ما جرى في قطاع غزة من استيلاء كتائب القسام والقوة التنفيذية على مقرات السلطة ومقرات الاجهزة الامنية، وما صاحبه من قصف وتدمير للبيوت ومداهمات لبيوت عناصر حركة فتح يشكل سابقة خطيرة في تاريخ القضية الفلسطينية المعاصرة، ولا يمكن القفز عنها أو تجاهلها تماماً مثلما لا يمكن تبريرها. ونحمد الله ان كتائب شهداء الأقصى وقوى الأمن الفلسطينية وقوى المقاومة المسلحة الأخرى لم تشارك في هذه الفتنة، وإلا لكنا دخلنا حرباً أهلية سيكون ضحاياها عشرات الآلاف.


ومهما كانت مبررات من قاموا بهذه الفتنة الا أنها تبقى غير مقبولة، لأن سفك الدماء الفلسطينية،وتدمير المؤسسات الفلسطينية خط احمر لا يمكن تجاوزه.وأخطر ما في هذه الفتنة هو السيطرة على مؤسسات السلطة بما في ذلك مقر رأس السلطة الفلسطينية اتدمير وتهب بيت الرئيس الرمز الراحل ياسر عرفات، فمقرات السلطة ليست ملكاً لفتح أو لغيرها من التنظيمات، بل هي ملك للشعب الفلسطيني.

والأكثر خطورة هو التصفيات الجسدية مع سبق الاصرار والترصد لبعض عناصر الأمن وبعض عناصر فتح، وفي الشارع وأمام الجماهير وبدون محاكمات، وهذه سابقة خطيرة جداً، فإذا ما كان هناك فساد ومفسدون،- وهذا أمر موجودعند جميع الشعوب والدول - فإن الحلول لا تكمن في التصفيات الجسدية، ولا أحد يملك أن يكون حكماً وجلاداً وقاضياً في نفس الوقت، وإلا ما الفائدة من وجود مدعي عام، ووجود محاكم وقضاة.


ولماذا لم يتم رفع دعاوي أمام المدعي العام، وتقديم من تثبت ادانته للمحاكم بدلاً من التصفيات الجسدية المسبقة، ودون اثبات التهم؟؟ خصوصاً وأن حركة حماس كان يرأس الحكومة احد اعضائها وهو السيد اسماعيل هنيه، وتملك أغلبية وزارية في حكومة الوحدة الوطنية السابقة، والتي جاءت بعد اتفاق مكة بين فتح وحماس،وتملك اغلبية قي المجلس التشريعي ايضا؟؟


وبما ان السلطة ومؤسساتها هي ملك للشعب الفلسطيني فإن أي اعتداء عليها أو على العاملين فيها هو اعتداء على الشعب الفلسطيني جميعه، وعلى الشرعية الفلسطينية. ومن هنا فإن ما جرى في قطاع غزة أمر مرفوض، وكان بالامكان الاستغناء عنه، والبحث عن بدائل حضارية له، تماماً كما هو مدان ومستنكر أيضاً ما جرى في الضفة الغربية على أيدي كتائب شهداء الأقصى من الاعتداء على بعض المؤسسات بحجة انها تابعة لحماس، أو من اعتداء على موظفين في مؤسسات السلطة واجبارهم على الخروج من مكاتب عملهم بحجة مناصرتهم لحركة حماس، فالسلطة هي للشعب الفلسطيني جميعه وليست لحركة حماس أو لحركة فتح، وكلتا الحركتين جزء من الشعب الفلسطيني، وليس الشعب كله. ولا بد هنا من تسجيل الأكبار والاجلال للرئيس محمود عباس ولقيادة فتح ولحكومة الطوارىء لموقفهم النبيل بالوقوف ضد مظهر الفلتان هذا وتحريمهم الاعتداء على المؤسسات والأفراد. ومع ذلك وبغض النظر عن النتائج السلبية لما جرى ويجري في قطاع غزة، والتي أعادت القضية الفلسطينية الى الوراء، وهزت بشكل كبير امكانية تحقيق الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس
الشريف على الأراضي الفلسطينية المحتلة في حزيران 1967، وفتحت المجال واسعاً للبحث عن حلول اقليمية للقضية الفلسطينية تستثني الفلسطينيين أنفسهم، فإن العقل والمنطق يدعوان الى رأب الصدع، ومداواة الجرح العميق الذي نشأ بعد الاحداث المأساوية في قطاع غزة. وهذا يتطلب أولاً وقف الحملات الاعلامية الظالمة، والتي تصب الزيت على النار لتأجيج الصراع وتغذية الخلاف، ويتطلب ثانياً البدء بحوار جاد وهادف للخروج من هذه الأزمة الخانقة، والتي لن يستفيد من استمرارها الا الأعداء، ولا خيار أمام فتح وحماس إلا خيار الاتفاق والوفاق، ولا يمكن لأحدهما ان يشطب الثاني، فتحرير الأرض والانسان أسمى بكثير من الصراع على كراسي سلطة تحت احتلال، وما الصراع على الكراسي والمناصب الا تكريس للاحتلال وزيادة في قهر الشعب الذي عاني الأمرين على أيدي المحتلين. ويجب ان يكون هذا الحوار فورياً، بدلاً من الانتظار سنوات، لأنه في النهاية لن توجد حلول جذرية بدون حوار.
وهل يتقي قادة حماس وقادة فتح هل يتقون الله في شعبهم وفي قضيتهم؟؟ هذا ما نأمله ونتمنى على الأشقاء العرب أن يبذلوا جهودهم الحميدة لاجبار طرفي الصراع على الجلوس على طاولة الحوار،والوصول الى القرارات الصائبة، والعمل على تنفيذها على أرض الواقع، واذا لم يتوصلوا الى ذلك فإننا نتمنى على الرئيس الفلسطيني المنتخب محمود عباس أن يعمل بما عمل به الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري عندما عزل معاوية وعليّ، وأن يحل المجلس التشريعي وأن يُشكل حكومة كفاءات من المستقلين تُدير الحياة اليومية لشعبنا الى أن يقضي الله امراً كان مكتوباً، شريطة ألا يكون بيننا عمرو بن العاص جديداً.

جميل السلحوت

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف