( 1 )
مع انهيار المشروع، النهضوي، التنويري، في الوطن العربي، في الثلث الأخير من القرن العشرين، برز سؤال ملح، عن علاقة الداخل العربي، بالخارج الدولي، وكان ذلك السؤال يزداد إلحاحاً، مع كل يوم، في أعقاب أحداث مريرة توالت على الأمة.. حتى بات يطغى على ما سواه من الأسئلة.. بل نكاد نقول، في اطمئنان، أن ذلك السؤال، بات هو المعيار، للتقييم، هجوماً، أو دفاعاً... وهبط البعض في التعاطي مع هذه القضية إلى مهاترات، واتهامات، وشتائم، وصلت في بعض الأحيان، إلى حد القرار بالتصفية، وإهدار الدم، والحكم بالخيانة، حتى، بتنا، في واقع موضوعي، يستهلك قدراته، وإمكانياته في صراعات داخلية، لا تنتهي... وما زاد في الطين، بلة..أن المسألة، لم تقتصر على الطبقة السياسية، في الوطن العربي، سواء كانت حاكمة، أو معارضة، وإنما نزل فيها، هؤلاء، وأولئك، إلى الشارع العربي، تفتيتاً، وفتناً، وعراك مجنون يضرب، بقوة، المفاهيم الأساسية للمجتمع العربي، من أول المواطنة، إلى آخر الهوية، ويستبدلها، بمفاهيم عن انتماءات ما قبل المواطنة، ما قبل الهوية، عن طريق نبش قبور مستحاثات، لتصنيمها من جديد... واستحضار فتن، وصراعات، مّر عليها الزمن، لزج الأجيال العربية، الحاضرة، واللاحقة، في أتونها من جديد.. حتى بات الوطن العربي، لا quot;وطنquot;، ولا quot;عربيquot;، أكثر من ذلك، فأن الأجزاء العربية، التي أرادها البعض أوطاناً، لم تعد أوطاناً، ولا يحزنون، بل باتت، نتفاً، ترتع فيها العصابات، من كل لون... ترتب على ذلك، أننا لم نعد، بمواجهة قرار عربي، على، أي، مستوى، لا قومي، ولا ما دون ذلك، لا قطري، ولا إقليمي، وإنما بات الوطن العربي، من أقصاه إلى أقصاه، ساحة، تتنازع عليها، وتتصارع قوى إقليمية، ودولية، لن تتردد بإشعال حروب عالمية، لتكبير حصصها في أرضنا، وثرواتنا، والسيطرة على القرار، والثروة والوجود... والتفاصيل أكبر، وأكثر، من أن تحصى، أو، أن يحيط بها هذا الحديث، بل أن تلك التفاصيل، باتت جزءا لا يتجزأ من الأسلحة في المعركة الدائرة، على العقل العربي ن لتشتيته في الاتجاهات كافة، عله يدخل، في تلك المتاهات المتشابكة، ويستنقع فيها.
( 2 )
وإذا كانت المسألة معقدة إلى هذا الحد، وهي معقدة، فعلاً، إلى ماهو أبعد من ذلك... فإننا، هنا، لسنا في وارد الغوص في أحداث الماضي، أو تفاصيل الحاضر، وإنما ندعو، فقط، إلى لحظة تأمل، ومراجعة، وتبصر، لرؤية هذا الواقع العربي موضوعياً، رؤية بانورامية، ومن ثم إطلاق صافرة الانطلاق، للخروج من المأزق، الذي طال أكثر مما ينبغي.. وبالتالي، فإن الحديث موجه، تحديداً، وبالتخصيص، إلى الجيل العربي الجديد.. الذي يتعرض لمحاولات متنوعة، متعددة، متشعبة، للقضاء على ذاكرته، أو كما قال كيسنجر: يكف عن البحث في الأسباب، وفي ما جرى، فلا يبحث في المخططات الاستعمارية، ولا في مؤامرة سايكس ndash; بيكو، ولا في مشكلة وعد بلفور، ويتعامل مع الواقع كما هو، ففلسطين ليست إلا حارة ملحقة بدولة إسرائيل... وان شركات النفط تتكرم علينا باستخراج النفط، وتحديث الآبار.. وإلى آخره... فهذا كله،حصل،وانتهى،والحديث فيه مضيعة للوقت،وهذا كله بات من الماضي.. المهم أن ينخرط الجميع، في الصراعات، والفتن المفتعلة، في الواقع...والأهم،الاعتراف بالجرائم التي وقعت على الأمة، والتعامل معها كواقع موضوعي معترف به..فالتجزئة، واقع لا ينكره غير الواهمين، ودولة إسرائيل، واقع لا ينكره، إلا الحالمين بالسراب، وأنظمة الاستبداد، قدر، لا يقاومه إلا الجهلة الذين لايدركون تأبيد تلك الأنظمة،وطبيعة الدعم الخارجي الذي تتمتع به، و...
إلى الجيل العربي الجديد، نقول : إننا نقدر، ما يتعرض له هذا الجيل، من قصف إعلامي، كثيف، ونقر، أننا كجيل راحل، نتحمل جزء كبير من المسؤولية، ونعترف، بأننا جيل معطوب، فقد المقدرة على النصر، فانكفأ، إلى اللطم، وجلد الذات، وظن، أنه عندما يخرج من جلده.. تحل مشاكله،وعندما انهزم، لم يعرف كيف يعود إلى جلده، ولا كيف يعيش بدونه، وأنا، هنا، لن أبرر لجيلنا هزائمه، بالحديث عن مرارة المعارك، والظروف المعقدة، التي وجد نفسه، فيها.. فقط، أريد القول : أنه، آن الأوان، للجيل العربي الجديد، أن يمسك بالدفة، ويوجهها، بالاتجاه المعاكس،حيث يتحول الاتجاه، من الانحدار باتجاه الهاوية، إلى الصعود، باتجاه النهضة، والتنوير... !
أما، فيما يتعلق، بموضوع حديثنا، عن العلاقة بين الداخل، والخارج، فإن الرؤيا أمام جيلنا، بدءاً من منتصف القرن المنصرم، كانت واضحة، وبيّنة، لا لبس فيها، ولا غموض، دول يتم تركيبها على أجزاء من الوطن العربي، ودول أخرى، كانت ما تزال قيد التركيب، على يد جيوش استعمارية، في الأجزاء الأخرى، وشراكة استعمارية، صهيونية مع الدول التي تم تركيبها لتركيب دولة صهيونية في فلسطين.. وبالتالي، فإن المعادلة، كانت واضحة، كما يلي : جيوش استعمارية + أنظمة حاكمة، وقوى مرتبطة بها + حركة صهيونية + قوى هيمنة دولية...، بمواجهة، فصائل النهوض، والتنوير، في الوطن العربي..
وقد كانت تلك المعادلة، شديدة الوضوح، للشعب العربي، رغم، أن أكثر من 90% منه، كانوا في حالة، من الأمية.. لقد أدرك الشعب العربي، تلك المعادلة، على السجية.. وبالتالي،فقد أفرزت، تلك المعادلة، تياراً شعبياً عربياً، هادراً، بين المحيط، والخليج، شكل رعباً حقيقياً، ولو إلى حين، لكل طرف، من أطراف، حد المعادلة الأول،المعادي للأمة، ولهم جميعاً، على حد سواء.. وبالتالي، فإن الفرز، في الشارع العربي، كان تاماً، والحدود الفاصلة، بين حملة مشاعل مشروع النهوض، والتنوير، في الأمة، وبين معسكر الأعداء، واضحة، وجلية، ومن حيث النتيجة، فإن المعادلة كانت : جيوش استعمارية مباشرة + أنظمة تابعة لها، بمواجهة مشروع الأمة، في النهوض، والتنوير... فالمشكلة،كانت في غاية الوضوح...ووسائل المواجهة،كذلك.......
( 3 )
المشكلة، أن المعادلة، الآن، أمام الجيل العربي، الجديد، ليست، بالوضوح، ذاته، فالمشكلة، باتت شديدة التعقيد، والخطوط، والحدود، بين الأطراف، باتت متداخلة،والرؤيا شبه معدومة،بسبب الصفقات السرية،التي تناقض،كل مايبدو على السطح، وبالتالي،لم يعد حل المشكلة بسيطاً.. ففي الوطن العربي :
أنظمة تقليدية،متطرفة، ومرتبطة بالخارج،ومع ذلك، تتهم المعارضات، في دولها، أنها، إما متطرفة، وإما متغربة عن قيم مجتمعها..ومرتبطة بالخارج....
وأنظمة، أنتجتها، ما سمي، quot; ثورات quot; وتتهم المعارضات في دولها بذات التهم، وأنها تستقوي بالخارج.رغم أنها انقلبت على مشاريع الثورات التي جاءت بها إلى السلطة اعتمادا على صفقات مع الخارج.....
وهناك أنظمة، تقيم علاقات علنية، مع دولة quot; إسرائيل quot;، وأخرى تقيم علاقات، سرية، معها، وثالثة، تسعى إلى مثل تلك العلاقات، وهي، في الوقت ذاته، توجه للمعارضات، داخل بلدانها، ذات التهمة، وتتهمها، أنها تستقوي بالخارج، عليها. أي تتهمها، بما، هي، فيه....
وهناك معارضات متنوعة،في الأجزاء العربية، مختلفة التوجيهات، حول علاقاتها، بالداخل، والخارج، وتتهم الأنظمة، في بلدانها، أنها،هي،من يستقوي بالخارج، ومرتبطة بمخططات خارجية على تنوعها...
وبالتالي، لم تعد المشكلة، بسيطة، واضحة،كما كانت واضحة أمام جيلنا، ولم يعد حلها، بسيط، وواضح..إنها تحتاج، الآن، إلى عيني زرقاء اليمامة... بصراً، وبصيرة، لتحديد، من، مع، من، ومن، ضد، من، فما هي حقيقة الأمر...؟!
دعونا نقوم، بمحاولة توصيف موضوعي، للحالة الراهنة، في الوطن العربي.
أولاً : إن المعارضات، في الوطن العربي، على تنوعها،بين المحيط، والخليج، في حالة من الضعف، والتشتت، بفعل عوامل عديدة، ذاتية، وموضوعية... داخلية، وخارجية، لا مجال، للدخول في أسبابها، وتداعياتها، لأن ذلك يطول شرحه.وبالتالي،فإن، أوضاع المعارضات العربية، لايسر صديق، ولا يقلق عدو،وهي، على وضعها الراهن، غير قادرة على تنفيذ برامجها، وغير صالحة، في الوقت ذاته، على تنفيذ مخططات الخارج، وبالتالي، لم، و لن يفكر باعتمادها، لتنفيذ مخططاته.... حتى لو أرادت بعض فصائلها،ذلك.....
ثانياً : إن الأمر، والنهي، في الوطن العربي، الآن، هو للأنظمة الحاكمة، وأجهزتها الأمنية المتطورة، وللقوات الأجنبية المحتلة في الأراضي العربية...
ثالثاً : إذا كان الاتهام، متاحاً، لمن يشاء، ضد من يشاء، فإن الواقع الموضوعي، في الوطن العربي، ينبئ، بوضوح شديد، أن قوى الهيمنة الخارجية،السابقة،المتمثلة، بجيوش الاستعمار القديم، واللاحقة، المتمثلة، بالإمبريالية،وأجهزتها، وشركاتها المتعددة الجنسيات....، قد اختارت، سابقا، ومازالت تختار، الاعتماد على الأنظمة القائمة في الوطن العربي، لتحقيق مخططاتها، وأن علاقاتها، ببعض المعارضات العربية، مجرد ديكور، أمام مجتمعاتها المدنية،من جهة، ولابتزاز الأنظمة الحاكمة، لمزيد من الرضوخ...وتحسين السلوك..... لا أكثر من ذلك، ولا أقل..
( 4 )
لعل هذا المدخل، إلى صلب الموضوع، قد طال أكثر مما ينبغي، لكنني لا أعتذر عن ذلك، بل أعتقد، أن ذلك، كان ضرورياً، لبناء الموقف من المعارضات، والأنظمة في الوطن العربي، على أسس راسخة، فنحن سنبتعد عن منطق المؤامرة، والتخمين، وسنعتمد الأسباب الموضوعية، والذاتية التي تؤدي إلى نتائج موضوعية، وذاتية.. بغض النظر عن تفاصيل الارتباطات السرية، والمؤامرات التي لا ننكرها، لكننا لا ندعي معرفتها، وبالتالي، لا يمكن البناء المعلوم، على أسس مجهولة..
لهذا، فإننا سنطرح الأسئلة الأساسية، التي تتعلق، بموضوع الداخل، والخارج، في الوطن العربي :
أولاً : ماذا يريد الخارج من الداخل العربي...؟
ماذا يريد من الأنظمة...؟.. وماذا يريد من المعارضات..؟
ثانياً : ماذا تريد الأنظمة quot; العربية quot; من الخارج..؟
ثالثاً : ماذا تريد المعارضات من الخارج...؟
في الإجابة على السؤال الأول، نقول : إن الخارج، هو، شعوب، ودول، وسلطات، وتوجهات سياسية، وثقافية، واقتصادية مختلفة، ما يعنينا،بما يخص موضوع هذا الحديث، هو الخارج الذي يخطط، ويتدخل، ويفعل، ويجند، ويقاتل، ويقتل، إذا اقتضى الأمر، لتنفيذ مخططاته، التي تخدم مصالحه، وذلك الخارج، يتمثل بسلطات دول بعينها، تسيطر على مجتمعاتها، وتحاول السيطرة على العالم، ومصادر الثروة فيه، ولتحقيق ذلك في الوطن العربي، يستخدمون، كافة الوسائل، والأدوات، والأسلحة المتاحة، لتحقيق شروط ثلاثة : مجتمعات ضعيفة، معارضات ضعيفة، أنظمة ضعيفة.. بذلك، وبذلك فقط، يكون الواقع الموضوعي،في الوطن العربي، مستباحاً للخارج، يرتع فيه كما يشاء...
في الإجابة على السؤال الثاني، نقول : أن quot; الأنظمة quot;، التي تستهدف احتكار السلطة، تعمل باتجاهين، الاتجاه الأول، هو إضعاف المجتمع، وتجريده من مؤسساته المدنية، والثقافية، فلا أحزاب، ولا جمعيات، ولا نقابات، ولا حرية رأي..ولا مواطنة.. أما الاتجاه الثاني، فيتمثل، بالبحث عن دور تؤديه،تلك الأنظمة، لخدمة مخططات الخارج، وبقدر ما تنجح في الاتجاه الأول، بقدر ما تؤهل نفسها، للعب دور مهم، في الاتجاه الثاني..
في الإجابة على السؤال الثالث نقول : أن المعارضات، في الوطن العربي، تجد نفسها، بين سندان الأنظمة المستبدة، ومطرقة قوى الهيمنة الخارجية،ووهن النسيج الاجتماعي بفعل الاستبداد المديد، فتتنوع توجهاتها، يميناً، ويساراً، وتجد نفسها، في حالة حصار مجتمعي، تم تدمير مؤسساته، وفقد اهتمامه بالشأن العام، سواء بالاستسلام، أو بالخوف، أو بالعجز، أو بفقدان الرؤية،أو بانعدام الثقة،والشعور باللاجدوى، وسط تداخل المواقف، وغياب الشفافية، وحجب المعلومات، والمعرفة..ثم تجد تلك المعارضات، نفسها، في حالة حصار، من قبل أجهزة السلطات، التي تضعها أمام خيارين، إما القمع، والتصفية، وإما الالتحاق بأجهزة الأنظمة.. ثم تجد تلك المعارضات، نفسها، في حالة حصار، من قبل قوى الهيمنة الخارجية، التي تسعى، إلى أن تبقى تلك المعارضات في حالة من الضعف، والعجز، التي لا تؤهلها، تشكيل، أي، خطر جدي، على الأنظمة المؤهلة،وحدها، لخدمة مصالح الخارج، وإن كان ذلك الخارج، يحاول أن يلعب ورقة المعارضات، لابتزاز الأنظمة، للرضوخ أكثر،أو لتحسين السلوك، أو لتشويه سمعة المعارضات، بإظهارها، وكأنها، كالأنظمة، مستعدة لتقديم الخدمات للخارج.. فتفقد حاضنتها المجتمعية، وتتفرق بها السبل...فيبدو المشهد، وكأن المعارضات، تتنافس مع الأنظمة الاستبدادية، لكسب ود الخارج، وتنفيذ مخططاته ( وكله، زي، بعض ).
باختصار شديد فإن الأنظمة في الوطن العربي، وقوى الهيمنة الخارجية، سواء باتفاق، أو بدون اتفاق، تسعى، على الاتحاد والإنفراد، لإضعاف المجتمع العربي، ومؤسساته المدنية، والثقافية، والسياسية، والاجتماعية، لأن ذلك، يشكل مصلحة مشتركة، بين الأنظمة الاستبدادية، والخارج المتحكم بقراراتها.....
( 5 )
للانتقال، بهذا الحديث، من التجريد، إلى الواقع الموضوعي، دعونا نختار نظاماً،ً ومعارضة، له، في احد أجزاء الوطن العربي، لا على التعيين.. وليكن، على سبيل المثال، النظام، والمعارضة في مصر، كنموذج.. ينطبق إلى هذا الحد، أو ذاك، على مجمل الأوضاع العربية...
أولاً : على صعيد النظام في مصر، ليس هناك شبهة على الإطلاق أن ذلك النظام منذ أن انقلب، على مشروع الثورة،الذي كان يعمل عليه عبد الناصر، في عام 1970، وهو يسير بركب السياسة الأمريكية، فقد أعلن رئيسه، علناً، وعلى رؤوس الأشهاد، أن 99% من أوراق اللعبة بيد دولة الولايات المتحدة الأمريكية، فوقع اتفاقية quot;كامب ديفيدquot; مع المستوطنات الصهيونية، تحت الرعاية الأمريكية، ودمر مؤسسات العدالة الاجتماعية، وفتح أبواب مصر للنهب، والهيمنة الرأسمالية، الخارجية، وطور عمليات القمع والاستبداد، لتأخذ أشكال جديدة،مع الحفاظ على الجوهر، بالحفاظ على شكلانية المؤسسات، وقمع حرية الرأي، والتعبير، وإضعاف مؤسسات المجتمع، الحزبية، والمدنية..، ومنذ عام 1981،ونائبه يسير على ذات الطريق، فتنازل عن الـ 1% التي كان قد تركها له،سلفه، للولايات المتحدة، ولم يتخلف عن، أية، مهمة، فقد واصل التطبيع مع الصهاينة، وأرسل قواته إلى حفر الباطن ضد العراق عام 1990، مع القوات الأمريكية، لضرب العراق،وفتح قناة السويس عام 2003 أمام البوارج الأمريكية، لضرب العراق ثانية، وعندما سأله أحد الصحفيين ن قبل أيام من احتلال العراق، لماذا لا يتدخل لمنع احتلال العراق، قال إن الأمر بيد الولايات المتحدة، وأنها لم تكلفه بحل الموضوع... وعلى الصعيد الداخلي، قام ذلك النظام باستكمال تصفية المنجزات الإيجابية، لمؤسسات العدالة الاجتماعية، في مصر، ولم يبقي، إلا على نظام أجهزة المخابرات، الذي مازال مسيطراً حتى الآن، كل ما في الأمر، أن المهمة، كانت تتم، تحت هدف حماية مصر، كقاعدة لحركة التحرر العربي، فباتت،منذ عام ال70 وحتى الآن، تحويل مصر، إلى قاعدة للمشاريع الأمريكية، الصهيونية، في مواجهة حركة التحرر العربية.
إذن، نحن أمام نظام حليف للولايات المتحدة الأمريكية، النظام لا ينكر ذلك، والولايات المتحدة تعلن ذلك...ولا شبهة في ذلك على الإطلاق...
ثانياً : على صعيد المعارضة، في مصر.. نلحظ تنوعاً، لطيف واسع، من الأخوان المسلمين، إلى الرفاق الشيوعيين، ومن القوميين العرب الناصريين، وغير الناصريين، إلى أصحاب الدعوات إلى الأمة المصرية، ومن الرأسماليين، إلى الاشتراكيين و هكذا...
ونحن، هنا، لن ندخل في سجالات مع أحد.. فتلك القوى تختلف بين بعضها، البعض حول موقفها من الخارج، وإن كانت تتفق، بأنها جميعاً، معارضة للنظام الاستبدادي الحاكم... فمنها، من يرفض تدخل الخارج، إطلاقاً، بل، ويرى ن أن جميع أزمات مصر، ومشكلاتها، هي من صنع ذلك الخارج...وهي لذلك،فإنها تعارض النظام، أساسا، لإنه يرهن مصر للخارج، ومن تلك المعارضة فصائل يتنوع موقفها من الخارج، فترى بعض الخارج صديقاً، وبعضه عدواً، ومن تلك المعارضة، فصائل ترفض الصلح مع quot;مستوطنات إسرائيلquot; إطلاقاً، ومنها من يوافق على السلام معها، بشروط،ومن تلك المعارضة، من يرى، بأن النظام، هو صنيعة الخارج، ومنها من يرى، أنه يمكن الاعتماد على الخارج، في تغيير النظام، ومنها من فقد الأمل، بالتغيير، ذاتياً، وبالتالي، فليأت ذلك التغيير، من أي مصدر كان، من الخارج، من القدر.. المهم أن نخلص.. ثم لكل حادث حديث...إلى آخر تلك المواقف...
دعونا نحاول الخروج من نطاق الاتهامات، والاتهامات المضادة، والمواقف المعلنة، والمواقف السرية... ومنطق المؤامرة،دعونا نغادر ذلك.. إلى النور، والمواقف الموضوعية الواضحة، التي لا لبس فيها، بين فريق هام،ومحدد، من الخارج، وفريق هام، ومحدد، من المعارضة، في الداخل المصري...لا ينكرها فريق الخارج، ولا يتنكر لها ذلك الفريق من المعارضة.
بالتحديد، وعلى سبيل الحصر، نختار من الخارج، قوة رئيسية، تسعى، للهيمنة على الوطن العربي، وبالتحديد عبر سيطرتها على الأوضاع في مصر.. فما هو موقفها، من النظام في مصر...؟ وما هو موقفها، من المعارضة في مصر..؟ وما هي الخيارات الأمريكية..؟ هل اختارت دولة الولايات المتحدة الأمريكية الوقوف إلى جانب النظام في مصر، أم اختارت،وتختار، الوقوف إلى جانب المعارضة في مصر..؟
بالتحديد، وعلى سبيل الحصر، أيضاً، نختار من الداخل المعارض، في مصر، منظمة، حقوقية، سياسية هامة، على رأسها الدكتور سعد الدين إبراهيم، فمن هو الدكتور سعد الدين إبراهيم.. إنه مواطن أمريكي من أصل مصري، يحمل الجنسية الأمريكية، ولست بحاجة، هنا، لإيراد القسم الذي أقسمه الدكتور إبراهيم عند منحه الجنسية، ولا اعتقد، أن الدكتور سعد الدين إبراهيم، يحنث بالقسم، وأنا، هنا، لا أهاجم، ولا أستنكر، ولا أتهم،فهذا خياره، إنما، فقط، أوصف الحالة الراهنة..فأقول، إن quot;مركز ابن خلدونquot; الذي يديره الدكتور سعد الدين إبراهيم، لعب دوراً هاماً، وتم اعتماده، كواحد من أهم المراكز، لتمرير ما سمي في حينه ( السلام مع إسرائيل ) ولتحويل الوطن العربي إلى أقليات يسعى المركز لتحصيل حقوقها، في تقرير مصيرها، على حساب تقرير مصير الأمة العربية.. وسعى ذلك المركز، ويسعى لتسويق السياسة الأمريكية، والدفاع عنها في المجالات كافة، وتم اعتبار ذلك المركز، من قبل المؤسسات quot;الصهيوأمريكيةquot; منذ منتصف الثمانينات، من القرن المنصرم، كأحد أهم المراكز المعتمدة في العالم، للبحث عن ما أسموه في حينه : ( أرض مشتركة في الشرق الأوسط ).. نحن، إذن، أمام مركز، وشخصية، ليس هناك أية شبهة في توجهاته الأمريكية..وعلاقته العضوية مع الإدارة الأمريكية.،وهو،في الوقت ذاته،يقف، موقف المعارضة من نظام مرتبط بالمصالح الأمريكية والمخططات الأمريكية،كما أسلفنا، فالفصيل المعارض،والنظام الحاكم، لهما، ذات الارتباطات الواضحة بالإدارة الأمريكية، ففي خانة، من، من الطرفين، يصب الموقف الحقيقي، للإدارة الأمريكية..؟؟!!
دعونا، نرصد موقف الإدارة الأمريكية، لأن موقفها، هو القول الفصل، في الموضوع... فقد يخطئ النظام، في مصر، في فهم المصالح الأمريكية، وقد يخطئ الدكتور سعد الدين إبراهيم، ومركز ابن خلدون، في فهم المصالح الأمريكية، لكن الإدارة الأمريكية، لا يمكن أن تخطئ، في إدراك مصالحها..
منذ أعوام قليلة، اقتادت أجهزة الأمن المصرية الدكتور سعد الدين إبراهيم، إلى السجن.. وكان على الإدارة الأمريكية أن تحدد موقفاً.. فماذا كان ذلك الموقف...؟
لقد رأت الإدارة الأمريكية، أن النظام الاستبدادي، في مصر، هو الذي يخدم مصالحها... فوقفت إلى جانبه، وسحبت تحفظها على توريث النظام، إلى الابن.. لكنها في الوقت ذاته أوعزت إلى سفيرها في القاهرة، لمرافقة مواطنها سعد الدين إبراهيم إلى السجن.. ثم التمست له العفو من النظام..وتلك كانت حدود الدعم الأمريكي، لا أكثر... ماذا يعني ذلك...؟
يعني أمراً محدداً، وكاشفا،وهو، أن الإدارة الأمريكية، رأت أن النظام الاستبدادي، في مصر،هو الذي يحقق المصالح الأمريكية، أكثر بما لا يقاس، مما يمكن أن يحققه،لها، مركز، أو شخص، ولو كان يحمل الجنسية الأمريكية، في المعارضة المصرية..ويسعى لتطبيق النموذج الأمريكي في الحكم،باختصار شديد، رأت الإدارة الأمريكية، أن نظام الحكم الاستبدادي، هو، الذي يناسب شعب مصر، وليس النموذج الأمريكي، الذي يحمله المعارض سعد الدين ابراهيم...........!!!!!!!!
الآن، إذا كان هذا، هو، خيار الإدارة الأمريكية، بين طرفين لا شبهة في هواهما الأمريكي.. لنا، أن نقدر خيار الإدارة الأمريكية بين، معارضات عربية، أسست منظوماتها الفكرية، والعقائدية على مقاومة التدخل الخارجي، والهيمنة الخارجية، وأنظمة التبعية للخارج...ودفعت أثماناً باهظة، من وراء القضبان، وعلى أجهزة التعذيب...........، وبين أنظمة تقهر شعوبها، وتكبل الحريات، وتساوم عليها، لتنفيذ ما يريده الخارج،وتحصل على حسن السلوك المطلوب.
( 6 )
لقد أردت من هذا الحديث، وأرجو أن أكون قد وفقت، أن أدعو إلى وقف تلك السجالات، التي وصلت حد الإسفاف، إلى وقف حملات التخوين، والردح..وأن نتداعى، جميعاً، في الوطن العربي، إلى الكلمة السواء، ونقول، بكل التصادق، للأنظمة، أنها لا يمكن أن تكون وطنية، وان تصمد أمام قوى هيمنة الخارج، إلا بالاستناد على مجتمع قوي في الداخل...قوي بأحزابه، ومؤسساته، وحرية مواطنيه، ونقول في الوقت ذاته، للمعارضات العربية، أنها لا يمكن أن تحقق أهداف التحرر، والديمقراطية،والعدالة، إلا بالتصادق مع أوسع قطاعات المجتمع، وبإن تحصن نفسها، بالحاضنة الشعبية.
دعونا نلخص ماأردنا قوله،بالآتي:
ضرورة اعتماد quot;الأنظمةquot; في الوطن العربي، على مجتمع قوي، بمؤسساته، ومواطنيه الذين يتمتعون بكامل حقوقهم الأساسية، كشرط لعدم المساومة، وتقديم التنازلات للهيمنة الخارجية، وشرط جوهري لنيل احترام الخارج،في الوقت ذاته.....
ضرورة اعتماد المعارضات،في الوطن العربي، على الحاضنة الشعبية كشرط لمصداقيتها،وذلك بمعالجة فيروسات نقص المناعة، التي دسها الاستبداد، والغزاة، في نسيج المجتمع، فالمجتمع هو حصنها الوحيد،الذي يعصمها، من أن تكون ورقة في مساومات الخارج، والأنظمة المستبدة.وشرط لمقدرتها على التغيير الإيجابي، والانعتاق، من الاستبداد، وشرط جوهري، لنيل احترام الخارج أيضاً.
ونحن، حقاً، وبكل التصادق، نريد أنظمة وطنية، لكنها لن تكون كذلك، إلا بتحسين سلوكها مع المجتمع العربي.. لأن تحسين سلوكها مع الخارج،انعكس، وينعكس دائماً، سوء سلوك مع الداخل العربي..
إن فهم هذه المعادلة، من جميع الأطراف في الوطن العربي، والعمل على تغيير السلوك، بالتعامل داخل المجتمع العربي، بين سائر مكونات المجتمع، والسلطات.. تهذيباً للحوار، واحتراماً للآخر، والكف عن القمع، والتوحش، والاحتكام إلى إرادة الشعب، وصندوق الاقتراع، وإطلاق الحريات العامة، والتسامح، واحترام الحق بالاختلاف.. كل ذلك هو الطريق الوحيد، للانتقال من الوضع البائس، الذي نحن فيه.. إلى مستقبل ينهض فيه المجتمع، وتنهض فيه المؤسسات، ويقوى الجميع، بقوة الجميع.. قوة مؤسسات الدولة، من قوة المجتمع.. وقوة المجتمع من قوة مؤسسات الدولة.. وهو الطريق الوحيد، لتقليل الخسائر في عملية التغيير، التي لا يمكن أن تنتظر أكثر.. من التوحش إلى الأنسنة، ومن الرعية، إلى المواطنة، في الوطن العربي..
فهل يكفي ما تقدم لفتح حوار موضوعي، بين جميع مكونات المجتمع العربي، بعيداً عن المهاترات، والاتهامات، وعبارات التخوين، والإسفاف، والقذف، والشتائم..؟
دعونا نختلف على برامج محددة، للنهوض، والتنوير، في الوطن العربي.. لا بأس، في ذلك.. دعونا نتنافس، كيف نصون المصالح الوطنية للأجزاء، وللكل العربي.. لا أكثر من ذلك، ولا أقل. بعد ذلك، وليس قبله، يستعيد الداخل العربي، أنظمة ومعارضات، موقعه، الذي يفرض الاحترام على الخارج، ويعبر عن حضارة عريقة، لم تقصر،أبداً، في منح الخارج، رسالات إنسانية بالغة الأهمية فيعيش عليها حتى الآن رغم تخلفنا.. وتقدمه...
حبيب عيسى
التعليقات