رسالة من معثر سوري، إلى عشيقته المشحرة، في عيد الحب quot;فالانتاينquot;، والعياذ بالله.
صرت أهرب من المناسبات والأفراح كما أهرب وأفر من جحافل الدائنين والقصابين وأصحاب البقاليات، وفرع الدوريات، وفواتير الهاتف والماء والإنترنت والكهرباء، وذلك بسبب قلة الحيلة، وضيق ذات اليد والفقر والإفلاس وتدهور الأحوال. وصارت الأعياد والأفراح والأعراس نكبات وكوارث اجتماعية تماماً مثل إعصار كاترينا، وتسونامي الذي ضرب مدينة آتشيه الإندونيسية، يضرب الناس ضرباً علىالرأس، ثم ينزل على جيوبهم ويتركها خاوية تصفر فيها الرياح. وفدت مناسبات لطقوس غريبة من اللطم والشكوى والنواح والنقار بين أحبة الأمس وأعداء اليوم الألداء. وصرت من دعاة الحياة العذرية والصوم والعفاف فلا زواج ولا طلاق ولا ولائم حفلات ولا عيادة مرضى ولا تزاور بين الناس. فلم يعد بإمكاني والله يا حبيبتي، قطعاً، أن أحبك، بعد الآن، كما كنت أفعل أيام زمان أيام العذرية والعنفوان ورخص الأسعار وتوفر أسطوانات الغاز. فقد أصبح الحب مغامرة كبرى وإبحار ضد التيار، كما صدقت نبوءة المغفور له بإذن الله نزار قباني، ومسألة معقدة جداً هذه الأيام، وبحاجة لسلسلة من المراجعات والحسابات واستشارة الخبراء والمطلقات وربـّات الحجال، وبائعي الخضار وملابس البالة، قبل الإقدام على هذه الخطوة الانتحارية التي تفجر ورائها سلسلة أخرى من النكبات تماماً كالتفجير النووي الانشطاري. وأخاف أن أعلن عن حبك، أصلاً، دون أخذ موافقة مسبقة من المخابرات، وتسديد رسوم رفاهية للحب والوصال التي أعلن عنها مؤخراً مجلس quot;الخفراءquot; وإفقار الناس، ولأن ذلك بات يستلزم استخراج براءة ذمة، وإخلاء طرف من فرع الطنابر والمحروقات ووثيقة حضور دورات مكثفة في الكازيات، ومهارات استثنائية وخبرة في التدافع والجري وراء طرطيرات الغاز. واعذريني يا حبيبتي فليس بإمكاني بعد اليوم أن أتصل بك لأن رصيدي في الموبايل لا يسمح لي بإجراء أية مكالمات إلا للمستشفيات والإسعاف وطبيب الضغط والأعصاب والأرقام المجانية الأخرى الممنوحة للفقراء، وسأكتفي بأن أعمل لك quot;رنةquot; سريعة، وأنام ملء جفوني عن فواتيرها، وبما تبقى في رصيدي، وأرجوك ألا تردي، كيلا تزيدي في معاناتي وخساراتي على أمل الاتصال بك في العام القادم، وقد أصبح لدي رصيد كاف من quot;الوحداتquot; يمكنني من إجراء مكالمة غرامية مع حبيبة العمر أبثها لواعج النفس الدفينة ودفق الشبق الحار. وبما أنني ممنوع رسمياً، ومحظـّر عليّ طبقياً من تناول الكافيار، والأسماك، وكافة الأطايب والملذات، وزيارة المطاعم والبارات والحانات وصائم طبيعياً، ومفطوم بروليتارياً عن الطيبات، سأكتفي بوجبة ثورية أخرى من المتفجرات التي تنسف quot;الكولونquot; يعني quot;حواضرquot; ومن quot;من قريبوquot;، ( قلاقل، ومكدوس، وشنكليش) في ليلة العمر هذه. كما أنني تبت والحمد لله عن المنكر والمسكرات،( ولأنني لا أملك ثمنها، أيضاً)، والتحقت بحلقات الذكر، وصرت أقوم الليل بسبب حالات الأرق والقلق من المستقبل الغامض المجهول. ولذلك فإن أعظم زجاجة أقدمها لك في هذا اليوم الأغر بدل الشمبانيا والنبيذ هي زجاجة مترعة بالدموع والمازوت الوطني الممتاز من إنتاج مصفاة حمص كي quot;تبروظيهاquot; في الفاترينا في صدر الدار، وتستذكري من خلالها أيام العز الخوالي الجميلة حين كانت طنابر المازوت التي تجرها البغال تجوب الزواريب والحارات. وسنركب معا في سرافيس الدعتور وأضمك على صدري بحرارة أقوى من حرارة الوقود النووي الذي يولده مفاعل بوشهر، وكما أضم وأعانق جرة الغاز التي صارت من أغلى الغوالي وأحب الأحباب،( واعذؤيني على فجاجتي وصراحتي)، أحملها على كتفي كطفلتي الجميلة المدللة وأنا أنظر إليها غير مصدق عيناي على هذه الهبة السماوية الرائعة.
وسأكتفي، احتفاء بهذه المناسبة ndash; المصيبة- اليوم بكأس من الزوفا، أو المتة، وخلطات الأعشاب الأخرى المجهولة، تماماً كما يفعل فقراء الهندوس والبوذيون تعبيراً عن زهد الحياة بنا، وكراهيتها واحتقارها لنا وليس احتقارنا لها. وبما أن جرزة البقدونس، والخسة قد أصبحت أغلى من التوليب والزنبق والياسمين، وأسعارها تنافس اليورو وبرنت الخام في نيكي وناسداك، فاسمحي لي بأن أقدم لك هذه الجرزة من البقدونس quot;الحلالquot;، ولقطع الصلة نهائياً مع عصر البروتين الحيواني المشبوه، وتعبيراً عن أسمى تجليات الردة السياسية والانحراف الإيديولوجي العقائدي ونهاية حقبة إعجابي بالمنظمات الشعبية ونشرات الأخبار وحلقات الشيف رمزي البرجوازية. وأعدك بالبحث الجدي، ومنذ اللحظة، عن فانوس الكاز الأثري المسجل في اليونيسكو ضمن سلسلة التراث العالمي والذي ورثته عن المرحوم جدي، أكرم الله مثواه، لإيقاده في هذه الليلة quot;الليلاءquot;، بدل الاعتماد على مزاجية وزارة الكهرباء وفواتيرها الحارقة والكاوية. ولماذا، أصلاً، كل هذه quot;البحترة quot;، وquot;البعزقةquot;، والفشخرة، والسهر على اللمبة التي تضر بالاقتصاد الوطني، أيما ضرر، وتزيدنا فقراً على فقر، وبؤساً على بؤس، وتجعلنا فرجة وملطشة، للي يسوى واللي ما يسواش.
وكل عام وأنت محشورة حشراً، يا حبيبتي الغالية، مع المعترين والمشحرين الأشقياء، فذلك أقرب للتقوى، وللفوضى الخلاقة، وحرق الأعصاب.
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات