عندما حاول دعاة السلام أقناع حماس بالجنوح للسلم وإجراء مفاوضات مع إسرائيل لم يكن هؤلاء يريدون إلا تجنيب الناس ماسي الحرب لان لااحد سوف يحترق بها غير أهل غزة أنفسهم هؤلاء الذين عانوا ماعانوه من مغامرات المجاهدين وردود الإسرائيليين التي لا تقع في اغلبها إلا عليهم ولا تصيب إجمالا إلا الناس البسطاء أما الحماسيون الذين يردون هذه الدعوات فكان عذرهم أنهم يؤدون واجبا دينيا ويمارسون حقا مشروعا كفلته لهم كل الشرائع السماوية والأرضية وان هدفهم هو تحرير الأرض وصيانة العرض وهدف كهذا لايمكن لأحد من المحيطين بحماس أن يجادل عليه أو يستهين به لأنه جزء من ثقافة مستوطنة وراسخة وبالتالي كان على حماس أن تتحمل مسؤولية قراراتها ولاتحملها للآخرين وان تتقبل ظروف المنازلة مهما كانت شدتها لكن أن توجه حماس اللوم والإدانات للآخرين أو تستنكر قسوة الخصوم وشدتهم فهذا ما يثير الغرابة ويدفع للتساؤل حول جدوى هذه الإعمال الحماسية والأهداف الحقيقية لها لان أي مراقب سوف يضيف هذا التصرف الحماسي إلى واقع المنازلة وعدم تكافئها ليثبت أن وراء جهاد حماس هدف أخر غير تحرير فلسطين فهل يمكن لحماس بهذه التفجيرات المتفرقة التي يطال غالبها المدنيين الإسرائيليين وبهذه الصواريخ الرديئة دحر إسرائيل والقضاء على وجودها؟ ثم ما الذي يدفع إسرائيل إلى السكوت عن حماس وعن هجماتها الجهادية مادامت قادرة على ردها؟ هل وصل بها الحلم إلى الحد الذي يجعلها تسكت عن قتل جنودها ومدنييها؟ لاشك إن رؤية كهذه هي من الغباء بحيث لايمكن لأي احد أن يتصورها ولابد بالتالي من أن يتساءل عن مغزى وجود حماس وهل لوجودها علاقة بالقضية الفلسطينية أم هي جزء من نسق ثقافي عام لايشمل فلسطين لوحدها بل جملة العالم الإسلامي نسق يجعل الجهاد غاية ووسيلة في آن واحد وليس وسيلة وحسب أن هدف حماس هو الجهاد سواء ضد إسرائيل أو ضد غيرها وهي استنساخ لمنظمات أخرى يموج بها عالمنا الإسلامي أسلوبها القتل والتخريب وبدرجات مختلفة يحددها كل وضع رافعة شعارات جهادية تتكيف مع كل وضع فهي في العراق تقاتل المحتل الأميركي وعملائه العراقيين!

وفي الهند تقاتل الهندوس! وفي باكستان تقاتل الشيعة!وفي فلسطين تقاتل إسرائيل! وفي المغرب العربي تقاتل السياح الأجانب! وكل ذلك باسم الدين الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن طبيعة الدين الذي يقبل بكل هذا أي لابد أن يكون وراء ذلك شيء آخر يتصل بالرغبة في الشهرة والتميز فالجهاد أو الدين يمثل للشعوب العاطلة خير تبرير أو غطاء لكسلها وهؤلاء الذين يمثلون أكثر الشعوب فقرا وتخلفا لم يجدوا غير الجهاد والدين ما يمكن أن يجعلوه قضية لهم ويطلقون به طاقاتهم الحبيسة وينفسون به عن آلامهم الدفينة وهم مستعدون لفعل كل شيء وتبريره بالجهاد المهم أن يكون لفعلهم صدى إعلامي ففي أوربا يمثل اختطاف أو قتل شخص واحد هدف يدفع على التباهي لكنهم في العراق قد يحتاجون لقتل عشرات الأشخاص لكي يلفتوا إليهم الانتباه أو يؤثروا في الحكومة والرأي العام ولذلك تختلف عملياتهم تبعا لهذا المعطى ويبدوا أن حماس قد تمرست على هذا الأمر وتعاملت معه بحرفية عالية يشاطرها في ذلك حزب الله اللبناني فهم من اجل اسر أو قتل إسرائيلي واحد مستعدون لخسارة عشرات بل مئات الأشخاص فحزب الله خسر من جماهيره مئات الأشخاص لمجرد قيامه بأسر جنديين إسرائيليين وحماس قبلت بمقتل مئات الغزاويين من اجل احتفاظها بالجندي شاليت وهاهي تعيد الكرة من جديد وترفض دعاوي التهدئة ووساطات بعض الدول العربية من اجل أن تطلق صاروخا من صواريخها الصغيرة والآن وبعد أن بدا الرد الإسرائيلي مع مايحمله من شدة وقسوة طال بتأثيره المدنيين العزل بتنا نسمع أصوات اللوم والاستنكار لهذا الطرف أو ذاك لعدم منع إسرائيل من الرد أو عدم مساندة حماس مع أن حماس لم تسمع أحدا وهي تعلم علم اليقين أن الدول العربية كلها لا تملك القدرة على مواجهة إسرائيل مواجهة عسكرية مباشرة نظرا للفارق العلمي والتقني بين الطرفين فهل خطة حماس تتركز في دفع إسرائيل إلى قتل اكبر قدر ممكن من الفلسطينيين من اجل استمالة الرأي العام العالمي ودفعه للتعاطف معهم لاشك أن إستراتيجية كهذه ليست غريبة على عقلنا الزاهد بأشيائه والمبجل لأشياء الآخرين إنها فكرة حماسوية بلاشك تستحق من اجلها الإشادة فبدلا من أن نحارب اسرائل وجها لوجه وننهزم أمامها وبدلا من أن نتصالح معها ونخسر مشروعنا الجهادي يجدر بنا إيقاع إسرائيل في الفخ والضرب على وتر صبرها فتضطر للقتل وبالقتل يثور الرأي العام الإسلامي فيقتنع بالجهاديين! وبدورهم الدموي الهام وقد يتعاطف الرأي العام العالمي أيضا فتضطر إسرائيل للهرب.

باسم محمد حبيب