الحلقة 1

خطبة مرشد الثورة الايراني علي خامنئي بجامعة طهران ، فتحت النار على خامنئي ذاته ، و كأنه استعجل المواجهة الحتمية مع تيار الثورة الاصلاحية الاقوى، ربما التي ستؤسس لعهد الجمهورية الثانية ، بعد عشر انتخابات رئاسية هادئة و مقنعة بمصيرها التقليدي.

فالخامنئي لاول مرة منذ توليه المنصب الحديدي وهو بشخصية ضعيفة يتحرك وفقاً لاراء حزمة من المستشارين في العام 1989 ، اصبح الان يمثل قوة منفردة ، تمثل قطباً مصوناً و محمياً من كل الدوائر السياسية ، غير ان الامر تغير الان ، و كأن المرشد احس ان شبكة المحسوبيات و القوى التي صنعها بهدوء لتكون يده و عينه الضاربة المؤثرة في الصراع الايراني ، او تلك التي صنعها بوصفه ( اية الله العظمى ) له اتباع و مؤيدين كحال كل الايات الشيعية ، او بوصفه ( قائد الثورة الاسلامية ) كما يبين موقعه الرسمي الذي حذف مكانية ( ايران ) من اللقب ، لتكون ولايته الفقهية شاملة لكل مسلمي المنطقة سنة و شيعة ، و كأنه خرج عن رؤية المرشد المؤسس ، و ليبشر بتصدير جديد للثورة عبر ( المال ) و ( الدعم السياسي ) و ( العسكري ) بصورة اوسع واكثر علنية ، سيما في العراق الشيعي و لبنان المنقسم الشيعي الجنوبي و دولة غزة الحمساوية السنية الاصولية ، و مملكة البحرين ، بينما اغمض عينيه بيده المشلولة و التي ستكون سببا برحيله الحتمي عن كرسي المرشدية ، عن ( اذربيجان الشيعية ) و ( الشيشان السنية ) و كاد يدخل بحرب مع طالبان السلفية.

لعل اهماله للملف الاذربيجاني و الشيشاني و خصومته مع طالبان ، كانت تمثل اقوى براجماتية يمكن لايران تحت سلطة الخامنئي و محافظيه الجدد و القدامى ان تبلغها ، فلا يمكن لطهران ان تتخلى عن روسيا الحليف الإستراتيجي ، من اجل قضايا خاسرة في منطقة تعتبر ايران مصالحها محمية و مستوفية بحكم الجغرافيا و التاريخ ، و لا تحتاج مغامرة ايديولوجية كالتي تخوض غمارها في منطقة الخليج و الشرق الاوسط.

المرشد بخطبة الجمعة ، فقد اهم شرائط تمثله بمنصب المرشد حينما انحاز علناً الى رئيسه المنتخب تزويراً محمود احمدي نجاد ، و شرعن ذلك التزوير الذي اضحى حقيقة بخطبة المرشد ، بان نجاد اكثر الامانة و تفهماً و اخلاصا لمبادئ الثورة ، وكل من يقف بوجه هذه الارادة البطريركية ، يخرج عن مسار حماية (الثورة التي وجدت كي تبقى**).هذه مقولة للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أبان اختلاقه مؤامرة للاطاحة بالثورة العام 1979.

حسب سياقات الدستور و المرشد المؤسس الخميني ، ان على المرشد ان يلعب دوراً توازنياً و محايداً وعلى مسافة واحدة من كل الافرقاء ، و بالتالي فخامنئي فقد هذا الشرط ضمنياً.

الامر الاخر الذي رفع الخامنئي من مرتبة عدم الاهتمام او الاكتراث الى مرتبة الكراهية لدى الشعب الايراني ، هو اعطائه الضوء الاخضر بضرب و قمع المحتجين من الايرانيين ، ابناء الثورة الايرانية ( المضحين دوماً كما يصفهم دوما بخطبه ) ، و بذلك خلق من نفسه دكتاتوراً هزيلاً و معزولاً عن ارادة شعبه ، و ناقض اهم مبادئه التي طالما اشتغل على ترسيخها لتكون دعامته في القيادة ، و لتضمن له حلفاء دائمين و ان اختلفوا معه في التفاصيل و السياسة اليومية و الرؤية التخطيطية ، لتظل تلك المبادئ الاربعة ( الاسلام ، العدل ، الاستقلال ، و الكتفاء الذاتي ) هي المعيار الاساسي للولاء و الاداء الايراني خامنيئياً ، غير ان هناك شرطاً خامساً يعتبره بنية اساسية في منهج قيادته.

قوة المرشد الضعيف

يقول كريم سجدبور ، احد اهم المحللين السياسيين للشأن الايراني و اهم مراقبيه النشطين ، ان الخامنئي شخصية لديها من مكامن الضعف الكثير، و ان ما جعله قويا ومهاباً و قادراً على استمرار ، جملة امور خارج تركيبة شخصيته ، و اعتقد ان تلك الامور تدخل بطبيعة الثورة الايرانية و بنيتها الداخلية و ادبياتها ، وهي :

الخامنئي شخصية غير مركبة ذو تربية ريفية مبنية على احترام المثل و الاب البطريركي اضافة الى تعليمه الديني الذي يشترط عليه الطاعة لاولي الامر ، وهذا خلق منه الشخصية الاضعف في حلقة تلامذة و مقربي الامام الخميني ، بعكس غريمه الان و حليفه القديم هاشمي رفسنجاني.
الخامنئي يعمل بقوة المؤسسة لا بسلطته المفردة او كاريزما القائد ، كالتي يتمتع بها الامام الخميني او خليفته المبعد اية الله منتظري المعظم ، و ليس لديه ذلك الحضور الفكري او الفقهي او الثوري اللافت.
قوة منصب و تأثيره و ارثه بأعتباره خليفة الامام المؤسس ، جعل له هيبة مكتسبة من اهمية المنصب و الارث الثوري للمؤسس.
وصية الخميني بأعتباره الاكثر ولاءا و خوفاُ و هضماً لمباديء الثورة ، و لعل رسالة احمد الخميني اليه ليلة تنصيبه مرشداً بقوله quot; الامام الخميني يعتبرك القائد الاكثر كفاءة للجمهورية الاسلاميةquot; ، و مصداقية هذا القول ترجمت بتعديل الدستور الايراني في اذار 1989 لصالح تنصيبه مرشدا من قبل الامام المؤسس.
الشرط الخامس الذي اشرنا اليه قبل الدخول الى قوة المرشد الضعيف ، كان هو ان الخامنئي لا يسمح ابداً لاحد بأنتقاده ، مهما كانت صلته به او قرابته الثورية او الاجتماعية ، فكيف بمير حسين موسوي ينتقد ضمناً المرشد ، و المنتفضين يصرخون بشوارع طهران ( الموت للديكتاتور ) ، و قطعا ان هذا الشعار لا يشير الى نجاد بل الى خامنئي.

فقد ضربت قوات المتطوعين ( مليشيا الباسيج ) شقيق خامنئي رجل الدين الاصلاحي الاصغر هادي الخامنئي ضرباً مبرحاً بعد القائه خطبة انتقد فيها سلطات المرشد. لطالما اعتبر المرشد خطاً احمر في السياسة الايرانية و التعرض له يودي الى السجن و التعذيب.و هذه الحادثة و تحليلها حسب كريم سجدبور.

مير حسين موسوي الان ، وضع نفسه بمواجهة سلطة المرشد المفتوحة حتى على القتل و التصفية ، باعتباره خارج عن القانون ، و هي تهمة استطاع حتى الان موسوي دفعها بعيداً عنه ، بفضل ادارته الذكية للعبة اسقاط المرشد ، و دعم الاصلاحي المعمم مهدي كروبي.

الاصلاحيون حتى الان فقدوا شهداء و جرحى ، لكنهم اصبحوا قوة ظاهرة بحاجة الى تنظيم سياسي غير ذلك الذي دعا اليه مهدي كروبي بتأسيس حزب اصلاح ملتي اي حزب الامة الاصلاحي ، او ربما حزب اصلاح الامة ، بأعضائه المليونين ، غير ان خطوة كروبي خطوة ناقصة ، الثورة الاصلاحية بحاجة الى تنظيم سياسي غير حزبي ، كي لا تسقط الثورة بشرك التنظيمية ، فهي ثورة شعبية قائمة على الوعي و الرفض و التغيير. وليست انتفاضة مطلبية.


قيامة الجمهورية الثانية

الجمهورية الاولى 1989 جاءت لتطلق رصاصة الرحمة على اخر امل ايراني في نظام برلماني ، ربما يستطيع ايجاد مسافة معقولة من الصلاحيات بين المرشد و بين العمل السياسي المشتغل وفق الحراك الداخلي و الاقليمي ، فبقاء ايران نظاماً نيابياً بعد انتهاء الحرب العراقية ndash; الايرانية ، و موت قائد الثورة الخميني ، معناه سهولة تعديل ادارة المؤسسة ، وتجريد المرشد الجديد ( خامنئي ) من الصلاحيات الحديدية المطلقة و المقدسة للولي الفقيه ، لصالح لاعبين سياسيين ، ينظرون لمستقبل ايران وسط محيط دولي - اقليمي عدائي ، يفضل التعامل معه بأعطاء ضمانات عقلانية بعيداً عن إيديولوجية تصدير الثورة ، اوحارس الخليج القوي.

كانت تلك الخطوة الخامنئية ، خطوة وقائية استباقية لتمتين مركزه الهش حينها ، سيما وانه ليس بالمرشح المتفق عليه من مجلس تشخيص مصلحة النظام ، و هيئة الحكام ، سوى وصية من الخميني ، بأنه الاكثر وفاءا واستيعاباً و ولاءاً للنظام الاسلامي الايراني.

في ليلة واحدة ، و كسراً لكل التقاليد الشيعية في منح الالقاب العلمية الدينية المؤهلة للقيادة الفقهية ، و التي تحتاج لوقت طويل من البحث التاريخي الديني ، يصل الى اربعين عاماً للحصول على لقب اية الله العظمى و هو ارفع لقب ديني شيعي بعد لقب ( الامام المعصوم ) ، تحول خامنئي من مرتبة ( حجة الله ) الى مرتبة ( الله العظمى ) ، فقط من اجل تولي منصب الولي الفقيه ndash; مرشد الثورة الاسلامية الايرانية.

ما يدعونا للتذكير بهذا الامر هو خطبة خامنئي الجمعة الفائتة ، التي احتوت على جملة من المتناقضات و الاكاذيب و الدجل السياسي ، مما افقده ما تبقى له من مصداقية لدى الشعب الايراني الغاضب على دعمه لمحمود احمدي نجاد.

فعلى ما يبدو ان خامنئي يصر على اعطاء تزوير لجنة الانتخابات بوزارة الداخلية ، شرعية و غطاءا قدسياً اشبه ما يكون بفتوى دينية ، على جميع الايرانيين من المسلمين تقبلها دون مناقشة او حوار ، كعادة كل الفتاوى الدينية ، و الشيعية على وجه الخصوص.

و لعل تلك الخطبة ايضاً تكشف عن تواطئ واضح و مفضوح بين خامنئي ونجاد و اجنحة نظام الحكم اليمينية المتشددة ، في ان الانتخابات مهما كانت تعبر عن ارادة الشعب و تطلعاته و طموحاته ، و استقرائه اليومي للتدهور و توقه الى التغيير ، فأن ارادة المرشد الالهية هي المعبر الحقيقي عن تلك الطموحات ، و ان مايراه المرشد من سياسة ، يجب ان تقبل و تضرب ارادة الشعب عرض الحائط ، او بالهراوات او بالرصاص المطاطي ، او بالرصاص الحي ليقتل ايرانيين عبروا عن رأيهم المعارض لرغبة المرشد الفقيه.

فحينما يرفض الشعب الايراني احمد نجاد فهو يعبر عن رفضه لسلطة الولي الفقيه خامنئي ، لكنه لا يستطيع القول بذلك فتحول السخط ضد نجاد ، بمواجهة تحول سخط خامنئي من الشعب المطالب بالليبرالية و الديمقراطية و التحرر و الاصلاح عبر دعم من برفض كل ذلك ، اي دعم نجاد.

صفاء خلف