لقد خطط حزب رابطة الشمال لترحيلهم من ايطاليا مهما كان الثمن بيد أن الأزمة المالية بمساعدة عودة النازيين الى الساحة الأمنية والسياسية لم ترحمهم بدورها مما يقذف المهاجرين، بشتى فصائلهم الشرعية وغير الشرعية، المقيمين بإقليم quot;فينيتوquot; شمال شرق البلاد، الواقع تحت السيطرة الإدارية والسياسية لرابطة الشمال، بين ثعبان سام، يكره الاختلاط العرقي من دون شروط مسبقة ويدعى رابطة الشمال، وفخ الحركات الفاشية التي تريد منافسة وزير الداخلية quot;روبرتو مارونيquot; في إحلال الأمن على الأراضي الايطالية التابعة سياسياً لائتلاف برلسكوني الحاكم.

ان الأزمة الاقتصادية التي غرزت مخالبها بقوة في سوق العمل أول من ساعد في طرد العمال الأجانب(الشرعيين) من العديد من المصانع شمال البلاد. طبعاً، من دون عقد عمل ودخل سنوي فان المهاجر لا يتمكن من تجديد رخصة إقامته، حتى لو كان موجوداً هنا منذ أكثر من عشرين عاماً! وحتى لو نجح المهاجر الشرعي في الالتفاف حول قوانين وزارة الداخلية، لناحية الحصول على رخصة الإقامة، فان الصعوبات المالية والاجتماعية، الناجمة عن بقائه من دون عمل، لا تضعه إلا أمام خيار واحد يدعى العودة الى الوطن الأم. بالفعل، فان 10 في المئة من أصل 450 ألف مهاجر، مقيمين شرعياً بإقليم quot;فينيتوquot;، بدؤوا حزم حقائبهم استعداداً لمواجهة عودة مذلولة بلا قيمة الى الأهل والأقارب في بلادهم. في سياق متصل، يوضح quot;جوفاني ساندوناquot;، مدير منظمة quot;كاريتاسquot; الى صحيفة quot;ايلافquot; أن ثمة مستجدات وضرورات جديدة ينبغي على quot;كاريتاسquot; التأقلم معها وإلا فان ما يحصل من حركات سياسية، التفافية ولولبية، مضادة للتواجد الأجنبي شمال ايطاليا لن تجلب معها إلا مأساة داخلية على المهاجرين ليست أخف وطأة مما يحصل مع هؤلاء الذين يجرؤن على دخول ايطاليا سراً. في الوقت الحاضر، أطلقت quot;كاريتاسquot; في مدينة quot;فينشينزاquot;، الواقعة بدورها في إقليم quot;فينيتوquot;، مبادرة تسعى الى مساعدة المهاجرين في العودة الى أوطانهم الأم، طوعية. وثمة منظمات حكومية وإقليمية مشتركة في هذا المشروع الذي لا تستطيع رابطة الشمال الوقوف بوجهه. مع ذلك، تبرز مدن شمال ايطاليا لباسها التضامني مع هؤلاء المهاجرين، الذين خدموا المحركات الوطنية الإنتاجية لسنوات طويلة. فالعديد من بلديات ومحافظات المدن، على سبيل المثال، المسؤولة عن تمويل الصناديق المخصصة للعاطلين عن العمل، باشرت تغيير بروتوكولات المساعدات المالية والحصول على المساكن الشعبية بصورة تخولها مساعدة المهاجرين، الغاطسين في مشاكل مالية لا نهاية لها، كذلك.

في أي حال، فان مدير quot;كاريتاسquot; بمدينة quot;فينشينزاquot;، السيد quot;جوفاني ساندوناquot;، مقتنع تماماً أن تقديم المساعدات المالية لهؤلاء المهاجرين، الذين راجعوا أنفسهم ورأوا في النهاية أن العودة الى الوطن الأم الحل الأفضل حالياً، درعاً واقياً يحميهم من المصارف وتلك الأحزاب التي ترفض تواجد البطالة الأجنبية في مناطقها. لكن منظمة quot;كاريتاسquot; لن تستطيع قيادة برنامج تمويل عودة المهاجرين الى أوطانهم لفترة طويلة المدى. فكل ما بحوزة هذا المدير اليوم 50 ألف يورو وهذا لا يكفي بالطبع لتغطية نفقات السفر جواً لما يقارب 40 ألف مهاجر، قرروا الرحيل من بلد جميل ومنفتح كما ايطاليا، الغارقة اليوم في بحر من المآزق التي تحضها على اتخاذ مواقف أنانية تستثني للأسف الشديد التفكير بأوضاع المهاجرين والفقراء، في المقام الأول. هكذا، والى جانب عمليات الترحيل الصامتة للمهاجرين غير الشرعيين، بحراً أم جواً، هاهم العمال الأجانب في إقليم quot;فينيتوquot; يخضعون لعمليات ترحيل، جماعية إنما طوعية، تلقي علامة استفهام على خطط وزارة الداخلية المتعلقة باستقطاب يد عاملة أجنبية من الخارج، كما أفريقيا وأوروبا الشرقية. وأول من تأثر بالأزمة المالية في إقليم quot;فينيتوquot; هم عمال متأتيين من أفريقيا الشمالية ورومانيا وأوكرانيا ومولدافيا. علاوة على الأزمة، هناك صعوبات ملموسة من حيث الاختلاط الاجتماعي. والعديد من القوانين تعمل اليوم على تعقيد الأمور أكثر فأكثر. إذ يكفي قراءة موسوعة القوانين الأمنية التي يحارب الوزير ماروني من خلالها الجميع، ومنهم quot;كاريتاسquot; ودولة الفاتيكان والمفوضية الأوروبية!

من جانب آخر، بدأت الحركات الفاشية تنظيم تحركاتها هنا بهدف تأسيس quot;الحرس الوطني الإيطاليquot; وهي مجموعة، تستلهم أفكارها من قلب الفاشية وتنوي إعادة تأسيس حزب quot;بينيتو موسولينيquot; السابق. ومن اللافت أن ثلثي الحرس الوطني الإيطالي أعضاء سابقين في قوات الشرطة ينتمون الى الحركة الاجتماعية الايطالية الفاشية التي يرأسها quot;غايتانو ساياquot;. برغم أن محكمة ميلانو فتحت ملفاً ضد أيديولوجيا هذه المجموعة، التي تريد استغلال سلة القوانين الأمنية التي أقر بها البرلمان الإيطالي من أجل تسيير دوريات أمنية ليلية، اعتماداً على خرق مروجي هذه المجموعة لقانون quot;شيلباquot; الذي أقر به عام 1952 بهدف منع ولادة هتلر ايطالي، إلا أن حزب السيد quot;غايتانو ساياquot; يمضي قدماً في طريقه معلناً معركة قانونية ضد أي محكمة تستهدفه. بالفعل، فان مصادر من وزارة الداخلية تؤكد لصحيفة quot;ايلافquot; أن quot;الحرس الوطني الإيطاليquot; منظمة خيرية رسمية، لها رئيس ومتطوعين. بيد ان الجميع يعلم أن رئيس هذه الجمعية، أي غايتانو سايا، ذو ماض وحاضر فاشي، أيديولوجياً وعملياً. كما أن عدد المتطوعين الذي تمكن السيد سايا من استقطابه مقلق قليلاً(أكثر من ألفي متطوع). وهم موجودون على شكل خلايا موزعة في أقاليم quot;بيامونتيquot; وquot;لومباردياquot;(عاصمته ميلانو) وquot;لاتسيوquot;(عاصمته روما) وquot;كامبانياquot; وجزيرة صقلية. ما بدأ يثير سخط المسؤولين في الحزب الديموقراطي اليساري، الذين يرون في ولادة هذا الحرس الوطني عودة طازجة لشبح موسوليني الى ايطاليا والمهاجرين الموجودين هنا.

في الحقيقة، فان ما حققته رابطة الشمال من قوانين أمنية شرسة ضد المهاجرين ملف طالما ابتعد عنه اليساريين طوعاً وذلك لعدم رغبتهم في تمزيق جروح المهاجرين، التي تتخبط بين الحنين الدائم الى الوطن الأم وقوانين إقامة ومعاملة تنبع من حالة الطقس السياسي المتقلب هنا. مما لا شك فيه الحرس الوطني الإيطالي سيكون، كما الأزمة المالية، مصدر رعب للمهاجرين لا سيما ان كان من يراقبهم، ليلاً ونهاراً، في الشوارع، عنصري لا يتقيد بأي قانون صادر عن الدولة الايطالية. يا ترى كم سيكون عدد المهاجرين الذي يريدون الهرب من ايطاليا عندما يبدأ الحرس الوطني تسيير دورياته وأعضائه(الذين يرتدون بالطبع لباساً يذكرنا بالطبع بعهد موسوليني) في شوارع المدن الايطالية؟ أربعين ألفاً أم 400 ألفاً؟

طلال سلامة
روما