قرأتُ مقالة للأستاذ الأعلامي أبراهيم الزبيدي، المنشورة يوم 6 ديسيمبر 2009 على صفحات آيلاف تحت عنوان quot; إجابات لازمة على أسئلة عراقية ملحةquot;. و رغم تقديري للكثير من أرائه وملاحظاته القيمة، وأحساسي بألمه العميق، وشعوره بالغبن والأهمال، وضياع الجهود، الا أني أعترض على بعض ما جاء في رسالته، وخاصة يأسه العميق ونفاذ صبره، وأنتقاداته الحادة للأخرين. فلتكن رسالتي موجهه له، وهو يمثل كثيرا ً من العراقيـين الذين خابت آمالهم وتبعثرت جهودهم في طريق النضال الطويل.

ان تعاونك مع المعارضة العراقية والأحتلال الأمريكي حالة وطنية صحية، لا ندم عليها، طالما ساهمتْ في تغيير الوضع السيء، الذي كان له ان يستمر لعقود طويلة قادمة تحت وطأة الدكتاتورية. بحسب قولك، انك نادم من شعر رأسك الى أخمص قدمك على تعاونك مع المعارضة العراقية قبل الأحتلال، وتبرر في نفس الوقت، تعاونك مع الأحتلال الأمريكي، ولكن الحالتين فرضتا على الواقع العراقي قسرا، وكان لا خيار في غيرهما. وما يؤلمك من مسائـِل السرقة والفساد والتقصير في الجانب العراقي، فهي موجودة عند الشريك الأمريكي، بأشكال متباينة، متناسبة مع حجمه ودوره في عملية التغيير، وأعتراضك على المحاصصة الطائفية والقومية التي رافقت التغيير هو أعتراض أي غيور على وطنه، تلك المحاصصة ألتي أرتبطت بوسيلة الوصول للسلطة، والتمسك بمغرياتها، ورغم اننا نرفضها وندين كل ظواهر الفساد والتخلف، الا انها حالات وظواهر متوقعة، تظهر مع أنهيار أي نظام، وتسود بأنعدام القانون وتستمر بسبب ضعف السلطة وشيوع الفوضى، ولا يمكن تجاوزها بسهولة ووقت قصير، كما نتصور، ففي بلد نفطي كالعراق، وافر الغنى، منقسم الى طوائف وقوميات، يحتاج العراقيون الى جهود مستمرة، لا تقل عن جهود وكفاح أزالة الدكتاتورية.

ولكي نكون فعالين ومع قوى التغيير الى الأمام ونحن مقبلون على أنتخابات نيابية، لا يمكن ان نرفض الواقع برمته، بل يجب ان ندعم كتلة معينة ونعزز دورها، ليتسنى لعناصرها الوصول الى موقع التغيير، والبرلمان العراقي. ففي الساحة العراقية، أحزاب سياسية طائفية، سنية وشيعية، وقومية وأممية واحزاب ليبرالية ديمقراطية صغيرة ووطنيون مستقلون كثيرون، فأين نحن من هذه التجمعات والقوى السياسية؟

اذا رفضنا دعم الأحزاب الطائفية والقومية لأسباب جعلت العراق في بؤس وشقاء وتركته في خراب ودمار في غمار السنين السبع الماضية، ورفضنا دعم أحزب أخرى، بأعتبار دعمهم لا يجدي نفعا ً، ولا يقدم أملا ً جديدا ً، لأنهم معوقون، أسرى أطارهم الفكري القديم، ذيولا ً لأحزاب ٍ قومية عنصرية، فلم يبق أمامنا في الساحة الا الأحزاب الليبرالية والديمقراطية الصغيرة، ولنا الأمل الكبير في نموها وتصاعد نشاطها، وما عليها وعلينا الا ان نفكر بالتحالف مع من هو أقرب الينا وأوسع تمثيلا منا، ليتسنى لنا ان نقدم أفضل الثمار للعراق بكفاءة وفاعلية متميزة عما فات.

أنتقاداتك للدكتور أياد علاوي قاسية، غير موضوعية، فالرجل سياسي، يحق له ان يفكر بتشكيلة أعلامية سياسية معينة، تفرضها عليه ظروفه المتشابكة، فحرفية الأعلام، تعجز لوحدها ان تقرر نوعية التشكيلة الأعلامية في ظروف قاسية، كوضع العراق في السنة الأولى من الأحتلال. ويبقى الدكتور أياد علاوي مع كل سلبياته وأخفاقاته، خطاً عراقياً علمانياً وسطياً يمكن توسيعه وتعميقه، أفضل من غيره من الكتل السياسية العراقية الفاعلة في الساحة.

اذا كان مسار التغيير عموما في العراق إيجابيا ً، وقطار الديمقراطية بتعثراته وهزاته، يسير على سكته الصحيحة، والناس في وعي وتطور مستمرين، كما برهنت أحداث كثيرة، فلا يصح تشبيه سوء الوضع اليوم، بسوء الوضع في زمن صدام، كما تقول في رسالتك، فهي وان كانت هذه الأوضاع جزء من ثمن الحرية إلا أنها في طريق الزوال.

أملي أن تجد في الساحة العراقية الحرة، مجموعة قريبة من همومك، تتمكن التفاعل معها، لتواصل جهودك في تعزيز مسيرة الديمقراطية، مثلما ساهمت في هدم عروش الدكتاتورية، وأملي الاّ يخيب أملك وتذهب أحلامك أدراج الرياح، فلا زال الطريق أمامنا شائكا ً وطويلا ً، وللعراق التقدم والأزدهار.


د. ثائر البياتي

[email protected]