لم يمض يوم واحد من أيام المواجهة العنيفة بين قوات الجيش اللبناني وعناصر فتح الإسلام، دون أن يتم تدمير الممتلكات الخاصة للمواطنين الفلسطينيين الذين ابتلوا بهذه العناصر، وخسروا استقرارهم المؤقت وممتلكاتهم الشخصية، فوق خسارة بلادهم واستقرارهم.
وإذا كانت المواجهات بين القوات اللبنانية وبين فلول تلك الجماعة امتدت، فأنها تمتد بحكم تحصن تلك المجموعة في بيوت الناس وبناياتها الشخصية التي اتخذوها دروعا ومخابئ.
ما يلفت النظر تلك الكميات الهائلة من الأسلحة التي تم تهريبها الى مخيم نهر البارد، وتلك الكميات التي تم وضعها بين بيوت الناس ودون علمهم، وما يلفت النظر المخطط الرهيب الذي تم تخطيطه داخل أرض لبنان، وأبعاد المخطط في عقول تلك المجموعة.
وإذا كان الشعب اللبناني قد خبر الخطورة الإجرامية لتلك المجموعة، من خلال الأفعال التي طالها القانون اللبناني، والخرق الفاضح للسيادة والكرامة اللبنانية، فما الذي انتفع به المواطن الفلسطيني بنتيجة تلك الأفعال؟ وماذا قدمت فتح الإسلام لهذا المواطن؟ وكيف ساهمت في تقديم الخدمات والسبل التي تعينه على الحياة، تلك الحياة التي تبقيه بمعزل عن الوطن، وعن الطرق والوسائل التي تعيده الى وطنه فلسطين !
كيف سيترك عناصر فتح الإسلام أماكن السكن المحطمة والعمارات المتهدمة والشوارع المخربة؟ فيفر منهم من يستطيع ويموت من يموت في مخابئه التي ظنها تعصمه من اللبنانيين الذي أرادوا بهم الشر، وتحت أية مسؤولية قانونية أو شرعية سيتحملها جماعة فتح الإسلام ؟
ولدت حركة فتح الإسلام في أواسط عام 2006 واتهم القيادي ''ابو خالد'' العملة الرجل الثاني في حركة ''فتح الانتفاضة'' برعاية التنظيم. وخلال صيف العام نفسه، بدأت ''فتح الانتفاضة'' ترسل عناصر عبر الحدود اللبنانية الى مراكز ''صامد'' التابعة لها، الى ان تجاوز عددها زهاء 200 مقاتل وزع منهم 120 في مخيم البداوي (الشمال) و80 في برج البراجنة الضاحية الجنوبية (بيروت). بعد خروج العبسي من السجن في سوريا عام 2005 انتقل الى معسكر تدريب لـ''فتح - الانتفاضة'' التابعة في منطقة حلوة قرب راشيا ثم الى معسكر آخر في منطقة قوسايا في البقاع الأوسط ثم تولى تدريب مجموعة حملت لاحقاً اسم ''فتح الإسلام'' وتلك هي نواة التنظيم.
وفي 9 تموز 2006 انتقل العبسي إلى مخيم برج البراجنة في ضاحية بيروت الجنوبية لينتقل منها في تشرين الأول إلى مخيم البداوي.
ودخل إلى لبنان''السوري حسام صيام والسعودي محمد سالم ضمن مجموعة ضمت 200 عنصر توزع 150 منهم على مركز صامد في البداوي والخمسون الآخرون على مركز صامد في مخيم برج البراجنة''.
ويبدو إن التطرف الديني والهوس الذي يسيطر على بعض العقول فيعمي الأبصار، ما يدفع تلك الجماعات التكفيرية التي تعتبر كل شيء لاينسجم مع أفكارها مشروعا للقتل والذبح والموت، متوهمة أنها مكلفة شرعا من الله، وغير عابئة بمصالح الناس وأرواحهم وحقوقهم، ولا تدرك مقدار الآثار السلبية التي سيخلفها فعلهم وعملهم على الناس وعلى مستقبلهم في المخيم وفي لبنان وفي فلسطين.
أن هذه المجموعة التي أصبح اسمها فجأة حركة فتح الإسلام ، وعلى اثر الحوادث التي حصلت في المخيم انكشف أمرها ، وتشير المعلومات أن عدد منهم كان في إيران بعد الاتصال به وإيهامه بقضية الجهاد، وأن المجموعة بحاجة الى الوعظ والإرشاد والتوجيه الديني، وهو الغطاء التي كانت تتبرقع به، أذ كانت تقوم بأعمال لاتمت للدين أو للخلق بصلة، منها فرض الإتاوات وعمليات السطو المسلح على المصارف، وتهريب البضائع والأسلحة، والمساهمة في تهريب البشر عبر الحدود، والعديد من الجرائم الجنائية التي يعاقب عليها القانون اللبناني، علما بأن هذه المجموعة كانت تعتبر نفسها فوق القانون اللبناني وخارج أطار العمل الفلسطيني.
وكان طريق حاصبيا ndash; الزبداني الطريق التي تسلكه تلك المجموعات تخلصا من نقاط الحدود اللبنانية، مع إن العديد من العناصر الواقعة في دائرة الوهم، تأتي عن طريق مطار بيروت أو نقاط الحدود عبر جديدة يابوس أو المصنع بشكل طبيعي ورسمي بحجة السفر لأسباب السياحة، غير أن أعداد كبيرة منهم دخلت الأراضي اللبنانية بشكل غير شرعي، ما جعلها تتمسك ببقائها في مخيم نهر البارد ولا تجد وسيلة قانونية تخرجها منه الى بلد آخر، فلا تجد غير أن تقاتل حتى الموت.
ويبدو الترابط الوثيق بين تنظيم القاعدة الإرهابي وبين تنظيم فتح الإسلام ، من خلال المخطط الإقليمي الذي يسعى تنظيم القاعدة له، ضمن دول عديدة من بينها لبنان، وكما أن الإشارة الصريحة والواضحة التي أطلقها الإرهابي أيمن الظواهري بتاريخ 17/3/2007 حيث أصدر فتوى على أساس انه يجمع السلطتين العسكرية والدينية والسياسية ، وباعتباره خليفة لأمير المؤمنين أسامة بن لادن !! يقول فيها ان ''تنظيم فتح الإسلام هو جزء من حزب القاعدة ''.
وبعد سلسلة من العمليات ألإرهابية الموجهة ضد شعب لبنان وسلطته، بدأت معارك عنيفة منذ 20 ايار/مايو بين الجيش اللبناني وبين المجموعة التي تقر بتقارب أيديولوجي مع تنظيم القاعدة الإرهابي والمتحصنين في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، والتي تجسد الإرهاب وانتهاك السيادة الوطنية والتنكر لكل موجبات الأخوة والضيافة وعدم احترام الخصوصية اللبنانية.
كما إن العديد من عناصر التنظيم قتل في العراق خلال تنفيذ العمليات الإجرامية والإرهابية، بزعم أنها كانت ضد قوات الاحتلال، كما عاد الى مخيم نهر البارد عدد ممن استطاع الإفلات من ساحة العراق ليساهم في الحرب الدائرة بين قوات الجيش اللبناني وبين عناصر التنظيم الإرهابي.
حقق تنظيم فتح الإسلام ما لم تحققه أية منظمة معادية للفلسطينيين، وعمل التنظيم على الإجهاز على ما تبقى من الأمل في عقل المواطن الفلسطيني، بعد الفشل الذريع والتدهور المريع الذي وصل إليه حال الفلسطيني في بلده، وبعد الفشل الكبير الذي منيت به حكومة التسلط الديني المتطرف، ومساهمتها في إرباك الوضع وخلق الفوضى وعمليات التصادم بين الفصائل والاغتيالات التي تعج بالساحة الداخلية، بالإضافة الى المواقف السياسية الخاطئة التي تنم عن عدم وجود خبرة أو دراية.
وكان تنظيم فتح الإسلام يعتمد التقنيات الحديثة في عمليات الرصد، ويتخصص عدد من عناصره بعمليات التزوير المتقن، بالإضافة الى تمكنه من تسريب أسلحة ثقيلة ومتفجرات هائلة، تمهيدا لتنفيذ المخطط الإرهابي الخاص بالقاعدة في المنطقة، وبالتنسيق مع تنظيمات أخرى تتباعد معها أو تتجاور، غير أنها في كل الأحوال تشترك في الهدف.
أن وضع مدفع ثقيل بعيار 106أو بي 1 أو بي 9 بين بيوت الفلسطينيين يعبر عن حجم الانغلاق الفكري والأخلاقي لعناصر فتح السلام، كما إن تمكن المجموعة من تهريب مئات الألغام ضد الدروع والآليات يعبر بوضوح عن منهج فتح الإسلام، متوهمين أنهم يشكلون دولة مصغرة ومحاطة بأسوار من الأسلحة داخل الدولة اللبنانية، وإنهم لايقرون بشرعية الحكومة ولا بقدرة جيشها على المواجهة ولاحتى بحق الشعب اللبناني في الحياة السياسية.
تمكنت عناصر التنظيم التي تتنقل بين سراديب وملاجئ العمارات السكنية في المخيم، إن تقاوم وتنسحب وتتسلل، غير أنها تعتاش على ما تركه أهل فلسطين في بيوتهم ومخازنهم، وجعلهم الحصار المفروض عليهم لايفكرون سوى بالطريقة التي يخلصون بها حياتهم، دون النظر الى حياة الناس وحقوقها وممتلكاتها، ودون وازع من ضمير بما حل بالناس في المخيم.
أن الضرر الذي أحدثته مجموعة جند الإسلام في حياة الفلسطينيين الآمنين في مخيم نهر البارد يفوق ما تستطيع إسرائيل إن تحدثه، فقد تمكنوا من تشريد الناس وعزلها عن بيوتها، وعطلوا مصالح الناس ومصادر عيشهم، وحاولوا وضع الشروخ في الانسجام، وأوقفوا كل إمكانيات الحياة البسيطة التي يعيشها الفلسطيني في مخيمات اللجوء.
ولا يخفى أن التنظيم الذي يمد أذرعه الأخطبوطية في المدن اللبنانية التي يتواجد بها الفلسطينيون بحكم الإغراءات الدينية المتطرفة والحاجة الى المال، وضرورة إيجاد التكتل العسكري الذي يحمي ظهيرة المواطن الفلسطيني والذي يسود الحياة الفلسطينية اليوم.
وتوصيف تنظيم فتح الإسلام بالتنظيم الإرهابي يفضح تلك المجموعات المتطرفة داخل الجسد الفلسطيني، والذي بدأت تحارب الوجود الفلسطيني، والإنسان الفلسطيني ليس في فلسطين فحسب، بل في كل مخيمات اللجوء ودول الاغتراب. سينتهي تنظيم فتح الإسلام كما انتهت العديد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، غير انه تمكن إن يترك ندوبا وجروحا كبيرة في الجسد الفلسطيني ndash; اللبناني.