قالت الأخبار:

quot;أكد وزير الخارجية العراقي ان الموقف العربي موحد؛ وهو رفض أي مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني، أي إن العراق يرفض ذلكquot;.

خبر آخر، أقدم منه:

quot;يسعدني أن أعرب لفخامتكم عن اصدق التهاني والتبريكات لمناسبة تجديد ولايتكم الدستورية رئيسا للجمهورية العربية السوريةquot;.من رسالة الرئيس الطالباني إلى (نظيره) الأسد.

خبران،يحق لي كمواطن عراقي، أن اعترض عليهما،بقدر تعلق كل خبر بأفق الحرية، وحقوق الإنسان، وما يرتبط بهما، في بلدين عربيين هما سوريا والسودان.

أعترض،متأملاً أن يكون إشراق المستقبل العراقي المرتجى،طريقاً للتغيير الديموقراطي في كل بلدان المعمورة.

ورغم الفارق الزمني بين الخبرين، فالخبر الأول منذ يومين،أما الخبر الثاني،فكان منذ سنتين،لا أجد فارقاً في الحسابات العربية بين اليوم والسنة.فدورة الأفلاك تدور في محور اليوم الرسمي،ولا تنتهي عنده،مثلما كل شيء يدور في فلك الدولة الأمني..ذلك الفلك الأسود.

وبالطبع فالاعتراض على الخبر الأخير يمكن تكراره ولمدة سبع سنوات،لأنها السنوات الجديدة العجاف التي سيبقى فيها (الأسد) على تلّ السلطة.

وها أقف للسنة الثانية، أمام كلمات رسالة رئيسنا العراقي،حزيناً وحاسر الأمل،مكرِّراً بعض ما كتبته وقتها،،ومتسائلاً:هل انتُخبَ (الأسد) حقا لولاية جديدة،من سبع سنوات بموجب استفتاء دستوري، وعلى الطريقة التي أسس لها ديكتاتور العراق سابقاً؟.

وقبل أن أجد جواباً عن سؤال مرعب كهذا،تختلط عليّ الأخبار فأسأل: إذا كان الرئيس العراقي وهو المهنِئ..فما الذي كان يعنيه الخبر في القول؛نظيره؟!

وأُبعدُ فكرة السؤال عن تصوري،لأن معادلها المعنوي يعني أن شيئاً لم يتغيّر في العراق،والنتيجة واحدة..نتيجة لم يترك لي غيرها صدق الخبر الذي وجدته منشوراً في صحف العراق الرسمية.

تذكرت قول الشاعر وأزداد حزني فجيعةًً بذلك الخبر:

حـتى إذا لـم يدعْ لـي صدقـه أمـلاً شَـرِقتُ بِـالدمعِ حتى كـادَ يشرَقُ بي

ولا أريد ان اطيل في المقال فالحديث عن استفتاء الديكتاتوريات،حديث كوابيس سيعيدنا -جبراً - إلى آخر استفتاء قسري أجري في العراق يوم 15-10-2002 وكانت نتيجته غير مسبوقة في تاريخ الاستفتاءات العالمية وبإجماع لا يمكن أن يحصل عليه أي رمز مقدس أو نبي مرسل، ولا حتى طوطم شعوب بدائية،فالنتيجة كانت 100%.

وأتوقف عند سنة 2002 أيضاً،وهي سنة استبشرنا قدومها بالخير بعد أن تم فيها تأسيس المحكمة الجنائية الدولية كأول محكمة تستطيع،ووفق القانون الدولي، محاكمة المتهمين بجرائم الابادة الجماعية،والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.وهي تهم تنطبق على طاغية العراق المدان ونظامه،ولا ندري لِمَ لمْ يصدر وقتها قرار بحقهم؟..فالإجراءات الدولية كلها صبت بجهة الخلاص من هذا النظام؟.سؤال طالما تداوله ما كان يعرف، أيامها،بالمعارضة العراقية.

وها هو العراق في أطوار حريته صوب التغيير الأجمل،وها أتساءل كيف لأهل السلطة الآن في بلدي العراق أن يتابعوا خبر إصدار تلك المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني..فيحتجون عليها، وأكثرهم رفع باسم فصيله وجهته الحزبية أيام إنشاء المحكمة، البرقيات، لجعل الطاغية المدان صدام حسين أول المُحاكمين فيها؟.

هل أصبحت هذه المحكمة الآن غير شرعية؟..أمْ كانتquot; منايانا و دولة آخرينا quot;،ولا ضير إذن، أن تنوخ الآن، الدكتاتورية في أي ركن من العالم؟!.

لا عتب على الحكومة العراقية، أن تسير في ركب quot;الموقف العربي الموحدquot;،فوراء الدبلوماسية ما ورائها.ولكن السؤال؛هل يتفق أهل العراق،بما وصلوا له من أمل التحرّر، أن يكون لهم موقف لا يؤيد الخلاص من طاغية؟!.

سؤال أرفعه مشفوعاً بصرخة الملايين،ممن ينتظرون فجر خلاصهم.

سؤال..سيتكرّر في عيون الملايين في السودان.. الآن..

وفي سوريا..والى خمس سنوات أخرى!..

سؤال، سنجد له الإجابات في العراق،فانتقاد رئيسٍ،أو حكومةٍ،وفي أي قضية، سيلقى رداً وبالطرق المعتبرة.وربما سيقول قائل هذا كلام مناصرين لتلك الدولة،فأقول، وشاهد قولي،إن انتقادي للرئيس الطالباني،عن برقية التهنئة تلك،نُشَرَ في صحيفة الصباح الرسمية في العاشر من الشهر السادس لسنة 2007،وأرسلتُ المقال-منشوراً- الى بريد مكتب الرئيس،لأتلقى رداً عبر البريد الإلكتروني على رسالتي.وكان الرد مفرحاً.فالرسالة وصلت!.

وأسأل الآن ماذا لو كان مثل هذا السؤال الاحتجاجي موجهاً لشخص رئيس عربي آخر،كيف سيكون الرد..وكيف ستصل الرسالة؟.

سأترك الإجابة عن هذا السؤال،لمن يعرف نفوذ الرئيس السوداني عمر البشير..ومليشيات الجنجاويد!..

وأتركها أيضا لمن يعرفوا أحوال الصحافة في سوريا، ولهم أن ينقلوا ما أصدره مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية، في تقرير نشر قبل أيام في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية،عن quot;الاعتداءات المسلحة على الصحافيين، على أيدي أجهزة أمنية سورية، ولم يقدم أي من المرتكبين إلى المحاكمةquot;. وعن quot;حالات الحبس، فقد صدرت في سورية أحكام جائرة ومسيّسة بالسجن لعامين ونصف العام، على اثني عشر كاتباً وصحافياً وناشطاً.. كذلك رفضت السلطات الإفراج عن الكاتبين السوريين ميشال كيلو ومحمود عيسىquot;. ولا تزال السلطات السورية ترفض حتى زيارة أهالي المعتقلين في سجن صيدنايا، كما ترفض فتح تحقيق مستقل عن حالات التعذيب بحق معتقلي laquo;إعلان دمشقraquo;.

و لا ضير أن أوجه رسالة جديدة لرئيسنا العراقي (الكوردي)،كمواطن عراقي محب للكورد،مُذكراً باستمرار السلطات السورية العمل بقانون الطوارئ بشكل مخالف للدساتير، ولمواثيق حقوق الإنسان الدولية. فها هو نظام دمشق يمنع ndash;وحسب تقارير المنظمات الدولية- تدريس اللغة الكوردية في مدارس الدولة ومعاهدها وجامعاتها،ومواصلاً أيضا quot;حظر النشر باللغة الكوردية والاحتفال بعيد النوروز، عيد رأس السنة الكورديةquot;.

ألا يحق لي أن أحتج كإنسان على أن ينطق أي مخلوق بلغته،وأن يكتب بها؟..

ألا يحق لي أيضا هنا أن أسأل الرئيس العراقي مجدداً،وبقدر مسؤوليته الوطنية،في الدفاع عن أي صحفي وإعلامي عراقي،أن يخبرنا عن مصير مواطنة عراقية هي الإعلامية هيفاء الحسيني،و التي اختطفتها شعبة المخابرات السورية 258،تحت مرآى شهود عيان،منذ خمسة أيام،دون أي مذكرة اعتقال،أو تهمة موجهة؟..

ولي أن احتج على حكومتي العراقية وهي تستنكر القرار الدولي بملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير.وليس لها أن تقف مع أي ظالم،مادامت تنشد الغايات الأسمى،ومادامت بعيدة عن الطغيان،فالطغاة إلى زوال، ولن يشفع لهم تراصهم ومساندتهم لبعضهم البعض.

و لي أن أعيد ما قلته في وقت سابق عن مساندة طاغية لآخر،لم يشفع له شروى نقير.

أعيد كلماتي وأنا أرى (البشير) يحشّد الملايين عنوةً،ويتلقى برقيات رؤساء عرب في المساندة. مشهد يذكرني يوم خرج الطاغية المدان (صدام حسين) ليقرأ بنفسه برقية تأييد ل((تشاوشيسكو)) ديكتاتور رومانيا،محاصراً بالتظاهرات الشعبية العارمة أمام قصره.بعد يومٍ واحدٍ من تمثيلية quot;بيعة بوخارستquot; التي جمعَ لها الشعب الروماني للإيهام بشعبيته، حيث ألقى خطابه الأخير قائلاً quot;إن رومانيا لن تشهد أي تغيير،قبل أن يثمرَ الصفصافُ أجاصاً quot;..

وأثمر الصفصاف دماً غمر شوارع بوخارست بالربيع..

وزال تشاوشيسكو.. وبقيت رومانيا تغني قصائد شاعرها الأكبر إيمينيسكو..وتجدد روائع الحب المُطلق.

وزال صدام..وبقي العراق..

وكنا نتأمل مشهد الحرية أينما حلّ بالرجاء والأمل..وربما يتأمل الآخر الآن في دول الجوار،وغيرها،مشهداً مشابهاً، لا نريد لسياسيينا الإجهاز عليه،فهو حجّتنا التي دفعنا لأجلِها الكثير، وما زلنا ندفع دماً بلون الأجاص الذي أثمرَه الصفصاف العراقي.

وسيأتي ربيع آخر..وآخر..وربما يقول (بشار) او (بشير)..لن يثمر الربيع..

قل انتظروا، فسيثمر الصفصاف أَجاصاً!.

علي شايع