ليس بالامکان التغافل أو التغاضي عن الدور السلبي الذي أداه و يؤديه الشارع العربي في مواجهة المواقف و الاحداث المهمة و الحساسة سيما المصيرية منها، کما ليس بالامکان أيضا أن نتجاهل الانتقادات الکثيرة الموجهة لهذا الشارع والتي تبالغ البعض منها في حدتها و قسوتها بالصورة التي تضع اللوم کله على عاتق الشارع العربي لأنه منقاد للسياق العام و ليس في وسعه أن يختط لنفسه أي سياق خاص يفرضه على أرض الواقع، أما البعض الآخر فيرسم صورة أخرى مختلفة بعض الشئ عن السياق الآنف عندما يتهم الشارع العربي بالجهل و التخلف و التواکلية و الخنوع و التقاعس ويرى أن الداء و المصيبة کلها تکمن في ذلك ويورد نماذج و أمثلة من التأريخ و التراث العربي لکي يؤکد صواب رأيه. وهناك أيضا ثمة من يقول أن هذا الشارع مغلوب على أمره لأنه يفتقد حاکما صالحا و عالما(أو مثقفا)رشيدا کي يساهما بشکل أو آخر في قيادته و هدايته الى طريق الرشد و الصواب، وهناك ثلة أخرى تذهب الى أن الشارع العربي هو مارد يراقب کل الذي يجري عن کثب و قد ينتفض في أية لحظة ليقلب کل الموازين و الحسابات رأسا على عقب و يحدد معادلات و حسابات جديدة تکون قلبا و قالبا في خدمة الامة العربية و أهدافها البعيدة المدى.


ونحن لسنا هنا لتخطأة أو تصويب هذا الرأي أو ذاك، رغم اننا نتفهم مجمل الخط العام للآراء المطروحة آنفا و ندرك أنها إنعکاس و تجسيد للواقع العربي بشکل عام و الذي للأسف نکاد أن نجده لا يبشر بالخير الکافي، إلا أننا مع کل ذلك نجد أنفسنا ملزمين للتمسك بأهمية و حساسية دور و موقف الشارع العربي في تحديد و رسم مسار و سياق الاحداث و المستجدات بشکلها و صيغتها النهائية و نجزم بأنه لو تم ضمان أن يقوم هذا الشارع بدوره المطلوب منه فإن الامور ستتغير حتما بصورة ستفاجئ حتما الاعداء و المتربصين شرا بالعرب.


ان اساس الدور و الموقف السلبي للشارع العربي لايکمن في الاساس الفکري ـ الاجتماعي(أو العامل الديني)مثلما يصر عليه البعض من الاخوة الکتاب و المثقفين، کما أنه لا يتعلق أيضا بالنظام الرسمي العربي لوحده أو نظرية(المؤامرة)بحسبما يذهب إليه العديد من أصحاب الاقلام و الرأي، وليس يرتبط أساس هذا الدور و الموقف السلبي بمعضلة النظام السياسي العربي و الدور السلبي للأجهزة الامنية و الاستخبارية في التصدي للشارع العربي و منعه من أن يؤدي الدور التأريخي المناط به، بل أن اساس المشکلة تتجلى في قضية ضمان إستقلالية الشارع العربي و ضرورة منحه المساحة الکافية للتحرك على أرضية قوامها المصالح العليا للأمة العربية و کيفية ضمان الامن القومي العربي. الشارع العربي، يجب أن لايکون بمثابة قطيع متى شاء الحاکم يقاد حيثما شاء و أراد، وإنما يجب أن يکون مراقبا و حکما و فيصلا للأمور التي تتخذ شکل الازمة بين القادة و الزعماء العرب و الاطراف الاخرى، ومثلما نجد أن للشارع الشعبي في غالبية بلدان العالم دورا مميزا في رسم و تحديد سياق و إتجاه مسار أهم الاحداث و أکثرها مصيرية، فإن المطلوب من الشارع العربي هو أن يقوم بدور لايقل أبدا عن دور الشارع الشعبي في غالبية بلدان العالم وان المهم و الحيوي في الامر، هو أن تکون هنالك منظمات و تنظيمات جماهيرية ـ شعبية متغلغلة في أعماق المجتمعات العربية وتلعب دورا مميزا في توعية و إرشاد الشارع الشعبي لما فيه خير و صالح الامة على أن تکون هنالك قواسم مشترك عظمى تجمعها على خط مصيري واحد و يکون الخط الاحمر الوحيد لديها مصالح الامة و أمنها القومي.


واننا نرى ضرورة أن لاتلعب هذه المنظمات و التنظيمات الجماهيرية دورا سلبيا فيما يتعلق بالنظام السياسي ـ الاقتصادي ـ الاجتماعي ـ الفکري العربي و أن لا تدخل في غشاوة و وهم العدو الداخلي المتجسد في الانظمة العربية نفسها کما أراد و يريد أعداء الامة وبذلك تنصرف عن العدو الحقيقي الذي هو أساسا خارجي لکن هذا ليس بمعنى أننا نختلق المعاذير و الحجج للأنظمة العربية بل لأننا نجد أن هنالك العديد من القوى و الاوساط الاقليمية و الدولية التي تجد لها مصلحة کبيرة في تهميش دور الشارع العربي و الانفراد بالانظمة العربية الرسمية تمهيدا لفرض مواقف و أجندة محددة عليها، ومن هنا، فإننا نرى في المجلس الاسلامي العربي ضرورة أن تعمل المنظمات و التنظيمات الجماهيرية بالشکل الذي يکون مکملا و موازيا للنظام العربي الرسمي وليس مناقضا أو مضادا أو مخالفا له، وبهکذا فهم و رؤية حريصة و ملتزمة يمکن رسم ملامح شارع عربي ملتزم بإمکانه أن يفرض موقفه و رؤيته على العالم.

محمد علي الحسيني
الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.