المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة في شرق المتوسط هي رسالة تحذير واضحة و باللغة العسكرية الفصحى لمن يريد أن يعرف حقيقة النوايا العسكرية الإسرائيلية، لأن إسرائيل في كل هجماتها التي لا تختار لها إلا شهر حزيران / يونيو لأسباب لا نعلمها!

لم تتعود أبدا أن توجه رسائل تحذيرية مسبقة، بل على العكس تنتهز كل الفرص المتاحة لإظهار نفسها بمظهر الضحية المسكين التي تهم السواطير العربية المحيطة بها بتقطيعها و إلقائها في البحر!!

ذلك ما فعلته إسرائيل تماما في الخامس من حزيران / يونيو عام 1967 عندما إستدرجت نظام عبد الناصر لإظهار عنترياته و إعلانه إغلاق مضيق العقبة بعد سحب قوات الطواريء الدولية من سيناء و تمهيد ساحة و ميدان المعركة بالمجان لصالح الخطة العسكرية الإسرائيلية و التي كانت إعادة تجميلية و منقحة لنفس خطة إجتياح سيناء في نوفمبر 1956!!، و بدأ الطيران الإسرائيلي بالضربة الأولى التي كانت تكسيحية بالكامل أخرجت سلاح الجو العربي من المعركة ليصفى لها الجو و تحتل الباقي من فلسطين مع صحراء سيناء و هضبة الجولان و الضفة الغربية و مزارع شبعا و بعض الجزر الأخرى في شمال البحر الأحمر، ثم جرت مياه عديدة تحت كل الجسور و حدثت المفاجأة الستراتيجية الكبرى في حرب أكتوبر عام 1973 و التي فاجأت الإسرائيليين بالكامل و كانت تلك المرة الأولى و الأخيرة إذ تمكنت إسرائيل في نهاية الأمر من قلب النتيجة و تغيير الموازين بعد ثغرة الدفرسوار الرهيبة التي أدت لعمليات فك إشتباكات عسكرية و سياسية إنتهت بالمبادرة الشهيرة للرئيس الراحل أنور السادات و ما أعقبها من إتفاقيات كامب ديفيد التي رسمت نهاية لحقبة طويلة من الصراع العسكري المصري / الإسرائيلي فقد كانت حرب أكتوبر فعلا آخر الحروب على الجبهة المصرية كما قال السادات وقتذاك، و لعل الطيران الإسرائيلي لم يقفل ملفات مغامراته أو يحاول التخفيف منها، ففي أعقاب حصول العراق تحت حكم نظامه السابق على المفاعل النووي الفرنسي الذي كانت الجهود منصبة على إنشائه منذ عام 1972 تحديدا بعد زيارة صدام حسين الشهيرة لفرنسا في ذلك العام و قيام التعاون الفرنسي / العراقي في زمن الرئيس جورج بومبيدو و حينما كان جاك شيراك رئيسا للوزراء، و حيث تعرض المفاعل للتدمير وهو في طريقه للشحن للعراق في أحد الموانيء الفرنسية، ثم جرت محاولات مخابراتية جادة لتعطيله تمثلت في إغتيال رئيس فريق البحث العالم النووي المصري د. يحيى المشد في فندق الميريديان الباريسي عام 1980، لجأ الإسرائيليون أيام حكومة ( مناحيم بيغن ) لتنفيذ الخطة ( بابل ) و قام الطيران الإسرائيلي في السابع من حزيران / يونيو 1981 بتدمير المفاعل النووي العراقي في فترة كانت الأجواء العراقية فيها مغلقة بسبب الحرب مع إيران، و توقع النظام العراقي بأن يقوم الطيران الإيراني بضرب المفاعل!! جاءت الضربة من الشرق و تدمر إلى الأبد المشروع النووي العراقي رغم الجعجعة التي أثارها النظام العراقي بعد نهاية الحرب مع إيران و تهديداته اللفظية بحرق نصف إسرائيل إلا أنه إتضح فيما بعد خواء تلك التهديدات و إن الهدف لم يكن إسرائيل أبدا بل كان الكويت!!

نعم الكويت في مخطط تآمري قديم أبرمه نظام صدام مع الإدارة الأميركية منذ عام 1980 كان ينص على المساعدة الأميركية لصدام في الحرب مع إيران مقابل أن تكون المكافأة الهيمنة على الكويت!! و هو موضوع سأتحدث عنه في مقالات قادمة ظل مخفيا خلف الأسوار حتى اللحظة و هي صفقة يمكن تسميتها بصفقة ( إيران مقابل الكويت )!!.. وهي خارجة عن سياق مقالنا الحالي، المهم أن المناورات الجوية الإسرائيلية ليست لإستعراض العضلات أبدا، فخطوط المواجهة مع النظام الإيراني قد طالت كثيرا و أكثر مما هو متوقع أو مطلوب! و مخالب إيران و أنيابها باتت مرتسمة بشكل واضح في الشرق الأوسط برمته، و التهديدات الخرافية التي يطلقها الرئيس الإيراني المهووس بأحاديث الخرافة و الأحلام لا تخدم أبدا السلام في المنطقة، و الإستحالة الستراتيجية التي يتحدث عنها النظام الإيراني في عدم قدرة إسرائيل على تدمير المنشآت النووية الإيرانية هي أمر غير دقيق، فإسرائيل في البداية و النهاية لن تقوم بأي هجوم بدون موافقة و تسهيلات تكتيكية و لوجستية من الولايات المتحدة التي تنتشر بقواعدها و أساطيلها في كل المنطقة و لا حاجة لإعادة التذكير بأسماء و مواقع تلك القواعد حتى لا يزعل البعض و يتصور أننا نستهدفهم بالقول و التلميح و التأكيد!!

و الطيران الإسرائيلي لا يحتاج أبدا لقطع آلاف الكيلومترات التي هي الفاصلة بين إسرائيل و إيران الشاسعة، فالقواعد الأميركية في العراق و الخليج العربي تفي بإنهاء الموضوع و عن طريق عملية خداع ستراتيجي إلكترونية يتم التعامل مع مختلف الأهداف الإيرانية بسلاسة!!، فالميدان العملياتي متوفر بالكامل و يميل لخدمة الخطة الإسرائيلية التي ستكون في النهاية رغبة دولية لأن الغرب قد قدم كل المحفزات و الهدايا و العطايا للنظام الإيراني دون أي إستجابة و في ظل تصريحات إستفزازية واضحة من الرئيس أحمدي نجاد الذي يبدو أنه مصمم على تدمير المعبد الإيراني على رؤوس الجميع إنتظارا لظهور المهدي ربما! حسب عقيدته و رؤاه و رؤى جماعة الحجتية التي ينتمي إليها!! فالأمر في منتهى الخطورة!

و سترد إيران بالفعل و لكن ردها سيكون في الساحتين العراقية و اللبنانية و لربما في بعض المناطق الخليجية و لكنه سيكون ردا مبتورا ليس بمستوى التهديدات و التحديات السوبرمانية المعلنة، أكرر مرة أخرى الطيران الإسرائيلي سينفذ أسهل الضربات في تاريخه و هو لن يحتاج لعمليات إرضاع جوية بل أن القواعد العراقية و الخليجية تحقق المطلوب في ظل حقيقة أن إسرائيل لا تستطيع رمي صخرة على أعدائها بدون الموافقة المسبقة من الجانب الأميركي!! سيناريو رهيب و مرعب و صيف ساخن فظيع و فتن سوداء كبيرة قادمة مالم يتحرك العقلاء و ينزعون الفتيل عن الملحمة القادمة و التي نعيش اليوم إيقاعات عدها التنازلي... و الله يستر..!.

داود البصري

[email protected]