الملك لا ينتخب، بل يرث العرش و يكرسه البرلمان المنتخب شعبيا، هذا تقليد متبع في اغلب النظم الملكية الديمقراطية، والمملكة الأردنية الهاشمية ليست الاستثناء. و هو ما حدث مع الملك الحسين عندما سلم الحكم لابنه الأكبر عبد الله بن الحسين الثاني الذي احتفلت الجماهير الأردنية بمرور عشر سنوات على تولية سده الحكم مؤخرا.
و الكنيست الإسرائيلي يصوت ديمقراطيا و علنيا، و رئيس الوزراء يحمل النتيجة و يلتزم بها في خطاباته وتوجهاته.
و لقد مر موسم quot; مولد سيدي عبد الله quot;، كناية عن الاحتفالات التي تشبه الموالد في مصر وسوريا،و التي أقيمت بمناسبة مرور عشر سنوات على تسلمه العرش وعيد الاستقلال و استمر قرابة الأسبوع في المحافظات الأردنية و السفارات بالخارج وسط الأعلام المرفوعة و الذبائح و الخطب، و ضمن تجيش حافل لقوافل من البشر على طرقات الشوارع و ألوف من المجتمعين في إستاد الاحتفال و مقالات التأييد في الصحف الحكومية و المواقع الالكترونية التابعة لها و الصور العملاقة التي حملتها الأوناش و نصبتها في شوارع المملكة، في إشارة ضمنية للغرب عموما و لإسرائيل خصوصا على رفض شعبي تام المساس بالنظام الملكي و انهيار فكرة تمرير القبول الشعبي ب quot;النظام البديل quot;.
واقصد هنا أن البديل quot;نظاما ووطنا quot; هو بالطبع آمرا مرفوضا رفضا باتا و قاطعا من الفلسطينيين و الأردنيين معا.
و الملاحظ أن الاستفتاء الجماهيري العفوي في الانطلاقة الترحيبية للملك و الملكة في الطرقات، طغى على مظاهر الترتيبات و التراتيل الحكومية المعدة سلفا،فقد كان حقا شعبيا أن يفرح المواطن بملكه الهاشمي و يعبر عن أهازيج قلبية، بعد أحداث حزينة و مضايقات إعصارية شرقية و غربية على حدود المملكة.
و مع كل ذلك أتت خطبة رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو بالأمس مكبلة للأردن السياسي و ضربه أخرى تحت الحزام طالب فيها الفلسطينيون الاعتراف بيهودية الدولة و ألغى حق العودة و أشار إلى دولة منزوعة السلاح لم يحدد مناطقها و لا إبعادها و ضمنيا عزز من فكرة الوطن البديل و النظام البديل لدى إسرائيل حين أكد على استحالة قطعية لتوطين اللاجئون في داخل إسرائيل، و هو يقصد هنا توطينهم في الأردن.
وبالتالي الرسالة الشفوية والمولد الأردنيquot; تمت محاصرته بدربكة نتانياهو بالأمس، و الدربكة هي آلة عزف موسيقية تماثل الطبول، و كان رئيس الوزراء الاسرئايلي قد ألقى بخطاب قوي و صريح من وجهة النظر اليهودية و عفن من وجهة النظر العربية. و لكن لم يكن يتوقع منه غير ذلك. بل انه يشكر على كل حرف فيه.
و عموما ستبقى هذه الاحتفالية حديث شد و جذب، هناك من يقف معها ويؤيدها و هناك من يعترض على نفقاتها و أسلوبها و ميزانيتها، في دولة اختار حاكمها حرية بلا سقف يعتقد بعض الساسة أن استغله بعض quot;حاقدين quot; أو quot;موتورينquot; للاستقواء على الوطن الأصل بتدخل جاري خارجي، يخدم في النهاية الهدف الإسرائيلي الذي يعمل على quot;خلخله الضرس إعلاميا لأجل اقتلاعه سياسيا quot;، لا فرق بينهم و من استقوى بالغرب المستعمر لاحتلال أو تغيير نظام حكم.
عشر سنوات مرت من الحكم الملكي في عهد الملك عبد الله الثاني بأمان و اطمئنان،و لكنها اليوم في إعصار quot;نتانياهوquot; و طبوله تحتاج إلى رماح ماهر يصيب خطاب نتنياهو في كعب أخيله السياسي.
ولكن و مع ذلك و رغم أن انتهت الاحتفالية المولودية، و سكتت المزامير و أطفئت الشموع، و لكن الملك عبد الله الثاني كان من الحصافة و الذكاء أن قدم أوراق اعتماده سفيرا لآمال شعبه، و هو الملك الذي لا يوجبه الدستور ذلك، مجددا إلى الشعب من خلال طلبه تقييم السنوات العشر من الأداء في ظاهره نادرة لحاكم في نظام ملكي يقر بوجود سلبيات و ايجابيات في عهده.
و بذلك فقد أرسى مفهوما جديدا في الجاهزية الحاكمية و ألانطلاقه الفكرية داعيا الشعب لخوض غمار التفكير في السنوات العشر القادمة بناءا على ما تم من ايجابيات و سلبيات في الفترة الماضية، و التي يفتخر الأردن بأنه يناقش تلك الأمور بحرية، و دن أي مساس بالكتاب، أو احتجاز لصحفي، أو حبس لإعلامي، أو مصادره لجواز سفر، أو إيقاف في المطار، أو منع من السفر، كما يحدث في بعض من البلدان.
و لعل احد السلبيات و التي يجب الحديث عنها و فيها بصراحة متجردة هي طريقة التعامل مع الكيان الإسرائيلي، و الاستخفاف الأردني من قبل الحكومات بتصريحات إسرائيل، أما السلبية الاخري و المقترنة بجزئية من هذا الموضع فهي طبيعة الوزراء و خلفياتهم وخصوصا بعض من وزراء الخارجية اللذين تقلدوا هذا المنصب في الأردن لما عليهم من دور سياسي بالتنسيق مع رئيس الوزراء لم يتقنوه و لم يعهد وه، و هنا يعتقد البعض عدم أهليتهم و انتهاء صلاحيتهم بالإضافة إلى فرق المستشارين.
و الملك بهذه المبادرة الفكرية في فتح حوارية ايجابية حول الوطن و المستقبل، يجعل الثقافة السياسية غير محصورة بطبقة بل فرضا و التزاما شعبيا، رافضا مبدأ كرس مسبقا في أجزاء من الثقافة السياسية العربية و هو الخنوع الإعلامي من بعض من يطلق عليهم quot;كتاب الحكومة و مشايخ السلطان quot;، شلة كرست نفسها للحكام و النفاق الأجوف و ساهمت في خلق quot; وهم ديناصورات حاكميه quot; سقطت بعضها و بعضها ضربت بالأحذية و اقتلعت من مكان تواجدها.
و تأتي خطبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنسبية سياسية مقارنة و موازية، لتفتح مصراعيه الأبواب أمام هدير كلماته لتناقش التوطين و التبديل عبر صفحات و أروقه عالمية اكبر من الأردن و اخطر من بيان هنا أو تصريح هناك أو اعتذار لوقف مقالات من بعض الصحف حول هذه المواضيع.
المرحلة العشرية الثانية في اعتقاد البعض، لن تختلف كثيرا أو جوهريا عن الأولى، و لكنها مرحلة معدله و مبرمجه تماما مثل النسخ الالكترونية الحديثة الخالية من الفيروسات و المقاومة للمتسللين عبر صفحات الأمة، و إنها ستكون مرحلة متطورة من الحاكمية العادلة و الرشيدة و ستتخلص من سلبياتها السابقة، مستفيدة من الأخطاء التي حدثت، مستخدمة الاسمنت السياسي المقاوم لكبريتات أمواج الفتنه المالحة المتلاطمة، مبنية على عقول مستنيرة و أقلام جريئة و شجاعة أدبية في قول كلمة quot;لا quot; عندما تكون مطلوبة و قادرة على تحقيق quot;الحلم الأردني quot; الذي يتمنى تحقيقه جحافل الشعب، و هذا دور الإعلام الوطني في المتابعة و التحقق و النقاش و الحوار الهادف و الحديث عن مستقبل ضمن اطر دستورية و شفافية واقعية.
فلا شك أن العشرية الحكمية بما تضمنت من تراكم خبرات مراحل تكليف و تغيير كل من ست رؤساء وزراء حكومات، خمس مدراء مخابرات، ثلاث مجالس برلمانية منتخبة،ثلاث مجالس أعيان، ثلاث رؤساء ديوان ملكي،مائة و ثمانون وزيرا، و غيرها كافيا لإعادة النظر في الانتقاء ألتدويري و مشرعا الأبواب و الرايات لعمل جديد من خارج هذا الإطار، المتمثل في خمسمائة شخصية و أولادهم و انسباهم استلموا الدولة منذ تأسيسها بأظافرهم وحوافرهم، منهم من أبدع و أجاد ومنهم من خاب، باستثناء عشرة أو خمس عشر شخصا قادما مثل طابع بريد سياسي quot; جديدquot; على الساحة كل فترة في زمن البريد الالكتروني، من أصل خمس ملايين مواطن يدينون للملك بالمحبة و الوفاء، يحلمون بأردن مستقر و عقد اجتماعي مغاير و اقتصاد عالمي يسير بسرعة البرق الالكتروني و تقنية quot;البلووتوث الملكية quot; لتحقيق المزيد من الانجازات في عهد الملك عبد الله الثاني.
و الانجاز الأهم ليس إفشال السياسات الإسرائيلية أو إلغاء معاهدة أو طرد سفير أو تبديل حكومة بقدر ما هو حفاظ على كيان و دولة اقتربت من دوامة شديدة الابتلاع لمن لا يعرف تيارات السياسة الجارفة في المحيط الدولي.
د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]
التعليقات