سؤال قديم جديد يطل من عيون الفلسطينيين البسطاء الحائرين..ويختصر معاناتهم ومرارتهم وغربتهم المتواصلة جيلا يعد جيل..ومنذ قرن ونيف من الزمان..!!
سؤال بسيط..ولكن إجابته الشافية الوافية تحتاج إلى كثير من الصدق مع النفس وطهارة القلب ويلزمها موضوعية وتجرد يكفيان لطمس الأهواء و النعرات القبلية والانتماءات اللونية ولو إلى حين من أجل استشراف معمق للأسباب والنتائج وبدون هذا فإننا سنظل نراوح عبثنا وتفاهاتنا كطرشان يتصايحون و يتشاجرون في غرفة معتمة..!!
لماذا كل هذا..؟!!
ونحن أول من استيقظ من الشعوب على محنة عضال وهي تفترسه رويدا رويدا بدعم وتواطؤ من الغريب والقريب..
استعبدت أجدادنا quot;الجندرماquot; بالسياط..وعرفتهم طعم مفارقة الأحباب إلى المجهول مع أولquot;سفربرلك quot; للسخرة..!!
عانوا الجوع بشكل لم يسبق له مثيل وعوملوا في أغلب الاحيان كالبهائم..!!
جدي لم يجد لمقاومة جوعه إلا نصف نعل كريب التهمه مشويا..وجدتي باعت خمس دونمات كاملة من أرضها مقابل رطلين من الذرة لتطعم حفيدها اليتيم..!!
هذا ليس مقطعا من فيلم هندي قديم وإنما هو حقيقة ورثتها أهديها لمن لازالوا يحلمون بعودة الباب العالي إلى استانبول.
انهزم الأتراك بفعل فاعل.وانقضى دلف أول احتلال في وعينا ليحل علينا مزراب لعنة بريطانيا العظمى بفضل أعوانها الذين باعوا كل شيء من أجل النياشين والقطائع والذهب.. وهكذا تسلمنا الخواجات الفاتحين غنيمة حرب..!!
الانجليزبدورهم.. سحبوا الأرض من تحتنا بهدوء وقدموها لليهود عبر وعد سري كشفه البلاشفة الملحدين لولاة العرب المؤمنين..!!
فاوضنا بريطانيا..عبر وفود الحجيج إلى لندن..فنلنا كتابا ابيض لم يساو في حساب التاريخ خردلة..!!
قاومنا بما نملك من سلاح بدائي ترسانة الظلم التي لم تكن تغيب عنها الشمس فسقط عز الدين القسام وفرحان السعدي وعطا الزير وفؤاد حجازي وآلاف مؤلفة من الأبرياء
ومع ذلك كنا كمن يغرق ببطء في رمال ناعمة !!
ثرنا على الانتداب عام36..وقدمنا الضحايا تلو الضحايا لنجد أن الصورة تتسرب من بين أصابعنا بسبب اجتهاداتنا المتعارضة وخصوماتنا الدائمة وعنترياتنا الفارغة ولم نتقدم شبرا نحو الحرية المنشودة..
ثم..
جاء قرار التقسيم..فرفضناه عاطفيا ولم نكن نعلم أن القادم لا ينتظر أماني المخذولين بل يخبئ لهم ما هو أخطر..!!
هب العرب المتنافرون بهلاهيلهم المضحكة لنجدتنا في الوقت الخطأ وبالشكل الخطأ فالتقوا بتخلفهم ومصائبهم وخياناتهم على تضييع ما تبقى من فلسطين بجدارة..
وكانت النكبة..
نكبنا في الأرض والأهل على السواء..وتجرعنا ببطء شديد مرارة الهجرة واللجوء وعار التفريط.. في الخيام وتحت القرميد ثم الاسبست بردا وحرا..و عشنا على فتات الاونروا سنوات طويلة طويلة يحدونا الأمل بأن نعود..!!
غنينا للعودة..ودبكنا سنينا..ولم يبق من كل ذلك إلا الصدى
كانت إذاعاتنا العربية تحرر فلسطين كل يوم مائة مرة بأغان وطنيةعملاقة ومارشات عسكرية..!!
تعلقنا بعبد الناصر..فخذلنا في حزيران..
رجونا خيرا من السادات فرجمنا بالضباب ثم المبادرة..
جربنا النزوح من غزة..إلى الوحدات إلى بيروت إلى تونس وفي كل مرة نلقى المذبحة من نصيبنا..
كم أصابت بنادقنا باسم المقاومة..!!
وكم أخطأت..!!
بأيدي الأهل كما العدا..سال دمنا
أوجعنا كثيرا موال تل الزعتر.. وأوجعتنا أكثر عتابا صبرا وشاتيلا..ليستمر قدرناو نزف الخاصرة
إلى أن..
هبطت من السماء فجأة مهرة أسميناها الانتفاضة..وجهتنا إلى سلاح طاهر..ساحر اسمه الحجر..!!
استطعنا بدم الشهداء الطازج أن نعيد احترام العالم لنا..ولكن قادتنا سرعان ما امتطوها كل حسب طريقته لتتحول الفكرة النبيلة إلى مجرد زعرنة..وتصفية حسابات..!!
فوجئنا تحت الاحتلال أن مدريد عاقر وأن أوسلو ولدت في الخفاء طفلا معوقا..
في غمرة فرح المفاوضين..يبدو انهم نسوا طلب مفاتيح الحوش الكبيرمن الناطور..!!
عاد القادة المقاتلون إلى غزة وكأنهم في حلم.. فتخلوا بالتدريج تحت تأثير الزهو عن تواضع البندقية ليصبحوا أخيرا أمراء وجلادين..!!
أطل الفلتان برأسه بعدما غادر رب العائلة..وأصبح في كل بيت زعيم..
الأخطاء.. ولدت خطايا..وتحول الناس بالتدريج عن فظاظة الفرسان إلى وداعة الرهبان في أول انتخابات نزيهة..!!
تولى الربانيون الحكم..وقد غلقت المعابر و الثغور وتفاقمت الأمور من فرط الكيد والعناد والتربص والحسد..!!
لم يفرق القادة الجدد بين إدارة الجهاد و إدارة البلاد..فانكشف النظري أمام العملي..وضاقت الصدور المحبطة..!!
ازداد الفلتان..وازداد الحصار فتبخرت الوعود ولم يبق إلا الحناجر وشعار بانتظار المهرجان..!!
في نكبة حزيران الثانية..
صحونا..لنكتشف وبمرارة أن اليد اليمنى واليد اليسرى سواء..فما أن ترتقي أحداهما ظهورنا للحكم حتى تتملكها الشهوة ويقودها الانتقام..!!
نعم..
بعيون مفتوحة..وعدسات طبيعية وغير ملونة..
لم يكن تاريخنا في قرن مضى إلا انتقال من احتلال لاحتلال..
ولكل احتلال أدواته ومريديه..وأعدائه ومعارضيه
هكذا هو تاريخنا المقيت بكل صدق وشفافية..بعيدا عن مراجع الدكاكين وتجمل الوراقين..
لماذا كل هذا..؟!!
لو كنا نملك قائدا معاصرا في ربع إخلاص شارون لإسرائيل لما وصلنا إلى هذا الحال..؟!!
لو كان قادتنا على قلب رجل واحد نحو القدس..لما بقيت ربابة كل دجال ومفلس..!!
نحن العرب لم نأخذ من التاريخ إلا ميراث الخصومة والنزاعات وأيام القبائل..
انظروا إلى تاريخ العراق.وكيف كانت نهايات حكامه المتتابعين بين سحل وشنق وقتل..!!
انظروا إلى تاريخ سوريا.التي ضربت الرقم القياسي في الانقلابات..!!
انظروا الى صراع الديكة هنا بينما مخالب الرخ تتربص بالجميع..!!
نحن العرب.. أمة المتاحف.الامية تعشعش في عقول ثلث رجالها ونصف نسائها
نحن العرب.. لم نعرف من الشورى إلا اسمها ومن الديمقراطية إلا رسمها ولا نجيد سوى رفع العقيرة بالتخوين والذبح وإذكاء الفتنة..
نقوم يوميا ببلاغة منقطعة النظير بتحرير مغتصباتنا من الأندلس و الاسكندرونة إلى أم الرشراش في دقائق بقصيدة ذرية أو بتصريح هيدروجيني.. أو بخطاب تاريخي غير منضب!!
نحن العرب..نمارس هوايتنا الأثيرة في انتظار معجزة تعيد إلينا صلاح الدين أو الظاهر بيبرس
نحن العرب..نباهي الأمم بتخلفنا الأزلي فلا تزال أقدامنا في الماضي المجيد..وعقولنا تسبح في برزخ الفحولة وأجسادنا المستهلكة هي البصمة الواهية في المؤخرة.
ليس هذا جلد للذات كما قد يتصور بعض الغيورين..وإنما هو كشط صحي وضرورى للعفن الذي يلف حاضرنا ويهدد مستقبلنا
لقد أضعنا نحن المسلمين والعرب..أعدل قضية..!! لأننا ببساطة كنا ولازلنا أسوأ محامين..!!
بعد كل ما أسلفت وهو غيض من فيض هل عرفتم..أيها القراء
لماذا كل هذا..؟!!
توفيق الحاج
التعليقات