quot;تِلْك شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثم قَرَّتْquot;..من قول للإمام علي بن أبي طالب قاله لصحابي طلب منه الاستفاضة في الحديث فأبى، بعد خطبة له قـَطـَعَ حديثه فيها ولم يكمل.
والشِقشقَةُ:شيءٌ كالرئة يُخرجها البعير من فيه إذا هاج..وقيل إنها في البعير العربي فقط!.
وشقشقتي التي لا أريد لها أن تقرّ لا أتوقف بعدها،لأني توقفت عن الكتابة واعتزلتها كاتباً ndash;بسيطاً- عن عظيم ما ألقى وما أجد من همّ عراقي يومي،ما عادت الكتابة عنه ذات جدوى، بل هي مثار سخرية -ربما- من ساسة سيقولون دعوا هذا البعير العربي في منفاه الهولندي! يشقشق من بعيد، هدراً لمزاجه ووقته،فو الذي نفوسنا بيده إن هي إلا دولة نتداولها،فلا خبر جاء ولا وحي نزل للديموقراطية، وهي دولة تتداولها الأيدي فهذه مرّة وتلك أخرى. فتلاقفوها.. تلاقفوها تلاقف الصبيان للكرة. ويا لبؤس التاريخ يعيد نفسه ،فحتى كرة القدم العراقية تلاقفتها السياسة قبل أيام!.
وهي شقشقة لا أريد لها أن تقرّ،فمستقرها قلب يقلقه هذا التواصل المعلوماتي العجيب،فعبر كل أجهزة الاتصال تأتيك الأخبار لتجد نفسك في عجز عن أي فعل يحمل حلاً.
وشقشقتي..أفزعني إليها خبر من مدينة البصرة الفيحاء ثغر العراق الباسم،المدينة التي لا تملك بلدان امكانياتها،فهي تحد ثلاث دول،وفيها ثلاثة أنهار وثلاثة مصادر للطاقة والمعادن،وتطل على البحر..مدينة تشبه معجزة أن يكون فيها رجل أعمى يعمل في تصليح الأجهزة الكهربائية منذ سنوات،بعيدا عن عماء الدولة في منحه حقه.
في هذه المدينة تتعرض طفلة لحروق بالغة..عجز أهلها عن إيجاد حلول لها.. حتى جنَّ الأب المسكين ليترك أربعة بنات أُخريات في عهدة امرأة ضعيفة لم تجد من منجدٍ بعد أن عجزت في عبور أسوار quot;مسؤولي الباطلquot;..وهذا جزء من المأساة يضاف له فصل آخر من المعاناة الإنسانية التي تؤرق القلب..هو إن البعض في العراق يمتلك قسوة عنيفة..مقززة ومرعبة..فيه انعكاس للضغط الخارجي والقمع المتعاقب..و إلا كيف تفسرون لي.. أن يقيد الأخ أخاً مريضاً بالسلاسل quot;وإن كان مجنوناًquot;.. أو أن يكسر يده ويدميه بين حين وآخر..وربما كان هو أرحم عليه من أن يكون في ملجأ لمرضى العقل.. فجميعنا نتذكر حكاية ملجأ أيتام quot; دار الحنانquot; في بغداد..التي لم تصل إليه سوى أياد quot;العدو الأميركي الغاشمquot;، وأسأل: من هو الغاشم غير الضمائر التي تهرف بما لا تعرف..ممن يحفظون القرآن ويمرون على آياته دون روح؟.
ألا (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً)..
شقشقة.. كان لي قبلها أخرى لم تُكتب في مقال بل كانت في رسائل مع أصدقاء في فضائية الفيحاء،التي عرضت في برنامج أعدّه الشاعر علي الشيال من مدينة الناصرية (مهد النبوات والحضارة) عن حال طفلين مريضين كان حلّ مشكلتهما ببضعة آلاف تبرع بها فاعل خير في أميركا- ربما يكون بعيراً عراقياً أيضاً يشقشق أمواله هدراً لإصلاح دولة الباطل!-الذي له جولة ستقرّ جفاءً في النسيان،وأما ما ينفع الناس فيمكث في الحق الذي يؤسس له دولة في بعض وسائل الإعلام العراقي الساعي أبداً لنصرة الإنسان.و لي أن أنتظر الشتيمة ممن سيغيظهم مديحي لقناة الفيحاء في عرضها المتواصل لمثل هذه القضايا،التي لا تعبأ بها الحكومة ((على مسؤوليتي الشخصية)) لأني أذكر أني اتصلت بسيدة برلمانية كانت من مستشاري رئيس الوزراء، وأخبرتها عن موعد إعادة بث البرنامج الذي عرض لقضية الطفلين المسكينين.. وربما لانشغالها لم ترّ البرنامج ،لكني اتصلت ثانية بها،وأعطيتها رقم والد الطفلين المريضين،الذي أخبرني بانها اتصلتْ به اتصالاً يتيماً، ربما، فقط ،لتقول، في تصريح صحفي quot;للفضائيات الرخيصةquot;، إنها تفقّدت عائلة أطفال مرضى هذا اليوم!!.. وإنها.. فعلت كذا وإنها أجرت كذا..
وربما سيسمع وزير خارجية فرنسا بفعلها وأفعال الحكومة (العظيمة) ليزور -كاسراً كل البروتوكولات- قرية أم هاون في الناصرية(قرية نائب لرئيس الجمهورية العراقية)..ليضيف مجداً للسياسي(متقلب الأمزجة)، وهو يستقبله في (ديوانيته) أو مُضِيفَه(بالدراجي العراقي) المُبـَّلط مسافة عشرات الكيلو مترات والممنوع من ارتياده (التلبيط والمُضِيفْ) إلا ذو حظ عظيم..
وهنا فرصة أخرى لشتمي وادعاء شقشقتي بالتجاوز هذه المرة على فرنسا العظيمة وأصدقائها في العشائر العراقية!.وبالمناسبة هذه فرصة للاعتراف بأن والدي شيخ عشيرة أيضا،لكني على إستعداد لأن أصعد دبابة -فرنسية هذه المرّة- وأنقلب عليه،ولا أأخذ مكانه ،بل أضع بديلاً عنه وزيراً فرنسياً استقال من منصبه قبل ثلاث سنوات وهو في ريعان شبابه السياسي،اعترافاً منه بخطأ أرتكبه، ليتسبب في هدر المال العام لأنه أقام في شقة ذات مساحة وسعر ربما يأنف منه-سخرية ً- أبسط سياسي عراقي.
فوزير الاقتصاد والمالية والصناعة ويدعى أيريف جيمار صرّح قبل دخوله شقته الجديدة بساعات قائلاً:quot;أعلم أني ارتكبت أخطاءً فادحةً وسوء تقدير شديد فيما يتعلق بظروف إعاشتي الرسميةquot;. استقال لأن صحفياً (من بعران فرنسا!) شقشق ولم يقرّ هدره حتى فضح هذا الوزير بمقال قال فيه ان الدولة تمنح وزيراً (بشكل قانوني بالطبع) للاقتصاد في حكومة تدعو إلى التقشف وعدم الإنفاق شقة يعادل إيجارها الشهري الحد السنوي الأدنى لأجر عامل في فرنسا.
ألا ليشقشق معي كل صحفي عراقي،ويشق جيوبه، ولتحلّ النائحة في بلاد يعادل فيها راتب نائب برلماني مضافاً اليه نفقات الدولة له ورواتب حراسه في الشهر الواحد، ما مجموع الحد الأعلى لأجر عامل عراقي لسنوات طويلة،إذا علمنا بمطالبة بعض النواب بإمتيازات جديدة ستصل براتب كل من أعضاء مجلس النواب بما يتراوح بين 20 و32مليون دينار عراقي)..
وبشقشقة حسابية بسيطة عن راتب هذا النائب الذي تصرف له الدولة ولحراسه و عن تنقلاته أكثر من 50 مليون دينار في أقل تقدير.وبالمقارنة مع راتب عامل يتقاضى 150 ألف دينار شهرياً،سنكتشف حجم الكارثة الإنسانية،التي أترك للقارئ اللبيب شقشقة القول عنها.. ولكن مهلاً..فحديثنا كان عن راتب نائب برلماني بسيط،وليس وزيراً أو نائباً لرئيس الجمهورية.
علي شايع
التعليقات