النابض بغداد. هذه خطوة متقدمة يجب الاشارة لها بالاحترام والتقدير.

محمد الوادي
[email protected]