اغلب تصريحات الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد يفترض أن تكون امتدادا لشعارات الثورة التي مازالت متكررة منذ عام تسعة وسبعين بعد صلاة كل جمعة في جامعة طهران بالقرب من (ميدان انقلاب) ساحة الثورة.
وليس من السهل التخلص من تلك الشعارات التي استمرت اكثر من ثلاثين عاما حيث كانت وما تزال تُرددُ اثنان وخمسون مرة كل سنة في صلاة الجمعة ، فضلا عن المناسبات الوطنية والتظاهرات والاحتفالات التي تربى عليها جيل الرئيس الإيراني احمدي نجاد ويركز اغلبها على الموت لأميركا ولإسرائيل والموت للمنافقين ولكل من يعادي الثورة أو من يقف في طريقها ..
وتحت بعض هذه الشعارات استطاع الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد إقناع (البسيج ) التعبئة الشعبية و(السباه) حرس الثورة الإسلامية بالتصويت له واعدا إياهم بالحرية والكرامة وتحسين الأحوال المعيشية ، وهي المسألة الأهم في حياة الكثير من الذين صوتوا له على أمل أن تتغير الأمور نحو الأحسن ، وهو الأمر الذي لم يحدث لحد الآن فمازال الكثير من الإيرانيين يعانون من شظف العيش بالرغم من الوعود التي أعطيت لهم في مقابل التضحيات التي قدمها البسيج والسباه من اجل إنجاح الثورة وديمومة ما عرف بخط الإمام الخميني .
هذا الخط الذي استطاع أن يستمر بوجود شخصية كآية الله الخميني ، لكنه فقد حضوره ووهجه وتأثيره في الشارع الإيراني ، وتكمن المشكلة الأساسية في البون الشاسع بين شخصية الرئيس الإيراني نجاد وشخصية آية الله السيد الخميني من حيث الفكر والأسلوب والنهج والطريقة في التأثير على المحبين والمريدين فضلا عن مسألة التقليد و الأحكام الشرعية التي كانت مفتاحا بيد الإمام الخميني لكثير من الأمور المعقدة وهو الأمر الذي لا يمتلكه الرئيس الإيراني نجاد للمضي ببرنامجه السياسي لتطبيق الشعارات التي أتعبت الإيرانيين وهم ينتظرون تلك اللحظة التي سيتم فيها الحصول على الحرية السياسية الكاملة وتغيير الأوضاع الاقتصادية وتحسين المستوى المعيشي والمحافظة على القدرة الشرائية للريال الإيراني أو الحصول على دخل شهري مناسب للعائلة تستطيع من خلاله أن تقاوم ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية والصعود الصاروخي للإيجارات في طهران وعدد غير قليل من المحافظات الإيرانية الكبيرة..
ومادام تأثير الحكومة الإيرانية أضحى اقل شأنا على شبابها الذي صوت لها يصبح من المؤكد إن تأثير هذه الحكومة التي يقودها نجاد على شعب آخر من شعوب المنطقة ضربا من الخيال ..
وقد يحلو لبعض المحللين الذين ينظرون لإيران من الخارج أن يعتقدوا إن بامكان إيران التأثير على الشعوب ( الشيعية ) في الدول المجاورة (الخليجية ndash; العراق ولبنان ) لتحريكها ضد الولايات المتحدة او ضد قواتها المتواجدة في المنطقة أو ضد حكومات تلك الشعوب التي تصفها وسائل الإعلام الإيرانية ب(الطاغوتية)..
ولكن نظرة فاحصة إلى إيران من الداخل توضح أن الأمر مختلف تماما عمّا يعتقده المحللون ، فالشيعة في الدول المجاورة (ببساطة ) لا تحركهم الشعارات بل تحركهم الفتوى الشرعية وهو الأمر الذي لا تمتلكه حكومة إيران والرئيس الإيراني ولا رجاله السياسيون ولا المرجعيات الدينية في الحوزات العلمية بقم أو طهران أو مشهد وذلك حسب عدد غير قليل من العلماء الإعلام في الحوزات العلمية ، حيث تبقى الفتوى الشرعية بيد الفقهاء المقلدين (بفتح اللام ) واغلبهم خارج تأثير السياسة الإيرانية ،
كآية الله السيد علي السيستاني الذي يعتبر المرجع الأعلى حسب شروط التقليد كما تؤكد الحوزات العلمية على ذلك (طبقا لشروط التقليد) حيث يبقى الأمر محصورا بالحوزة العلمية في النجف الأشرف التي وُصفت وقياداتُها بالمعتدلة والمتزنة والموحِدة ...
اذن فالطاعة مشروطة ( بالفتوى) وبالتقليد الذي لاتنفرد به الحوزة العلمية في ايران و لاتمتلكه الساحة الايرانية خصوصا بعد رحيل مفجر الثورة الامام الخميني وتحييد او تغيير مسار ماعرف بخط الامام من قبل من جاء من بعده من السياسيين وهذا ماتؤكده الصحف الايرانية نفسها ..
فعادت المرجعية الدينية الى النجف (جغرافيا ) لانها لم تخرج منها فقهيا وأصوليا وعلميا ، فحتى الإمام الخميني نفسه (كغيره من العلماء) اكتسب مرجعيته في النجف الاشرف ، وهذا ديدن مراجع الدين عند الامامية ( الجعفرية ) ، ونظرة فاحصة لفتاوى الحوزة العلمية في النجف وعلمائها جهابذتها تؤكد انها كانت ومازالت تريد وحدة العراق واقامة علاقات طيبة مع الجيران ودول المنطقة ولم تصدر فتوى واحدة تستبطن العداء او الكراهية او تثوير الشيعة او تحريكهم ضد الغرب او حكومات المنطقة ..

و يتضح من ذلك ان النفوذ الإيراني لا يستند الى تبعية الشيعة بسبب المذهب ( الجعفري او الامامي ) ولا الى مراجع التقليد في إيران ولا يستند الى نجاح السياسة الإيرانية في تطبيقها للشريعة الاسلامية ولا الى استقطاب المريدين والمحبين بسبب ديمومة الثورة الإسلامية ... ،
بل ان النفوذ الايراني جاء بسبب صفقات سياسية مالية ومصالح مشتركة بين بعض الحركات السياسية في بعض الدول بغض النظر عن مذهبها وايديولوجيتها وذلك من اجل تنفيذ بعض الاجندة الايرانية في البلد الذي تنطلق منه تلك الحركة المدعومة من ايران ،
فايران تدعم حماس (السنية) المتشددة وتدعم حزب الله (الشيعي ) وتدعم بعض الحركات السياسية في العراق والخليج والمغرب العربي ايضا ، لكن يبقى التأثير هذا مشروطا باستمرار الدعم المالي والسياسي لتلك الحركة اوذالك الحزب ..
ونظرة سريعة (عقلانية) الى ما جرى في المنطقة بعد اجتياح الكويت من قبل النظام الصدامي توضح ضعف النفوذ الايراني في المنطقة ، فعندما تحركت القوات والاساطيل الاميركية صوب الكويت عام 1991 لم يكترث الشيعة هناك لتصريحات ايرانية بضرورة مقارعة ومواجهة القوات الاميركية التي وصفت بالمحتلة من قبل ايران ، ذلك لان الشيعة (كغيرهم في الكويت ) ادركوا ان القوات الاميركية ستخلصهم من الاحتلال الصدامي وهكذا فعلت.
ولم يستطع حزب الله ان يكون مؤثرا في لبنان الا بعد ان ترك العملية الثورية و دخل العملية السياسية وفاز بعدد غير قليل من المقاعد في البرلمان اللبناني ، ولم يحصل الشيعة في البحرين على حقوقهم (البعض منها على الاقل) الا عندما وضعوا (الحالة الثورية ) على الرف ودخلوا العملية السياسية وحصدوا مقاعد عديدة في البرلمان عندما تحولت البحرين الى ملكية دستورية . وكان العملاق الشيعي العراقي ومازال مبتعدا عن التأثر بالشعارات (الثورية ) ، بل اصبح متمسكا برأي المرجعية في النجف الاشرف ففاز في الانتخابات باكثرية في البرلمان العراقي .....

محمد الطائي

قناة الفيحاء
[email protected]