تسونامي الطقوس الطائفية التي تصاعدت في الآونة الأخيرة و التي هي في مجملها تعبير عن تصاعد صراع سياسي و سلطوي محض بهدف الإستحواذ على حصة الأسد من كعكة السلطة و إمتيازاتها في العراق و لا علاقة لها بأي إلتزام ديني أو طائفي حقيقي، تلك الطقوس و المغالاة في عرضها و تسليط الأضواء عليها هي أكثر من حالة غير طبيعية و غير متوازنة وفي هذه المرحلة بالذات حيث يهدر الدم العربي و المسلم في حروب مجنونة و حيث يستباح الإنسان المسلم سواء في العراق حيث يسقط العشرات يوميا بنيران الإرهاب المجنون أو في غزة حيث يؤخذ البريء بجريرة المسيء و حيث تحولت جثث الأطفال لمعارض صور دولية!!

أو في لبنان أو في العديد من أقطار العالم العربي و الإسلامي، و التركيز على تصاعد ظاهرة ( التطبير ) أو ضرب ( القامة ) وهي ضرب السيوف على الرؤوس إضافة لضرب السلاسل على الظهور و بقية المظاهر البدائية و المتخلفة و التي لا علاقة لها بالإسلام من بعيد أو قريب هو أكبر بكثير من حالة مرضية و سلوكية غير قويمة بل أنها إساءة كبرى و عظيمة للإسلام أولا و للمذهب الشيعي العلوي العربي النقي البعيد في جذوره و حقيقته عن تلك لأمور الخرافية و الجاهلية و الطارئة على سلوكيات أهل بيت النبوة الكرام عليهم السلام الذين أبعد الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا، فتلك السلوكيات الوافدة من ثقافات و أديان و عقائد أخرى قد إبتلى بها المذهب الشيعي كما إبتلى بها الإسلام بشكل عام وهذه الخرافات التي تحولت لطواطم مقدسة و لشعائر مذهبية لها قدسيتها و جمهورها لا أصل لها لا في الدين و لا في المذهب، فالرسول (ص) لم يلطم أو يشق الجيوب و الصدور أو يضرب على هامته الكريمة حزنا على فقدان الأعزاء و المناصرين، لقد صبر على البلوى و على إستشهاد سيدنا و عمه الكريم حمزة بن عبد المطلب ( رض ) في معركة ( أحد )، كما صبر على رحيل الأعزة و الأهل في حصار شعب أبي طالب وحيث توفي عمه و زوجته السيدة خديجة الكبرى عليها السلام وفقد إبنه إبراهيم و قال قولته الشهيرة صلوات الله و سلامه عليه ( تدمع العين و يحزن القلب و لكن لا نفعل ما يغضب الرب )، و قد صدق رسول الله، و سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) حينما خرج و أهل بيته ليطلبون الإصلاح في أمة جده رسول الله ثم تعرضوا للغدر البشع و دفعوا حياتهم ثمنا للمواقف و المباديء و رفض الظلم و الحيف و الإنحراف فإنه لا يمكن أن يسمح بأي إنحراف عن قيم العقيدة و أصول الدين، بل لم يكن الإمام يتصور مجرد تصور أن دمه الطاهر و أهل بيته الكرام سيكون مجالا للإبتزاز و للتشهير و لكل ما هو غريب و طاريء عن أصل العقيدة الإسلامية البسيطة النقية التي تحرم إيذاء النفس التي كرمها الله و تدعو للعبادة وفق أصول حضارية راقية و في أجواء إيمانية حقيقية من الخشوع و التهجد و الإرتباط بالخالق العظيم و ليس عن طريق دق الطبول و لبس الدشاديش الممزقة و حشر الجماهير في الشوارع و التمسح بالدماء في صورة بريرية مؤسفة تشوه الإسلام و أهله و تسيء للتشيع العلوي المحمدي الحقيقي و ليس ذلك التشيع الصفوي الطاريء و الغريب و المارق عن الدين و المذهب، تصورا آلاف السيوف المشرعة وهي تدق على الرؤوس و تسيل الدماء و تنشر العدوى و الأمراض عوضا عن المناظر البشعة و البربرية التي يرفضها الإسلام و يرفضها أهل بيت النبوة لكونهم أصل الإسلام و معدنه، الحسين الشهيد لا يحتاج للطم و التطبير بل هو بحاجة حقيقية لمن يسير على مبادئه الكريم و يحترم نهضته الجبارة و دمائه الطاهرة التي أريقت في ليل الغدر و الفتنة، و الحسين العظيم كوالده الإمام الكريم كجده خاتم النبيين لا يمكن أن يسمح بإنتهاك العقيدة و بتدمير الإسلام و تشويه صورته في وقت يكون فيه المسلمين أشد حاجة للتضامن و التكاتف و حقن الدماء أو إستعمالها فيما يفيد، فبدلا من أن تراق مجانا في الشوارع كان يمكن لمراجع المذهب الإفتاء بضرورة التوقف التام عن تلك الممارسات و التبرع بالدم للجرحى و المصابين في غزة و العراق و لبنان و أفغانستان و كل بقعة أرض مسلمة و كل مسلم مريض!!، و لا أدري لماذا يسكت مراجع المذهب عن تلك الطقوس التي يجيرها بعض السياسيين لأهداف مصلحية و سياسية؟ و لا أدري علام الصمت وقد إنتهى زمن الإستضعاف كما يقولون و باتت الأمور بحاجة لتنظيم حقيقي يتجاوز بكثير حالة الصمت عن ما يحدث من تجاوزات على عقيدة الشيعة أولا قبل العقيدة الإسلامية، لا ندعو لتكفير أحد و لكننا ندعو لتشذيب المذهب من العوالق و البكتيريا التي تراكمت عبر القرون، و لي في هذه المناسبة رواية أرويها للتاريخ فقط لا غير..

الإمام الخميني يمنع التطبير و يعاقب عليه.

في عام 1985 شهدت أيام عاشوراء في مدينة ( قم ) الإيرانية ووقتها أصدر المرحوم السيد الخميني قراره بمنع ممارسة التطبير ( القامة ) و كلف الحرس الثوري بمتابعة المخالفين و معاقبتهم وفعلا فقد تمرد على ذلك المنع فريق من العراقيين الملتزمين بتقليد أحد المراجع وخرجت جماهيرها للتطبير في شوارع قم صبيحة العاشر من محرم فما كان من السلطات الإيرانية إلا أن شنت حملة مطاردة كبرى في الشوارع و الحمامات تم بموجبها إعتقال العشرات من أولئك و كانت حجة الخميني وقتها بأن جبهات القتال المستعرة مع العراق تحتاج وقتها للدم و بدلا من إراقة الدماء المجانية في الشوارع فعليهم إن رغبوا بالتبرع بالدم أو المشاركة في القتال!!! و كانت حجة منطقية في تلك الظروف بعيدا عن أية إشكالات أخرى!!

و اليوم تتصاعد هذه الظواهر المؤسفة في ظل نزيف الدم العربي و المسلم، تلك الطقوس السيئة التي أدخلها البويهيون للمذهب الشيعي و طورها الصفويون فيما بعد ينبغي أن يعاد النظر فيها و أن تلغى لأنها غريبة عن مذهب أهل البيت و عن الإسلام و تشيع أجواء الفتنة فضلا عن ضررها العميم على الإسلام بشكل عام فهي بممارساتها البربرية تعكس صورة مشوهة بالكامل عن الإسلام وهي طقوس غريبة و متخلفة و عشائرية و مقيتة تشكل إهانة للإنسانية و ضربة في صميم عقيدة التوحيد الإسلامية و إساءة كبرى لثورة و كفاح سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه و أهل بيته الأطهار السلام، كفى متاجرة بدماء أهل البيت وقد آن الأوان للمراجع أن يقولوا كلمتهم النهائية و ينهون هذا الوضع المؤسف خدمة للإسلام و أهله.

داود البصري

[email protected]