تتوجه أنظار العالم الآن نحو زيمبابوي ورئيسها روبرت موغابي اليساري الثوري السابق الذي يرفض أن يشيخ أو أن يتعقل ويتآنسن وهو في الرابعة والثمانين من العمر،موغابي تملص ثم أصرّ على انتخابات الرئاسة وهو يوجه زمر عصاباته للفتك بالمعارضين وزعماء المعارضة،في الوقت الذي تعاني منه زيمبابوي وشعبها وهي البلد الغني ابسط أنواع الخدمات ومتطلبات المعيشة الإنسانية،تحت حكمه الثقيل المتخلف انهار الاقتصاد القوي الذي أسسه المزارعون البيض بعد أن قامت عصابات الثوريين المتقاعدين بالاستيلاء على المزارع والحقول المنتجة،وتحت حكمه السيئ الفاسد تفشت البطالة لتكون نسبتها اكثر من 80%،وفرغت الأسواق من السلع اليومية الاستهلاكية بسبب مشكلة التضخم الاقتصادي التي فاقت النسبة المئوية وسقطت العملة الوطنية،فيما يستمر وهو في الثمانينات من العمر في إلقاء الخطب الرنانة التافهة وهو يرتدي قبعة تحمل صورته وكذلك بدلات مزخرفة الألوان تزينها عدة صور أخرى له،وحين يتساءل المرء ما الذي يريده هذا الثوري المخرف من شعبه والعالم أجمع حينما يصر على التمسك بسلطته حتى النهاية حيث يقول إن الله هو من نصبني رئيسا للبلاد وسوف لن يعزلني أحدا سوى الله نفسه،الجواب هو أن يتحاشى المحاكم التي سوف يتم تأسيسها لمحاكمته وزمرته الطاغية عما فعلوه في زيمبابوي حينما يسقط وتتبخر زعامته وهوسه وبهلوانيات خطاباته المثيرة للشفقة وهو في أراذل العمر.

وأمام ما يجري في زيمبابوي تفكر الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكذلك استراليا بفرض عقوبات اقتصادية على موغابي وحكومته،متناسية حكومات هذه الدول ماجرى للعراق والعراقيين على الخصوص اثر فرض عقوبات اقتصادية مماثلة على صدام المشنوق وزمرة طغيانه الحاكمة،فالعقوبات الاقتصادية التي فرضت على صدام كانت نتائجها الكارثية المأساوية واضحة على الشعب العراقي وليس على ساجدة طلفاح أو رغودة أرملة حسين كامل،العقوبات أسست ثقافة جوع مستديم لدى بعض العراقيين فمهما اغتنوا وأينما ذهبوا وعاشوا هم في شعور دائم بالجوع إلى كل شيء،وهذا أدى إلى إحياء ثقافة النهب والفرهود،ففي الأمس فقط أعادت الأردن حوالي ثلاثة آلاف قطعة أثرية من ضمن خمسة عشر ألف قطعة أثرية مسروقة من العراق ضبطت مع مواطنين عراقيين من قبل السلطات الأردنية.

فكرة العقوبات الاقتصادية مطروحة الآن أيضا لمعاقبة سوريا وإيران،ولا أعرف هل هناك مستشارين لدى الدول الغربية تهمهم إنسانية الشعوب ومصالحها، لم لا تتعلم الدول الغربية درس صدام والعراق،فالحكومات الديكتاتورية تتمرقص على شعوبها وتهلل للعقوبات الاقتصادية التي تصب في خانة الإيديولوجيات المتعصبة التي ُترسخ نظرية كراهية الغرب للشعوب (الثورية) المناضلة والمستضعفة،وكلما ازدادت العقوبات الاقتصادية وفرزت نتائجها السلبية على تلك المجتمعات تمسك الدونكيشوتيون بخطابهم الممجوج والوضيع والممل وطال أمد حكمهم التعسفي المؤذي للبشر والحياة.

لابد هنالك من حلول أخرى غير العقوبات الاقتصادية،فالمراهنة على إسقاط نظام موغابي أو بشار الأسد أو نظام ولاية الفقيه المتطرف الاستفزازي في إيران عبر فرض الجوع والهوان وهدر الكرامة الإنسانية وإشاعة البغاء وثقافة العوز لا تؤدي بتلك الشعوب سوى إلى الانحطاط والراديكالية واللجوء إلى أحضان الغيبيات وخرافات الأديان وكراهية الغرب وحكوماته.

واصف شنون