خضير طاهر

كلما ألتقي بأحد أبناء العراق من المسيحيين والصابئة والزيديين وأقرأ قصص العذاب وجريمة إسقاط الجنسية عن اليهود... أشعر بالفجيعة والعار من هذا الوطن الذي لايحترم أبنائه ولايوفر لهم العدالة والكرامة، فما قيمة الوطن الذي لايحصل فيه الانسان على حقه في المساواة والعدالة والمشاركة الكاملة في الحياة السياسية على ضوء الكفاءة والنزاهة والشرف وليس المحاصصة الطائفية والقومية.

ومن المفجع حقاً ان تطبق بأسم الوطن والشعب.. جرائم التفرقة العنصرية والطائفية وتهميش قسم من المواطنيين لصالح قسم أخر... لدرجة تشعر وكأنك تعيش داخل حلبة وليس وطناً تتصارع فيها عصابات متوحشه لإفتراس السلطة والمال والهيمنة بشتى الطرق الهمجية.

تربطني علاقة صداقة بالعديد من العراقيين المسيحيين، وأقسم بالله العظيم، كلما ألتقي بأحدهم أشعر بالخجل وعذاب الضمير منهم فهؤلاء هم أصل العراق وروحه وقلبه الذين أسسوا حضارة بلاد الرافدين منذ فجر سومر وبابل وآشور، وهم الأجمل والأروع الذين ضحوا هم وأجدادهم عبر آلاف السنين وساهموا في بناء العراق والدفاع عنه بالدم، وفي النهاية ينظر لهم كأقلية يتم التصدق عليهم ببعض المقاعد في البرلمان.

صديقي عادل عراقي مسيحي ورجل أعمال وهو نموذج للمواطن العراقي المجروح من غياب العدالة في وطنه، يخبرني أنه دائما يبحث عن العراقيين لإقامة علاقات الصداقة معهم فهم أهله وتربطه بهم مشتركات لاتحصى، و رغم انه بحكم مكانته الأجتماعية يستطيع أقامة أفضل العلاقات داخل المجتمع الأمريكي ألا انه ظل وفياً لعراقيته وتجده يبحث عن وطنه الضائع لدى عراقيي المهجر، لقد شعرت بعذاب وألم حينما عبر عن مرارته قائلا: (( مع الأسف أشعر هنا في أمريكا بكامل حقوقي على العكس من العراق )) وهو مع حبه الكبير للولايات المتحدة الأمريكية ألا انه كان يتمنى لو حصل على هذه الحقوق في وطنه الأصلي العراق.

كثيرا ما أفكر ماذا لو رجع عادل الى العراق واقام عدة مشاريع أستثمارية، كيف سينظر له الناس، هل سيقولون عنه هذا عراقي عاد لخدمة وطنه، أم انهم سيرجمونه بأحكامهم الجاهزة ويقولون عنه: مسيحي... صليبي... أمريكي... وربما نجد من يحاول قتله ودخول الجنة بدمه!

ماذا لو فكر عادل ترشيح نفسه ودخول ميدان السياسة وذهب الى مدن النجف وكربلاء والانبار، وأعلن ترشحه بوصفه مواطناً عراقياً فقط.. هل سيقبلة الناس على اساس كفاءته ونزاهته أم سيقولون له: أنت مسيحي ولايحق لك الترشيح هنا في مدننا.

تصوروا مقدار الشعور بالظلم والمرارة حينما يشعر الانسان في وطنه انه يعامل معاملة من الدرجة الثانية وربما العاشرة لالشيء ألا لأنه مارس حقه الطبيعي في الأعتقاد الديني أو وجد نفسه مولودا في هذه الطائفة او تلك القومية.

من المؤلم ان العراق كنظام سياسي بعيد جدا عن مفهموم المواطنة والمساواة، والسبب هو تحكم الاعراف العشائرية والتعصب الطائفي والقومي، وطغيان الفقه الديني على وعي الناس وتصنيفه للبشر الى كافر ومؤمن، وليس الى نزيه ووطني، وغير نزيه وغير وطني، ومع عظمة معنى الوطن واشواقنا الكبيرة له.. لامفر من السؤال: ماقيمة هذا الوطن الذي لايوفر العدالة لإبنائه؟

[email protected]