كل المفكرين والفلاسفة الذين عبروا في التاريخ تقريباً تساءلوا عن معنى الحرية وبحثوا في جوهرها. ليس من حقي أن أنتقص من quot; حرّية quot; هؤلاء المفكرين والفلاسفة في هذا السياق، إلا أنه من واجبي الذي لا أُعفي نفسي منه على الإطلاق، أن أعترض على ما يقولون بمقدار ما تتعارض أقوالهم مع مفهوم الحرية كما في حقيقته ومثلما هو في العلوم الماركسية. أحد أنصاف الماركسيين سابقاً، من الذين ألقوا براية الماركسية في الوحول، تجشم عناء البحث في موضوع الحرية مؤخراً منطلقاً من ذاته بهدف تبرير انسحابه من الحزب الشيوعي أو عدم إنضوائه إليه بغض النظر عن أسباب ذلك، وهذا ما يطعن بالطبع بصدقيته وبموضوعية بحثه وفساده بالغائية حتى وإن أراد أن يقلّد أرخميدس قائلاً.. quot; أعطوني مكاناً أقف فيه لأزحزح لكم الأرض! quot;.
يقول هذا النصف ماركسي سابقاً، خلافاً لما هو معروف لدى الناس من أن الحرية هي الشوق التاريخي للبشرية، يقول أن لدى الإنسان ما سماه quot; فوبيا الحرية quot; لذلك تراه يأتلف مع مجاميع من quot; الدهماء quot; فيفقد حريته ليتحرر من الخوف!! أي سقم في مثل هذه الفكرة التي تنقض ذاتها؟! نتساءل عن السقم بعيداً عن الاستعلاء البورجوازي الذميم في اعتبار جماهير حزب العمال البريطاني مثلاً أو الحزب الشيوعي الفرنسي من الدهماء!! الخوف هو من قيود الحرية، فكيف للإنسان العاقل أن يقيد نفسه بالإنضواء إلى الدهماء، كما يزعم صاحبنا النصف ماركسي ليتخلص من القيد، قيد الخوف من الحرية؟! من يقيد نفسه كيما يتحرر من قيد الخوف من الحرية هو غير العاقل حكماً. السيد نصف الماركسي سابقاً أراد أن يؤكد على أنه بعد أن انسحب من الحزب الشيوعي غدا يرى الأمور على غير ما كان يرى، يراها على حقيقتها مجردة من أية معتقدات مسبقة. هذا صحيح فقط بافتراض أن حدّي المعادلة مغلقان، أي أن السيد نصف الماركسي سابقاً غدا فعلاً يرى الأمور على حقيقتها وليس على ما يفترض أنه الحقيقة دون أن يكون كذلك، وأن الطرف الآخر وهو الحزب الشيوعي في هذه الحالة لم يكن يرى الأمور على حقيقتها وعندئذٍ لا يكون الحزب حزباً شيوعياً ماركسياً في الحقيقة، والإنفصال عنه أو الخروج منه يعني في تلك الحالة فقط الخروج من أجل الحرية، وهذا لا يتفق مع رؤية كاتبنا نصف الماركسي سابقاً.
لو أن ما كتبه السيد صحيحاً وأن الإعتزال عن الجماعات البشرية، التي سمح له حسّه البورجوازي بوصفها بالدهماء، يوفر الحرية التامة للفرد فذلك يعني أن روبنسون كروزو في جزيرته المعزولة عن كل أثر للإنسان، كما في رواية ديفو، قد تعرّف على الحرية المطلقة!! ـ لنسأل السيد نصف الماركسي سابقاً.. هل تعرّف كروزو على الحرية وعلى فوبيا الحرية، كما وصف، الذي ما كان له أن يتخلص منه لانتفاء وجود الدهماء من حوله؟! بعرف صاحبنا أن كروزو تمتع بالحرية كاملة كما لم يتمتع بها أحد غيره! أما نحن فنقول أن كروزو لم يتعرف على أي معنى من معاني الحرية. لم يقم كروزو أية علاقات مع مجموعات بشرية كيما يأخذها في قياس حدود الحرية التي أخذ يتمتع بها. واجه الطبيعة بكل قساوتها دون أن يمتلك الأدوات التي تمكنه من مقاومتها والإنتصار عليها. كروزو لم يكن حرّاً بأي شكل من الأشكال حيث واجه الأشياء كما هي دون أن تعكس هذه الأشياء أية معاني أو أفكار ودون أن يرتفع فوقها بناء فوقي يضطره لأن يسمي الأشياء أو ينطق حروف أسمائها (exponent)، والحرية هي في البداية مجرد مفهوم من مفاهيم البناء الفوقي، التعاون البشري هو بنّاؤه الوحيد. عاش كروزو معزولاً يرسف بقيود الطبيعة الثقيلة الكثيرة.
لو كان اعتزال المجموعات البشرية هو شرط لتوفير الحرية الكاملة لبني البشر، لتيسر بالمقابل اعتبار الحيوانات تتمتع بالحرية الكاملة. السيد نصف الماركسي سابقاً ليس له إلا أن يعترف بأن مفهوم الحرية غائب تماماً عن عالم الحيوان. الحيوانات الشبيهة بالإنسان لم يكن لديها مفهوم للحرية قبل أن تفهم ويتفتح فجر الوعي لديها وتبدأ الإفتراق عن مملكة الحيوان على طريق الأنسنة. علامة الأنسنة الفارقة كانت المحاولات الأولى من جانب الإنسان لإنتاج حياته (sustenance) متغرّباً عن جسده أو فيزيائه الحيوانية ليتناول الأشياء خارج جسمه كالعصا والحجر يستخدمها كأدوات للإنتاج. إذّاك فقط تعرّف الحيوان المتأنسن على أول مذاق للحرية، وهو بذات الوقت أولى مرارات العبودية المتجسدة بقيد أدوات الإنتاج.
الأشياء تعرف بنقيضها كما لا تتواجد إلا بتواجد نقيضها. هذا هو قانون الوجود وهو القانون الأساسي في الديالكتيك. لا يمكن لأي باحث في جوهر الحرية أن يتجاهل هذا القانون الأساسي في الوجود، وجود الأشياء وتخلّقها. ما لا مناص من الإعتراف به هو أن أول دفق للحرية وصل الإنسان جاء مترافقاً مع القيد الأول والأبدي للعبودية ألا وهو قيد الإنتاج وأدواته. تغرّب الإنسان عن ذاته (alienation) وتناول الأشياء خارج جسمه كيلا ينقرض. يخبرنا علماء الجنس البشري (anthropologists) أن ثمة أجناس أخرى من الحيوانات الشبيهة بالإنسان إنقرضت لأنها فشلت في أن تخرج من ذاتها وتتناول الأشياء خارج جسمها كيما تنتج أسباب بقائها. quot; حرية quot; البقاء حيّاً وعدم الإنقراض، الحرية المتحققة من قهر الطبيعة بل وحتى الحرية الإجتماعية المتحققة من قهر الأعداء الطبقيين وعناصر الرجعية المعادية للتطور، كل هذه الأشكال من الحرية تتحقق فقط من خلال إثقال قيد العبودية الأبدي للإنسان وهو قيد الإنتاج بوساطة أدوات الإنتاج والإستغراق الكامل في تطوير وتحديث أدوات الإنتاج. تلك هي طريق العبودية التي لم يخترها الإنسان كسبيل وحيد للبقاء (survival) وهي ذاتها طريق الحرية حيث البقاء هو نقطة الإنطلاق نحو الحرية، وهي هي عملية الأنسنة التي تغرّبت فيها الحيوانات الشبيهة بالإنسان. وهكذا فإن من أهم حقائق الحياة على كوكب الأرض هي أن الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي تحاشى الإنقراض، أو الإنقراض المبكر ربما، فكان أن دفعته غريزته، غريزة حب البقاء، إلى تناول الأشياء خارج جسمه، العصا والحجر، ليستخدمها أدواتٍ ينتج بواسطتها حياته ويعيد إنتاجها دون إنقطاع وهو ما يمكنه من ضمان بقائه والإفلات من الإنقراض. إننا لا نكتشف من جديد الديالكتيك كقانون عام ومطلق للوجود إذ نصل في التحليل الأخير إلى حقيقة الحرية في الجوهر وهي أدوات الإنتاج التي هي نفسها حقيقة العبودية في الجوهر. وهكذا فإن الإنسان يواجه قانونا بشرياً كلي القدرة يقول.. quot; مزيداً من الحرية يعني مزيداً من العبودية quot;.
الإنتاج بمختلف أنماطه وأشكاله بما في ذلك ما يُعرّف بالإنتاج الفردي (Individual Production) يتم فقط من خلال التعاون بين الجماعات البشرية. القوى التي تشد الأفراد إلى بعضهم البعض ليحيوا حياة جماعية هي الإنتاج تحديداً وما يتطلبه من تعاون لأجل إكمال عملية الإنتاج من خلال تقسيم العمل الفردي والجماعي. لذلك يأتلف الأفراد في جماعات quot; الدهماء quot; من أجل تحقيق الحرية المتحققة في الإنتاج ولا تتحقق بغير الإنتاج والذي هو بدوره قيد عبودية أبدي. الحقيقة الهامة التي فاتت النصف ماركسي سابقاً هي أن جميع الأحزاب تتشكل أساساً كجيوش تحارب في معركة الصراع الطبقي التي تدور أساساً حول وسائل الإنتاج وأدوات الإنتاج وتطويرها أو تغييرها، هذه الأدوات التي وحدها، ووحدها فقط، تأتي بالحرية. كوادر هذه الأحزاب ليسوا من الدهماء كما وصفها النصف ماركسي سابقاً بتعال ٍممجوج، بل إنها أكثر وعياً وحرية من أولئك الذين لا ينخرطون في الأحزاب وخاصة تلك التي تخوض معارك التقدم والتغيير. إنهم ينخرطون في معركة تدور حول تطوير وتغيير أدوات الإنتاج من أجل توسيع فضاء الحرية وهو بذات الوقت رسوف أكثر في العبودية، كما يقتضي قانون الديالكتيك. البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة التي تقوم بمهمة تاريخية إنسانية تتمثل بنقل المجتمعات إلى وسائل إنتاج مختلفة تفتح الآفاق واسعة لتحديث أدوات الإنتاج وهو فقط ما يسمح بالتحرر من ثنائية الحرية/العبودية، ويمكن القول التحرر من الحرية نفسها حينما لا يكون أي لزوم لها ولم تعد حاجة اجتماعية. الانضواء إلى أحزاب البروليتاريا هو العمل من أجل إلغاء الحاجة إلى الحرية والذي يمكن تفسيره لمن لا يدركه بالحرية المطلقة.
الحقيقة أنني لا أدري فيما إذا الأحزاب الشيوعية إسماً التي ما زالت قائمة تصر حتى اليوم على أن الحزب quot; الشيوعي quot; السوفياتي كان يمثل البروليتاريا السوفياتية فيما قبل انهيار الإتحاد السوفياتي. لكنني أدري أنها كانت تعتبره حزب البروليتاريا فيما بعد إلغاء دكتاتورية البروليتاريا رسمياً من قبل الحزب quot; الشيوعي quot; السوفياتي بقرار اتخذه في مؤتمره العام الثاني والعشرين عام 1961. عصابة خروشتشوف التي استمرت تمسك بزمام الأمور في الإتحاد السوفياتي حتى انهياره أعلنت من أعلى المنابر وهو منبر المؤتمر العام للحزب الشيوعي السوفياتي الثاني والعشرين عام 1961 أنها لم تعد تمثل البروليتاريا، بل quot; الشعب كله quot; كما زعمت، ورغم ذلك ظلت الأحزاب الشيوعية في الأطراف تؤكد أن الحزب الشيوعي السوفيتي هو حزب البروليتاريا. العار الذي ما زال يجلل راية هذه الأحزاب هو أنها لم تكشف عن رأيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بشكل خاص في صدقية تمثيل الحزب quot; الشيوعي quot; السوفياتي للبروليتاريا حتى بعد أن أحجمت البروليتاريا عن تأييد هذا الحزب والدفاع عنه في مواجهته الضيقة والمحدودة جداً مع شرائح صغيرة من أعدائه غير البروليتاريين لتتم تصفيته ومنعه من كل نشاط عام. لا يفوتنا هنا أن نؤكد أن امتناع هذه الأحزاب عن التعرض لهذه المسألة الخطيرة وقبولها بالتالي بالعار والشنار هو بسبب اشتراكها الرسمي في جريمة انهيار مشروع لينين. ولذلك، كلما طرحت أسباب انهيار الإتحاد السوفياتي للبحث نراها تخرس وتطرق في الأرض خزياً. لئن كان في وسع هؤلاء quot; الشيوعيين quot; الخونة الإفلات من العقاب اليوم فلن يفلتوا من محاكمة التاريخ لهم وإصدار حكمه عليهم بالإعدام تاريخياً، وهو أقسى من الإعدام الفيزيائي الجسدي. الإنسحاب من مثل هذه الأحزاب إنما هو التمسك بقانون التطور وتغيّر الحقائق على الأرض. الإنسحاب من جماعة ضالّة هو عين الإنتصار للحرية. لكن النصف ماركسي سابقاً لم يضع الأمر على هذا الشكل وقد أكد أن الإنسحاب أو الإبتعاد عن كل جماعة، كانت ما تكون، هو انتصار للحرية. السيد نصف الماركسي سابقاً لم يرد في خاطره أن يُسْأل.. هل الإنسحاب من جماعة تناضل من أجل الحرية هو انتصار للحرية؟! لو أن السيد المعتزل للدهماء كان قد انسحب من الحزب الشيوعي العراقي إثر خيانة هذا الحزب للثورة في مطالع الستينيات من القرن الماضي وقد سمح لأن يسوقه ضابط أخرق إلى مسلخ جزّاروه من زعران البورجوازية الوضيعة وأوغادها حيث تم ذبح الآلاف من خيرة أبناء الشعب العراقي، لو كان قد انسحب أخونا النصف ماركسي إثر مجزرة شباط 1963 لصدقنا بأنه من الذين يناضلون من أجل الحرية ولا يقبل الإصطفاف مع الدهماء. لكنه انتسب لذات الحزب بعد خيانته للثورة وترك الحزب، كما يبدو، هلعاً من المرزبّة الصدامية، لكنه لم يصمت مع ذلك بل تقدم ينافق مدعياً التحرر.
كان كارل ماركس قد تحدث مراراً عن العبودية التي ترسف بقيودها البروليتاريا في النظام الرأسمالي مؤكداً أن الإنسانية لم يسبق لها في تاريخها الطويل أن عانت من مثل هذه العبودية. لكننا ونحن نتفق مع ماركس في هذا فلا بد لنا بذات الوقت من أن نخضع لقانون الديالكتيك ونعترف بأن النظام الرأسمالي قد وفّر شأواَ من الحرية لم توفره سائر الأنظمة السابقة للنظام الرأسمالي. الحرية المتحققة في الجوهر في النظام الرأسمالي هي إزاحة كل العراقيل أمام الجماهير العريضة من الناس التي كانت تحول دون اشتباكهم الواسع والمباشر مع أدوات الإنتاج. ويجب أن نؤكد في هذا المقام على أن الحرية إنما هي في الجوهر تيسير اشتباك الإنسان دون عوائق مع أدوات الإنتاج. أدوات الإنتاج هي التي توفر الحرية وهي وحدها، دون غيرها، التي تؤنسن الإنسان. الإنسان لا يقهر الطبيعة إلا بوساطة أدوات الإنتاج وهو لا يعيد إنتاج حياته ويضمن بقاءه وعدم انقراضه إلا عبر أدوات الإنتاج ؛ وما يتوجب عدم تجاهله في هذا السياق هو أن النظام الرأسمالي قد امتاز عن الأنظمة التي سبقته بتطوير أدوات الإنتاج بصورة هائلة فكانت الأساس لقيام المجتمعات العصرية الحديثة. ثم أيضاً وأيضاً يتوجب علينا ألا ننسى للحظة خضوعنا الكلّي لقانون الديالكتيك فنتحسس قيد الإنتاج وأدوات الإنتاج، هذا القيد الذي يضاعف من العبودية للإنسان كلما استغرق أكثر في تجديد وتطوير أدوات الإنتاج وفي تفعيلها أيضاً.
ما يلزم التأكيد عليه في هذا المقام هو أن كل أناشيد الحرية البلهاء التي اعتدنا سماعها منذ الطفولة وآخرها أنشودة إعتزال quot; الدهماء quot; لأخينا النصف ماركسي، وكلها تكتسي طابع الرومانسية بقصد التضليل وستر مقاصدها الدنيئة، إنما هي الأنشودة الأثيرة لدى البورجوازية الوضيعة. جوهر الحرية لدى هذه البورجوازية الوضيعة هو التحرر من قيد الإنتاج من جهة وحيازة نصيب وافر من الإنتاج من جهة أخرى، وهو ما يعني استغلال المنتجين استغلالاً يفوق الإستغلال الرأسمالي كما هو الحال في المجتمعات الإستهلاكية المعاصرة ـ الاستغلال الرأسمالي يصب أخيراً في تشغيل أوسع لقوى العمل وخلق ثروة إضافية للمجتمع بالتالي في حين استغلال الطبقة الوسطى ينتهي إلى الاستهلاك وإفقار المجتمع. مثل هذا هو خرق فاضح لقانون الديالكتيك الذي يقول أن النقيضين، الحرية والعبودية، يتناسبان دائماً طرديّاً في الشدة والإتساع. من هنا يمكن الجزم بأن المجتمعات الإستهلاكية وخاصة في البلدان الرأسمالية سابقاً ستؤول إلى الإنهيار في وقت قريب.
قانون الديالكتيك يقول بتواجد الحرية تتواجد العبودية (قيد الإنتاج) بذات المقدار وباتجاه معاكس. وجد هذا التناقض (الحرية gt;lt; العبودية) حالما مد الإنسان يده ليتناول أداة خارج جسمه وبدأ رحلة الإنسنة. بفعل التطور لا بدّ أن ينحل هذا التناقض ويتلاشى فلا يعود هناك لا حرية ولا عبودية. بشرنا آباء الشيوعية أن هذا التناقض الذي رزح تحت وطأته الإنسان منذ فجر التاريخ سينحل ويتلاشى بعد الثورة الإشتراكية وعبور برزخ الإشتراكية القصير بقيادة دولة دكتاتورية البروليتاريا إلى الشيوعية. في الشيوعية سينكسر قيد الإنتاج. ينكسر بفعل عاملين رئيسيين هما أولاً، اشتراك كل القادرين في العمل وثانياً، تطور أدوات الإنتاج. بتفعيل هذين العاملين عبر الإجراءات التحضيرية التي تقوم بها دكتاتورية البروليتاريا في عبور البرزخ الإشتراكي تصل وفرة الإنتاج حدوداً تكفي لسد حاجات كل أفراد المجتمع، من يعمل منهم ومن لا يعمل، من مختلف المواد والخدمات وإذاك ينسى الناس العمل المأجور ليستبدل بالعمل التطوعي، العمل الغريزي لتحقيق الذات وليس العمل لقاء الأجر. في مثل هذه الحالة فقط ينكسر قيد الإنتاج الذي ظل يكبّل الإنسان منذ فجر التاريخ من أجل بقاء النوع ليس إلاّ. في الشيوعية فقط لا يعود العمل في الإنتاج من أجل بقاء النوع إذ يصبح من أجل تحقيق الذات.
مع إنكسار قيد الإنتاج في الحياة الشيوعية وتلاشي ثنائية الحرية/العبودية إلى الأبد، مع كل هذا لا تنعدم بالطبع العلاقة الديالكتيكية بين الإنسان والآلة، أداة الإنتاج، هذه العلاقة التي هي فعل الأنسنة. يُرجّح أن تنحل بصورتها المعروفة منذ فجر الإنسانية لتحل محلها علاقة ديالكتيكية لا يأسرها قيد الإنتاج ؛ غير أن أحداً لا يمكنه منذ الآن رسم هذه العلاقة بكل تفاصيلها وألوانها. لعلها حينذاك تتطور في إطار الإبداع والفنون التقنية وما إلى ذلك من أنشطة إنسانية رفيعة.
لعلي بهذا الشرح لجوهر الحرية أشارك بمقدار أو بآخر في تحرير السياسيين بصورة خاصة، وممتهني العمل السياسي بصورة أخص، تحريرهم من quot; قيد quot; الحرية الذي هو نفسه قيد العبودية فيمتنعوا عن الخطابة لغواً وهذراً كي يأتوا الأشياء بأسمائها.
فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01
التعليقات