أجمعت التحاليل التي تناولت زيارة الرئيس أحمدي نجاد إلى تركيا على وصفها بالغير مثمرة والغير نافذة.هذا مع العلم أن هذه الزيارة عدا عن كونها الاولى للرئيس الإيراني لتركيا منذ توليه سدة الرئاسة، جاءت لتتوج مساعي إيرانية مكثفة للتقارب من الجانب التركي، راهن عليها النظام الايراني انطلاقاً من أهمية دور تركيا الشرق أوسطي في المرحلة القائمة ، ومن كونها عضواً فعالاً ومؤثراً في حلف شمال الأطلسي، وتربطها علاقات قوية بالولايات المتحدة واسرائيل. وعزت التقارير الواردة من الجانب التركي أسباب الفشل لمطالب إيرانية جديدة تتعلق بمواضيع تسعير واستثمار الطاقة. ولكن هل هذه هي الاسباب الحقيقية؟


والتعليقات الغربية التي راقبت سير المحادثات تشير إلى أن حكومة أردوغان تعرضت لانتقادات من قبل المجتمع الدولي أولاً بسبب الدعوة التي وجهتها لأحمدي نجاد، وضربها بالتالي بعرض الحائط كل قرارت الامم المتحدة زائد الاتحاد الاوروبي الصادرة بحق إيران والملزمة بتشديد الحصار الاقتصادي عليها ، بسبب تعنتها ورفضها لكل التحفيزات المقدمة لها، إلا أن الخاسر الأكبر من فشل هذه المباحثات تبقى الديبلوماسية الإيرانية، التي تلقت صفعة جديدة لمساعيها الحثيثة الهادفة لفك هذه العزلة الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، زائد اخفاق جهودها الرامية لاقامة نوعا من الحلف الإيراني- التركي-السوري في مواجهة المجتمع الدولي.


وبغض النظر عن الجامع المشترك بين تركيا وإيران في عداؤهما للاقليات الاتثنية ولا سيما الكردية منها، هناك اتفاقيات معقودة بينهما تغطي ميادين عدة مختلفة كالنقل، والسياحة، والبيئة، ومكافحة المخدرات، والتبادل التجارى، وصولا إلى تصدير النفط والغاز، وبالرغم من كون إيران تعتبر أكبر بلد مورد للغاز إلى تركيا بعد روسيا، تظل اليد الاميركية ضاعطة ومهيمنة وتضع أطر السياسة العامة في هذه المنطقة من الشرق الاوسط، وتؤثر في مبادرات التقارب أو التباعد بين البلدان. وبالتالي مهما تكثفت المساعي للتقارب بين تركيا وإيران ، يظل هذا التقارب متعثراً وغير قابلا للانجاز، كونه يعاكس النهج العام المعتمد من قبل المجتمع الدولي تجاه إيران، بدليل التصريحات الاميركية التي عبّرت عن استيائها وعدم رضاها عن مبادرة الانفتاح التجاري التركي على إيران، والتي قد تساهم في تغزيز موقف هذه الأخيرة أقليميا ودوليا.


وعلى ما يبدو أدركت وتقبلت تركيا هذا الموقف الاميركي الرافض ، مما انعكس برودة على نتائج المحادثات في اسطنبول. وإن تلاقت سياسة تركيا الخارجية مرحلياً مع سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية، تبقى فوارق تتعلق خاصة بالدوافع والخلفيات المحركة لهاتين السياستين. وذلك لأن اعتبارات تركيا ومحفزاتها للتعامل مع دول الجوار، تختلف عن الاهداف الاميركية، وتتعلق أكثر بالصورة التي تهدف تركيا إلى نشرها وتسويقها ليس فقط شرق أوسطيا ولكن أيضاً أوروبيا، وتتعلق بدور الوسيط أو الجسر الذي بامكانه الربط فيما بين العالمين الشرقي والغربي. وانطلاقاً من مساهمتها في المشروع الأميركي الشرق أوسطي، تهدف تركيا أيضاً لتجاوز حالة الجفاء التي ميزت أجواء علاقاتها مع الولايات المتحدة الاميركية إثر موقفها المحايد من الحرب على العراق من ناحية، كما تسعى لكسب تفهم أوروبي حقيقي لأهمية دورها الجيوسياسي ، و حتى لا تكون مجرد دولة هامشية تشكل ثقلاً إسلامياً على الاتحاد الاوروبي، في حال انضمامها اليه.


ولقد وعت جيدا إيران لطموحات تركيا هذه، وللدور المحوري والذي يعول عليه المجتمع الدولي عبرها من أجل المساهمة في حلحلة المسائل الخلافية العالقة في منطقة الشرق الاوسط، فسعت بحنكتها المعهودة لدغدغة مطامع ومصالح تركيا في العراق، ولا سيما في شماله وفي نفط منطقة كركوك بالذات. واستنتجت بعد صدور مواقف علنية للجانب التركي فيما خص منطقة كركوك وآخرها لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، حيث أعرب للرئيس جلال طالباني عن قلقه من مطالبة الأكراد بضم محافظة كركوك إلى إقليم كردستان، أنه لا بد من استغلال نقطة المطامع هذه والعمل عليها من أجل اجتذاب الطرف التركي. والذي حصل في العراق قبل وخلال وبعد إقرار قانون الانتخابات في المحافظات من قبل البرلمان العراقي هو خير دليل. لأنه ونتيجة للمواقف المتشجنجة التي سادت العلاقات بين الادارة المركزية في الإقليم، وبين الحكومة العراقية بسبب إصدار هكذا قانون اعتبره الاكراد في كركوك مجحف بحقوقهم كأكثرية في المنطقة، لم يتأخر الاكراد عن توجيه أصابع الاتهام باتجاه أنقره، معتبرين أنها تتآمر ضدهم عبر ضعطها على البرلمان العراقي من أجل تمرير البند 24 من القانون والتي تتعلق بمحافظة كركوك. ولكن الوقائع على الأرض تؤشر لمعطيات مغايرة ، إذ ليس للطرف التركي أي مونة على شرائح داخل البرلمان العراقي حتى يؤثر في صدور أي قرار، بقدر ما هو محسوس وقائم بالنسبة لإيران. لذا تعزو بعض المصادر المطلعة للجانب الايراني الدور الخفي والغير الظاهر، ولكن الأهم في كل هذه quot;الطبخةquot;. هذا مع العلم أن التحالف الكردستاني لم يخفي استياؤه من حياد الموقف الاميركي تجاه تمرير المادة 24، إذ اعتبر التزام الاميركيين موقف المتفرج من التدخلات الإيرانية الخفية بمثابة مواقف سلبية تصب في المصلحة التركية. في كل الاحوال يمكن القول أن هذا الموقف المبهم والضبابي غالبا ما تـأخذه الولايات المتحدة عندما تقف عاجزة عن إدارة الامور كما تريد وتشتهي.
والجدير بالذكر هو أن السيطرة الايرانية على العراق اصبحت أمرأً واقعاً، تتفاقم تداعياته يوماً بعد يوم، في ظل غياب الموقف الاميركي الواضح تجاهه. ضبابية أميركية ومواقف ملتبسة، تقابلها مواقف فائقة الوضوح وغنية عن التفسير للرئيس أحمدي نجاد الأخيرة، والتي عبر فيها عن نوايا الجمهورية الاسلامية التوسعية باتجاه العراق في قوله quot;بأنه يتعين على القوى الاقليمية ملء الفراغ عندما تنسحب القوات الاميركية من العراقquot;. ولكن على ما يبدو الوساطة الايرانية المفترضة لمصلحة تركيا لم تأتي بالنتائج المتوخاة، فلا التقارب الايراني التركي وصل إلي خواتيم سعيدة، ولا القانون فرض على الاكراد، وتركيا لن تستطع عبره وإلى إجل غير مسمى من تحقيق حلمها في مد سيطرتها على حقول النفط في كركوك.


مهى عون
E.mail:[email protected]