الناظر الى المجتمع الاردني من بعيد يستطيع ان ياخذ انطباعا جيدا عن سير المجتمع وتقدمه وازدهاره، حيث الجامعات الاردنية الحكومية والخاصة والاجنبية والتي ناوشت الثلاثين جامعة، والمراكز الطبية الضخمة العسكرية والحكومية والخاصة، حيث اضحى الاردن قبلة لطالبي العلم والاستشفاء واخيرا الاستثمار والذي تجاوز الخمسة مليارات دينار اردني. اذا المجتمع من الخارج برخاء لكن هل هذا الرخاء حقيقي ام زائف وغير حقيقي دعونا نرى.

لقد فتح (بضم الفا) الاردن بشكل غير منظبط على المحيط العربي بحيث لم تعد الحكومات الاردنية تعرف عدد الداخلين اليه والخارجين منه، ومثال على ذلك عدد الاخوة العراقيين الذين دخلو الاردن بعد سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث تنبهت الحكومة الى ان الاعداد في تزايد مستمر، حيث اشارت بعض التقارير ان عددهم تجاوز المليون عراقي صنفوا بعد ذلك بالاجئين العراقيين وطلبت الحكومة منهم التقدم للمراكز الامنية لاخذ بطاقات لجوء في محاولة لتعدادهم الا ان الاقبال على التسجيل كان ضعيفا جدا. وقد عومل اغلبهم في البداية كمستثمرين ومنحوا التسهيلات ثم انفلب السحر على الساحر وتحولوا الى مشكلة سكانية وامنية يحسب لها الاردن الف حساب.

فقد اشارت بعض التحاليل الاخبارية للواشنطن بوست منذ فترة الى احتمالية تعرض الاردن الى هجمات انتقامية من العراقيين المقيمين فيه على خلفيات ايدلوجية ودينية وعرقية، وقد يستغل البعض من تنظيمات ارهابية لضرب استقار البلاد.

هذا التساهل في التعامل على الحدود ادى الى ضهور بعض المشاكل الاجتماعية بين الفلسطينين في بعض المدن الاردنية بوصفهم لاجئون عتاقى وبي اللاجئون الجدد العراقيون وهذا ادى على صعيد اخر الى الضغط على البنية التحتية والمدارس والجامعات والشوارع وعلى اسعار الشقق والعقارات واجور البيوت للاردنيون الذين لم يعد بقدورهم شراء بيت او قطعة ارض للعيش الكريم.

وقبل ذلك كان التساهل مع نصف مليون فلسطيني عائد من الكويت بعد اجتياحها من قبل القوات العراقية في العام 90/91 مما ادى بالاردن ان يعيش ازمة طاحنة على مواردة المائية والخدماتية والانسانية حيث اضيف عبء جديدي على بلد يعتمد في اقتصاده على المساعدات العربية والدولية فتذهب كل تلك المساعدات على اعالة القادمين الجدد من فلسطينني الكويت ومهجري العراق.

وكان قبلهما ازمة النزوح في العام 1967 التي جاءت باكثر من مليون فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة ومن مخيمات اللجوء الفلسطيني التي كانت مقامة داخل الضفة الغربية لفلسطيني عام 84 م حيث عاش الاردن ازمة طاحنة اخرى باستقباله هذه الافواج البشرية دون استعداد مسبق. هذا الكرم الحاتمي وهذا التخبط السياسي الذي يعيشه الاردن بدت تظهر معالمه الان، حيث الموطن الاردني لم يعد قادرا على ملاحقة التطورات والازمات الدولية التي يتلقفها الاردن تباعا على حساب انسانه الاردني الصابر الصامت الكاضم الغيض، اذا لم تعد الدخول تكفي لسد الرمق ولا لاستئجار شقة متواضعة تاوية. من هنا انفجرت النزاعات الطلابية في الجامعات في السنتين الاخيرتين. حيث لم تسلم جامعة اردنية خاصة او حكومية من هذا العنف الطلابي الذي يدمر مباني الجامعات ويحطم زجاجها وقد اضطرت اغلب الجامعات لتعطيل الدراسة ليوم او يومين للحيلة دون امتداد الشجار الى خارج الجامعة.فالجامعة هي المجتمع المصغر عن الاردن.

لقد كلفت الجامعات بتدخل شخصي الاسبوع الفائت من الملك عبدالله الثاني عند زيارته الى الجامعة الاردنية من تشكيل لجان لمعرفة سبب العنف الطلابي داخل الجامعات الاردنية، ولكوني احد اعضاء الهيئة التدريسية في ثاني اكبر جامعة حكومية في الاردن، فان النتائج المتداولة التى تبحث بها اللجان تبعث على الضحك حيث تذهب التقارير الى ان السبب هو عشائري بحت، وكان العشائرية هي نبت جديد في الاردن في الوقت الذي تخلص الاردن من تبعات هذا الموروث العظيم، حيث كانت العشائر هي صمام الامان للمجتمع الاردني الذي يحترم فيه الصغير الكبير والطالب المعلم والرجل المراءه على عكس تصور تلك اللجان.

لقد اغفلت الدراسات حقيقة ان الانسان الاردني لم يعد مؤمنا ببلده ولا بالشعارات الرنانه التى لا تساوي ثمن الحبر الذي طبعت به مثل (الاردن اولا ) وكلنا الاردن) وغيرها هذه الشعارات لا تجد ترجمه على الواقع فتموت لحظة ولادتها، لان الانتما الحقيقي لاي مواطن في بلده ينبع من ان الوطن يحفظ له حقه في العيش الكريم ويحفظ حقوقه المدنية ولا يبدي العربي على الاردني ولا اللاجئ على المواطن، فالاردني لا يؤمن بكل تلك الاستثمار التي تذهب للاجئين ايا كان اصلهم ولا تطال الاردنيين. من هنا تتولد الاحقاد على الدولة وعلى السياسة العامة للبلاد الخارجية والداخلية فتتمثل بالعنف الطلابي والتمرد على كل شيئ، لان الطالب كما افهم من بعض طلابي لا يوجد لديه امل في المستقبل ولا يخاف العقاب لانه يشعر ان استمراره على حاله في هذا الوضع المزري هو عقاب بحد ذاته.

ليس ذنب الاخوة العراقيين ان هم دمرت بلادهم فهربوا في ارواحهم طلبا للعيش الكريم في الاردن، وليس ذنب الاخوة الفلسطينيون ان هم هربوا ايضا من بلادهم طلبا للعيش الكريم بيننا، ولكن العيب عندما يصبح اللاجئ العربي في الاردن يملك كل شيئ والمواطن الاردني لايملك اي شيئ فيضطر الاردني لبيع ملكه وارضه وبيته ليستر اسرته ويتماشى مع احوال القادمين العرب الذين يمكنهم الاردن من ان يكونوا افضل من المواطنينن.

حالة الاردن من اكثر البلدان غرابة على هذا الكوكب، ونخشى كاكاديمين ان يمتد العنف الجامعي الى عنف اجتماعي مدني، عندها لن ينفع الاستثمار الزائف بتلطيف الامور، ولن يعد للمواطن شيئ ثمين يدافع عنه.

الدكتور منور بن ربيعة