الحلقة الثانية

حرب المؤسسة... العزل السياسي

انتقلت المواجهة الان الى الصورة التي يجب عليها ان يكون هذا الصراع، فكل اطراف الصراع الايراني (المحافظون بأجنحتهم و خامنئي) و (الاصلاحيون و تأييد شرائح من المجتمع الايراني لهم )، لم يرغبوا يوما ان يصل الصراع الى هذا الصدام، فخاتمي حين وجد ان محمود احمدي نجاد اصبح هو الرئيس الفعلي للبلاد ضمنياً حتى قبيل اجراءات الانتخابات التاسعة، و بدء حملة التضييق على الاصلاحيين و غلق عدد من مؤسساتهم و صحفهم و تكميم افواههم، و تلفيق لبعض الموظفين الكبار في ادارة خاتمي تهم فساد، و تدخل المرشد شخصياً عبر نجله ( مجتبى ) في حشد التأييد السياسي و الشعبي لفوز نجاد، تراجع الى الخلف خطوة ريثما يتضح مشروع المرشد الضاغط و المنزعج من مد اصلاحي لا يستقرئ المرحلة تلك بنظرة ثورية.

كان مشروع المرشد منطقياً جداً بالنسبة للارث الثوري الايراني و تحينه فرصة المواجهة او الضغط على الولايات المتحدة الامريكية و ( قوى الاستكبار العالمي )، و اطلاق مشروع ايران النووي السلمي و العسكري، في مرحلة شديدة التعقيد، صبت لصالح ايران اكثر من اي وقت مضى، ابان فترة غزو العراق 2003.

فالمرشد و الدوائر الاستخباراتية و مستشاريه، وجدوا ان هذا هو الوقت الطبيعي و الجيد لطهران لتلعب لعبتها وتمرر مشروعها دون خوف حقيقي من ردع او عقوبات او هجوم محتمل و خاطف عليها، فهي استغلت جبهات اعدائها ذاتها، للضغط عليهم من خلالها، فكانت الجبهة العراقية الاكثر حيوية و ستراتيجية لطهران نجاد ndash; خامنئي، فيما اضحت الجبهتين اللبنانية و الغزاوية، محاور اسناد و تحجيم قوى ذكي. و بالفعل نجح المرشد الخامنئي في سياسته.

كان من المستحيل ان يتسيد الاصلاحيون على الموقف في مرحلة مصيرية، كان ذلك معناه ان مشروع التسلح النووي، سيراوح في مخيلة ايران القيادة، و يمر احتلال العراق دون مكاسب.

غير ان دعم نجاد، و هو احد ابناء الجيل الثاني من الثورة الايرانية، و احد ابرز ناشطي قوة المتطوعين ndash; ميليشيا الباسيج، و احد العناصر الذين اقتحموا السفارة الامريكية ابان الحرب العراقية ndash; الايرانية، كرئيس محافظ و متشدد و مطيع، يفي بالغرض تماما، اذا ما استغل استفزاز المشاعر اسرائيل الدولة عبر انكار المحرقة اليهودية، كورقة حرب نفسية دفعت تل ابيب الى عدم ارتكاب اي حماقة مع ايران.

نجح خامنئي بفضل عقلية نجاد المخابراتية و البراغماتية الثورية المحافظة، في جر امريكا للاعتراف بقوة طهران في العراق و البصرة على وجه الخصوص، فقد جعل واشنطن تعترف بالنفوذ الايراني و تحاور حكومة نجاد في بغداد حول دورها في العراق ع اربعة عبر اربعة لقاءات، تيقنت فيها طهران من حجم قوتهم و ضغطهم، و تفهمت واشنطن انها امام لاعب ذكي لم تستطع ان تأخذ منه اي ضمانات سوى وحيد وعد يتيم ان الضمانات متروكة لبناء الثقة اولا و فك الاشتباك الدولي حول المشروع النووي.

خامنئي كان يخطط بمساعدة نجاد و المؤسسة الايرانية، لكل هذا بصبر و حذر، وهو من دعا علناً حواراً مع واشنطن في شباط 2006 و ايار 2007، و هي دعوات اثارت الدهشة والتساؤلات، فخامنئي لا يثق ابدا بأمريكا، و سياسته معها تقوم على العداء الايديولوجي و المواجهة المباشرة ثقافياً و استراتيجياً.و دعواته جوبهت بالرفض.غير ان طهران اجبرت بالنهاية الامريكان على التحاور معها بشان العراق، يقول المرشد:

( ستدور المحادثات حول مسؤوليات المحتلين في العراق لا اكثر، انهم يظنون ان الجمهورية الاسلامية غيرت سياستها الثابتة و المنطقية و المبررة و المتمثلة برفض التفاوض مع الولايات المتحدة، لكنهم مخطئون )، الحديث نقلته وكالة الاسيوشيتدبرس 16 ايار 2007.

و يقول المرشد خلال لقائه عددا من الطلبة في مدينة يزد الموالية للاصلاحيين في الثالث من يناير 2008، ان السياسة الثابتة هي القطيعة مع امريكا، لكنها يجب ان تعود يوما اذا ما توفرت الظروف المنطقية في حكومة امريكية تعترف بأيديولوجية ايران، و حكومة ايرانية تجد في التقارب مصلحة ستراتيجية.

الادارة الامريكية التي تتفهم ايديولوجية ايران الاسلامية، تسلمت السلطة و ادارت الدفة بعقلانية و انفتاح و تنازلات غير متوقعة مقارنة مع ارث الادارات الامريكية منذ التأسيس، غير ان المشكلة هي، ان حكومة ايرانية تتفهم هذا الاعتراف و تسعى التقارب، يرفض المرشد و المؤسسة الشائخة المحافظة، ان تولد في ايران افلتت من قبضة ثورية الجمهورية نحو جمهورية اصلاحية.


المواجهة مع التغيير

وفقاً لتقرير مركز تشاثام هاوس البريطاني الذي نشر يوم امس، ظهرت اننتائج الانتخابات كانت فضائحية و سريالية و ان التزوير حدث عن سابق تخطيط و علم، وبموافقة خامنئية، فمثلا ان يصوت 44% من الناخبين الاصلاحيين لاحمدي نجاد، و تصوت مدينة ايرانية مثل يزد لنجاد بنسة 52 % وتعطي ظهرها لمرشحها الاصلاحي ( مهدي كروبي )، و يزد تعتبر معقلاً اصلاحياً، او ان يكشف قائد الحرس الثوري الايراني المرشح محسن رضائي ان مناطق تمتعه بشعبية كانت نسبة التصويت 100 %، فكشف مجلس صيانة الدستور عن 3 ملايين صوت اضافي، لم تكن مسجلة اصلا على لائحة التصويت، و حدوث خروقات انتخابية ( وربما تعني الخروقات التزوير ) في 50 مدينة ايرانية، الا يشكل هذا الرقم علامة استفهام حول مجمل العملية الانتخابية، اذا ما علمنا ان 70 % من الخمسين مدينة تعتبر موالية للمحافظين بحكم طبيعتها السكانية، وحدث تلاعب بالاصوات، فما صورة التزوير في المدن الاصلاحية؟!.

واستطيع الجزم و بقوة ان ما ذهب اليه مير حسين موسوي الى المرشد من ان الانتخابات خطط لتزويرها منذ اشهر كان صحيحاً، و ما ورد في رسالته الى المرشد قبيل اجراء الانتخابات جاءت لتكشف حقيقة ما جرى في الانتخابات من تزوير.

المرشد قطع الطريق بخطبة الجمعة على كل الامال التي ربما تنتعش بأمكانية اعادة الانتخابات مرة اخرى، فالخامنئي هنأ نجاد بالفوز، و حذر معارضيه من تحدي ارادته، و وصف الايرانيين بمثيري الشغب، و انه ربما يتخذ اجراءات قاسية ضدهم، و هذا ما بانت ملامحه بالقمع و القتل و منع التواصل مع العالم الخارجي، و منع التغطية الاعلامية. الخامنئي ان تراجع سيهوي من عرشه دون المعركة التي يجب عليه خوضها لحظة ما يتعدل الدستور.

ولن تكون من قيمة لمنصب المرشد و لا لزعامته الروحية التي فقدها بحق بدخوله طرفاً متشنجاً، سيما وان الحرس الثوري الايراني حذر الاصلاحيين انه سيقمع ثورتهم بطرق ثورية.

ثورية القمع ستعيد مشهد القمع الشاهنشاهي للمعارضين المتشددين يوم كان خامنئي محبوساً بأنفرادي اقليم بلوشستان النائي، قبيل نجاح الثورة.

و لعل البريق الذي خفت، و صار دونه مستقبل ايران بالتغيير دون غيره، كما اشرت موقف خامنئي ذاته فهو صاحب المقولة الشهيرة ايرانياً: (ان ايران تفضل الهزيمة على نصر قد يتحقق عبر الجور و القمع ). من خطاب للمرشد بمناسبة مولد الحسين في 21 ايلول 2002.

غير ان مير موسوي و مهدي كروبي، و باقي اقطاب الاصلاح ثقافياً خاتمي و اقتصادياً رفسنجاني، باتوا يرون ان خامنئي يقود مؤسسة، و المؤسسة تطيع دستور، و الدستور هو النص الضامن و المحترم، بأعتباره تشريع وضعه الامام المؤسس، و بالتالي يستطيع خامنئي قمع الثورة الاصلاحية، و اراقة الدماء، لكنه لن يستطيع مواجهة الدستور و المؤسسة.

حرب المؤسسة ndash; نظرة استباقية

من يقف مع المرشد اية الله الخامنئي الان وسط بحر متلاطم من الصراعات الداخلية الايرانية حول هوية المؤسسة الحاكمة و سياستها؟!.

يصطف الان و على تفاوت في المواقف و الدوافع و السياسات، الاصلاحيين من جيل الثورة الاول، و المحافظين القدامى المتحولين الى اصلاحيين جدد، و ذلك متفق بطبيعتهم البراغماتية المعروفة داخل الادارة الايرانية.

علي هاشمي رفسنجاني ( رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام )، اية الله مهدي كروبي، مير حسين موسوي عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام عضو مجلس قيادة الثورة الثقافية، اية الله محمد حسين منتظري خليفة الامام المؤسس المبعد لصالح خامنئي، هادي خامنئي شقيق المرشد الحالي، احمد الخميني نجل الامام المؤسس الخميني، و الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي عضو عضو مجلس قيادة الثورة الثقافية.

بينما يبقى مجلس الشورى ( البرلمان ) بأغلبيته الاصلاحية المتواضعة، لاعباً سيتم الاحتكام اليه حين يحين الحديث عن الدستور، فيما مجلس الخبراء و مجلس صيانة الدستور المؤلف من 12 يعينهم خامنئي بشكل مباشر او غير مباشر، فهما مؤسستان تتبعان المرشد وليس لها قوة و نفوذ يغير من خريطة اللعبة.

المرشد ضمن دستورياً تلك المؤسستين، فيما يبقى مجلس تشخيص مصلحة النظام خارجاً عن ارادته، بسبب هيمنة الاصلاحي رفسنجاني، و عضوية الكثير من الاصلاحيين المعارضين لسياسة خامنئي، لا معارضة النظام.

ميدانياً يهيمن خامنئي تقليدياً على الحرس الثوري الايراني و ميليشيا الباسيج، فيما تظل وزارة الاستخبارات العامة ( اطلاعات ) و الشرطة السرية، تتبع النظام و المؤسسة بشكل عام.

مؤسسياً الاصلاحيون اكثر قوة وتماسكا و دفوعاتها اكثر براجماتية و دستورية اذا ما علمنا ان اغلبهم خبراء في مجلس تشخيص النظام و البرلمان، فيما المرشد ومؤسساته الادارية تتصل مباشرة بصلاحيات منصب المرشد.

و امنياً تظل مؤسسة الحرس و الباسيج تتفاعل بشكل عاطفي و ارثي مع الازمة بأعتبارهما نتاج الثورة، و بالتالي يعبران نفسيهما الاكثر استحقاقا في الدفاع عن النظام.

لوح خامنئي و الحرس و الحكومة بأن المعارضين الاصلاحيين ربما يسيرون في الطريق الخطأ، و هما يعارضان النظام، و انصارهم يناهضون النظام، وهذا يعني انهم ينقلبون ضد نظام الثورة الاسلامية.

هذا الاتهام كان اولى بوادر ضعف المرشد و ادارته، و ينم عن هيستريا او رهاب سيطر على المرشد، الذي يخشى ان يستطيع الاصلاحيون الوصول الى غايتهم الاهم و هي سحب كل صلاحيات المرشد و جعله منصباً شرفيا او رمزيا و في افضل الاحوال منصباً روحياً، لينطلق قطار الاصلاح الشامل.

تحالف الاصلاحيون عبر مؤسساتهم و ستراتيجهم المشترك، سيؤدي الى ظاهرة فريدة من نوعها، وهي العزل السياسي على صعيد الحراك السياسي لمؤسسات المرشد، و سيظل المرشد يواجه خصومه عبر نجاد، الذي ربما تتحدث وساطات سياسية و دينية ايرانية عن امكانية استقالته، حفظاً لماء وجه المرشد الذي لن يغامر و يوجه دعواته الى الشعب و لن يغامر بسحب دعمه لنجاد لان الخطوتان ستطيحان بهيبته التي اهتزت، و لتفويت الفرصة على الاصلاحيين في تمرير مخطط تعديل الدستور. وهذا ما سنفصله غداً.


صفاء خلف

[email protected]