ليس من التجني البتة، القول بأنه بات يحقّ، ومن اليوم، لدول من مثل ميانمار، وفييتنام، والصومال، والسودان، ومنشوريا وكوبا وأوزبكستان، إصدار لوائح سنوية تتضمن الدول الفاسدة والفاشلة في العالم، على شرط أن يكون على رأس تلك القائمة دول من مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، واليابان، وسويسرا، وألمانيا....إلخ. وسيكون ذلك التصنيف عادلاً جداً وخير معبر عن واقع الحال في ضوء تفاعلات الهزة المالية الأخيرة والحقائق المرعبة التي ظهر عقب التسونامي المالي الذي عصف بتلك البلدان وجعلها في حالة من السكر والتوهان والضياع لم يستطع عتاة الرأسماليين ومن يسمون بالخبراء والمخططين والمحللين الماليين quot;البارزينquot; من إيجاد أي حل له.
وربما ستكون القوائم الجديدة أكثر صدقية، ومنطقية، من اللوائح التي اعتادت أمريكا المنهارة والفاشلة والفاسدة أن تصدرها. وأن الدولار والين والجنيه الاسترليني واليورو، من الضعف والهشاشة بمكان بحيث تحتاج هي الأخرى إلى كثير من الدعم والإسناد، مثلاً، من الليرة اللبنانية والروبية والروبل والبيزو والبزيتا والتكا البنغالية. إذ أن معدلات الفشل ونسب الفساد وحجم الخسائر المالية الهائلة الجديدة إذا ما قيست بنظيرتها في تلك الدول الفاشلة والفاسدة quot;تقليدياًquot; ستبدو ضئيلة جداً ولا مجال لمقارنتها مع الدول التي quot;انضمتquot; مؤخراً لنادي الفشل والفساد الدولي ونعني بها الدول السبع الصناعية الكبرى. إذ أن quot;الناتج القومي العامquot; للفساد والخسائر والفشل يشكل أرقاماً أسطورية وخيالية خرافية لا يمكن أن quot;تحققهاquot; الدول الفاشلة تقليديا بعد مئات السنين من quot;ممارسةquot; الفشل والفساد والنهب وإفقار العباد والبلاد. وإنه بـquot;ضربةquot; فشل وفساد واحدة، وكما حدث مؤخراً، فإن الدول الفاسدة والفاشلة حديثاً تستطيع أن quot;تحققquot; ما عجزت عن تحقيقه من تسمى بالدول الفاسدة والفاشلة تقليدياً بعشرات السنين. وصار يحق لنا منذ اليوم أن نرفع الرأس، ونعتز بإنجازاتنا quot;الفشليةquot; وquot;الإفساديةquot; كمنظومة عالمثالثية، فها هي الدول الكبرى والعظمى تحاول أن تقلدنا، وتنحو نحونا في الفشل والفساد وتنافسنا فيه، وquot;ما حدا أحسن من حدا.quot; ومن اليوم لن يتجرأ أحد على وسم أحد بالفساد والفشل فقد تساوى فيها العرب والعجم، والحمد لله. ومن هنا لم يعد يحق لدول من مثل بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا أن تتهم، وتعاير دولاً أخرى بالفساد والتقصير والفشل، فـ quot;الحال من بعضوquot;، وكل في فلك يسبحون.
وأن تلك اللوائح التي كانت تصدرها الولايات المتحدة سابقاً عن الدول الفاسدة والفاشلة، ما هي إلاّ فبركة، وكذباً، وتلفيقاً وتشهيراً وتجنياً على الآخرين لا سند له على أرض الواقع. فلقد تبين أن هذه الدول الصناعية المزدهرة لا تقل فساداً وفوضوية وفشلاً وعدم ثقة وأمان بها، وباقتصادها، وسياساتها، عن الدول المذكورة أعلاه. وليس من المستغرب أن نرى، مستقبلاً، خبراء بالموز الصومالي والفول السوداني والرز الفييتنامي والسيجار الكوبي والشنكليش المنشوري، وهم يتوجهون بملابسهم الشعبية المميزة إلى قلب واشنطن وباريس ولندن لحل مشكلاتها الاقتصادية والتقليل من الآثار الناجمة عن الزلازل المالية المتعاقبة وإصلاح أمور التروستات والكارتلات والبنوك الكبرى المتعثرة. وأن يتم عقد مؤتمرات دولية دورية في رانغون وهوشي مينه وأم درمان، مثلاً، للنظر في كيفية تجاوز أزمات العالم الصناعي المتتالية. فلقد ظن العالم الرأسمالي، وتوهمنا معه، بأنه يقبع على مسافة كافية من الأمان بحيث أن اقتصادياته لن تتأثر بأية أزمة، ولن تنهار مؤسساته المرسومة بالمسطرة وببرامج الكومبيوتر والمدروسة بعناية فائقة من أساطين المال. وبات يمكن القول، أيضاً، وعلى صعيد مواز، أن جميع الدول التي طبقت وصفات صندوق النقد، والبنك الدوليين قد أصابها خلل ما، ودخلت في أتون مشاكل اقتصادية لا حصر لها وانهارت اقتصادياتها. وأن تلك الخطوات والوصفات الدولية لم تكن سوى عملية استتباع وإلحاق لتلك الدول بدائرة النظام الاقتصادي العالم، غير الآمن، واللا مستقر، مطلقاً، والذي يمكن أن يأتي على اقتصاد، كما على سيادة، تلك الدول التي تحاول الدخول فيه.
لقد أذهلت حدة الأزمة الرأسمالية العالمية الأخيرة الجميع، وجعلتهم يضربون كفاً بكف، بشيء من عدم التصديق لهول وحجم الخسائر التي تكبدها الأفراد كما المؤسسات المالية العالمية الكبرى، وأنه كان للفساد المالي والإداري والتلاعب والنهب والاحتيال دوراً كبيراً، أو ربما رئيسياً في الأزمة. كما انتاب كثير من الناس مشاعر عميقة من الإحباط واليأس وهم يرون جناية عمرهم وهي تتبخر وتذوي وتتلاشى دون أن يستطيع أي أحد أن يفعل شيئاً لوقف تلك الكارثة والمأساة الاقتصادية الكبرى، توازياً مع إفلاس أو تفليس المئات من البنوك والشركات والمؤسسات الأخطبوطية التي كانت تمثل فخر ورمز الاقتصاد الرأسمالي. إنها تمثل 11 سبتمبر مالي، كما وصفها كثيرون، لجهة تهاوي تلك الرموز والأبراج الإمبريالية وسقوطها بسرعة خيالية، بنفس السرعة التي سقط بها برجا التجارة العالمي في 11 سبتمبر الذي نفذته القاعدة.
فالدول الفاشلة، ومنذ اليوم، وحسب آخر المعايير المستجدة، هي تلك الدول التي لا تستطيع التحكم باقتصادياتها ولا إدارتها بنجاح ومسؤولية ونزاهة وحياد، وغير قادرة على أن تحمي نفسها ولا غيرها من عواقب كارثية مدمرة، وهي التي تجلب الخراب والدمار لنفسها ولغيرها، وللملايين quot;المملينةquot; من الخلق وعباد الله وتحيلهم بين طرفة عين وانتباهتها إلى مجرد بائسين منتوفين وفقراء. ولقد تبين، مؤخراً، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن تلك الدول التي كانت تطنطن بخطاب واثق وردي وزاه عن اقتصاد متين، ورفاهية وحصانة أبدية ضد الفقر والفشل والفساد، وتضع الخطط وبرامج الإنقاذ المالي والاقتصادي للدول الأخرى بقرف واستعلاء وعنجهية وتمنن وغرور زائف، وتسدي نصائحها للآخرين، هي الأخرى بحاجة ماسة وفورية لمن ينصحها ويدلها على كيفية تدبر أمورها والشفاء من عللها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المزمنة، وأن أمر تفوقها وزعامتها، برمته، لم يكن سوى تتمة لفلسفة الاستشراق العنصرية التي سادت مع الثورة الصناعية والتي لا ترى في الآخر الشرقي سوى كائناً قاصراً وفاشلاً وغير قادر على التحكم بأموره وشؤونه من غير العالم الرأسمالي. وما هي، بالمطلق، والنهاية، إلا مجرد مجموعة من الدول الفاشلة والفاسدة القاصرة الأخرى وقليلة الحيلة، وتتساوى وتتشابه في الخصائص مع غيرها من الدول الفاشلة، وهي ليست آمنة ولا مطمئنة ولا هم يحزنون. وبناء على كل ما تقدم يجب أن تتربع على عرش الفشل، وتكون متصدرة، بكل فخر واعتزاز وعدم خجل ورفع للرأس، لقمة تلك القوائم واللوائح الكاذبة التي كانت تصدرها عن دول فاسدة وفاشلة هنا وهناك، وعلى مبدأ يداوي الناس وهو عليل.
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات