(1)

عادت من جديد موجات الغناء لتضرب شواطيء حياتنا، موجات غريبة بكلماتها التي لا يمكن لمن يسمعها الا ان يسخر منها ويهز يده استهزاء، وليس رأسه طربا، كما كان يحدث مع المطربين الكبار واغانيهم المفعمة بالكلام الجميل والذوق الرفيع، وللاسف اصبح مغنو هذه الموجات في زماننا هذا يتبارون في البحث عن الكلمات السمجة وترديدها بأصرار مستخدمين مصطلحا سوقيا من المصطلحات التسعينية المريضة وهو مصطلح (الاغنية الطاكة)، فالاغنية (الطاكة) لديهم هي المليئة بالابتذالة وكلمات الشوارع الخلفية التي يتم فيها التنابز بالكلمات المبتذلة، غير آبهين بالذوق العام، كأني ارى كل واحد منهم يمسك بيده (قنينة عرق) ويتطوح بكلام السكارى، حيث ان اغانيهم امتلأت بالسباب والشتائم والالفاظ الخادشة للجلد وليس للمشاعر فقط، وصارت المرأة في اغانيهم كائنا غريبا لا يمت للانسان بصلة ما، مثل (كيس ملاكمة) يوجهون اليه لكماتهم الغاضبة، فهم يطلقون عليها اية كلمات تأتي على السنة مؤلفي الاغاني، ويخاطبون بمفردات لا تليق بها، فضلا عن انهم يعتقدون انها حبيبة، ومعنى ان هناك ضرورة للاحترام، ولاننا وعدنا القراء بفتح الملف وسوف نتناول في كل جزء مجموعة من الاغاني ونضعها على مشرحة (الضحك) لانه وحده يجعلنا نخفف من آلام ما يتملكنا من هذه الاغنيات التافهة.

سأبدأ بسيد اغاني الشتائم المغني حسام الرسام او كما اسماه صديقي الكاتب محمود موسى (حسام الشتام)، ومن الغريب ان حسام الذي يمتلك صوتا جيدا ومن الممكن الاستفادة منه في اغنيات ملتزمة وطربية، لم يشتغل صوته للجمال بل للقبح والذم والبذاءة وهذا ما يؤكد ما ذهبنا اليه من انه يجهل ما يفعل، وسوف نتصدى لاغانيه الشتائمية، وسنختار هنا واحدة من اغنياته التي هي من كلمات ضياء الميالي والتي عنوانها (ساعة السودة) والتي هي مجموعة من الشتائم التي يخجل من سماعها من يسمعها، يقول مطلعها : (وك ساعة السودة العرفتك بيها / تريد اذكرك لو جنت ناسيها)، انه يبدأ الاغنية بهكذا تخاطب اي منطق يمكن ان يقال في شخص يقول لحبيبه او لصديقه هذه الجملة المخيفة السوداء المظلمة الظالمة، انه يشتم حبيبه بقسوة لا يتحفظ فيها، وكما هو متعارف في التراث الشعبي ان (ساعة السودة) هي ساعة نحس، فهل يمكن لحبيب ان يقول لحبيبه هذا؟ وليس هذا فقط بل انه يذهب الى اكثر من هذا حين يقول (دكيت دكة النذل ما يسويها ) نعم.. يقول (نذل) وهي الاغنية الاولى في العالم التي تتضمن كلمة (نذل) ثم اية اغنية واي طرب في اغنية سوقية فيها مثل هذه الشتيمة، واي انحطاط يمكن ان تكون عليه اغنية، وربما هو لايعرف معنى كلمة (نذل) او يعتبرها رومانسية يصفق لها المستمعون، وهي تخدش الاذن قبل الدخول الى عمق النفس، ومن ثم يقول (آه امدا هذا الوكت / خلاني اني احتاج الك تاليهة) انه هنا يشتم الوقت اي الزمن الذي هو فيه، وهذا مضحك ان يكون في اغنية، وسنمر على بعض اغناي حسام الشتام في اجزاء اخرى.

اما المغني صلاح البحر فليس اقل سوء من صاحبه، بل انه يتجاوز الى الحياء فيخدشه بكلمات بذيئة لصباح الهلالي في اغنية عنوانها (ضوه الباب) ومن الحان عمر سعد، والايحاء الجنسي واضح فيها ولا يمكن ان يغفل طبعا، فهو يقول لحبيبته : ( اذا اشعل واطفي لج ضوه الباب / يعني لوحدي وكل اهلي غياب)، ولا أدل على الايحاء المبتذل من هذا، ولا اعتقد ان العرف الشعبي حتى يرتضي ان تتم المخاطبة بهذا الشكل القبيح لامرأة، فأية امرأة تقبل ان يقال لها مثل هذا الغمز واللمز، ولكي يتم ما وراء الايحاء فأن الكلام يكون اكثر وضوحا وابتذالا حين يقول (تعال لوحدك ولا تجيب حراس / تره شمات خاف تشوفك الناس / تجيني شوية وتروح / تلكه الباب مفتوح)، ما شاء الله، انه غناء كله غزل ورومانسية !!، فالمعني وقبله كاتب الكلام يرسمان صورة بذيئة تشير الى انحدار اخلاقي فاضح، وهذه الايحاءات خالية من الذوق واللياقة.

اما المغني مهند عدنان فهو يرسم لنفسه مساحة كبيرة من الغرور بكلمات لفراس الشذر والحان اسعد جميل، انه يمارس الشتم بمخاطبة اقل ما يقال عنها شوارعية، ارصفاوية، سوقية، مخاطبة سمجة جدا، فهو يقول لحبيبته : (اشدعوى كل الناس ما يعجبونك / انت محد مالي هاي عيونك ) ثم يختمها بقوله : ( انت متكلي اشصرت / هسه عاد اشلونك)، وهذا الكلمات لاتقال الا بأنعدام الذوق وقلة الحياء، تقال في شوارع الابتذال الخلفية، هل يمكن ان يخاطب رجل امرأة بجملة (هسه عاد شلونك) بما فيها من ميوعة وانتقاص للكرامة، ولا اعرف هل قال المغني او المؤلف لاحد سواء كان رجلا ام امرأة (هسه عاد اشلونك) وابتسم لهما، انه خذلان للنفس، انتهاك لحق انساني، سباب علني فاجر، وهذه الكلمات لا يمكن ان تسمع من عاقل كامل، ومتزن !!.

ومن غرائب الكلمات التي يغنيها المغنون ويبدو انهم لايعرفون معانيها او لم يتوقفوا ازاءها، فهناك اغنية للمغني نزار الخالد، من كلمات حيدر كريم الساعدي والحان الخالد ذاته، مطلعها كلمات متقاطعة : (خليني اشوفك مرة قبل ما اموت / اشلون اعوفك، لحظة العمر ويفوت)، انه شيء لايشبه شيئا، مجرد تصفيط حكي، والطريف في هذه الاغنية انه يقول ( خليني اشمك / بين الجفن والعين) و لا اعرف اين هذا المكان على خارطة الوجه، وهل من الممكن ان يستوعب المكان (خشم) الخالد ليجري عملية الشم؟ !!، انه والشاعر جاءا بما لم يصل اليه العلم بعد، اكتشفا المنطقة التي ما بين الجفن والعين، كما هناك شيء طريف اخر في الاغنية حين يقول (عمري بدونك / صحرة وظلام وليل) ارجو تفسير هذا؟!!.

يتبع...

عبد الجبار العتابي