لا أعرف سر الدهشة التي سادت الوسط الصحفي المصري عقب التغييرات الصحفية الأخيرة، فالقرار الذي اصدره مجلس الشورى بتعيين ثمانية رؤساء تحرير جدد لصحف ومجلات حكومية كان متوقعا، ورؤساء التحرير الذين تم اختيارهم كلهم من كوادر الحزب الوطني الحاكم، وهذا ما حدث تماما في التغييرات الصحفية السابقة التي تم فيها استبدال كل الوجوه القديمة التابعة للحزب بوجوه جديدة تابعة للحزب وامانة السياسات!


ولأن رئاسة تحرير أي مطبوعة حكومية مصرية هي منصب سياسي، فمن الطبيعي ان يشغل هذه المواقع اشخاص تابعون لدوائر حكومية وحزبية معينة. في الماضي كان يتم اختيار رؤساء التحرير من الأعلاميين النشطين في الاتحاد الاشتراكي العربي والتنظيم الطليعي، والآن وفي ظل تعدد الأحزاب أصبح الاختيار من بين الكوادر النشطة في الحزب الوطني الحاكم.


المفاجاة في التغييرات الأخيرة أنها تجاهلت اسماء كبيرة معروفة بكفاءتها المهنية وولائها السياسي، ربما لأنها محسوبة فقط على الحرس القديم في الحزب الوطني، وجاءت بمجموعة من الصحفيين المحترفين المعروفين بولائهم للحرس الجديد وأمانة السياسات، وهؤلاء كان معروفا في الوسط الصحفي انهم مطروحون للتصعيد في أقرب فرصة.


وهكذا لاجديد في التغييرات الصحفية التي شهدتها مصر أمس الاول، فالحزب الوطني أحكم قبضته مجددا على الصحف الحكومية، وهذه الصحف سوف تعبر مستقبلا بدرجة اكبر عن توجهات الحزب وأمانة سياساته، مما سيحولها إلى صحف حزبية في المقام الأول بدلا من أن تكون حكومية.


والتحدي الذي سيواجه رؤساء التحرير الجدد هو قدرتهم على مواجهة التراجع في أرقام التوزيع، فليس سرا ان الصحف المملوكة للدولة تواجه منافسة من جانب الصحف الخاصة والمستقلة، وفي معركة تكسير العظام هذه من الطبيعي أن ينحاز الناس إلى الصحف التي تعبر عنهم وليس إلى الصحف الحكومية او التابعة للحزب الحاكم!


والتحدى الأكبر هل سينجح رؤساء التحرير الجدد في رفع المستوى المهني لصحفهم ومجلاتهم في إطار سقف الحرية المتاح حاليا أم أنهم سيديرونها باعتبارها جزءا من المنظومة الدعائية الحزبية؟!


لا احد يمكنه التنبؤ بمستقبل الصحافة الحكومية في مصر بعد التغييرات الأخيرة، فالمتفائلون يتوقعون أداء مختلفا وتجديدا شاملا، والمتشائمون يرون أن الوضع لن يختلف كثيرا عن السابق، لكن من الانصاف أن ندع التجربة تتحدث عن نفسها. عموما تهنئتي للزملاء الذين تم اختيارهم رؤساء تحرير، وتمنياتي للذين لم يصبهم الدور بحظ اوفر في التغييرات المقبلة، وكان الله في عون القاريء المصري!

عبد العزيز محمود