قرأت أمس ما كتبه المدعو خالد سلطان السلطان فى جريدة ايلاف (10/6/2009) نقلا عن جريدة السياسة الكويتية استعمل فيها السلطان كما مذهلا من بذيء الكلام بحق الشعب العراقي قاطبة بدون تفريق أو تمييز، مما يدلل بوضوح على نفسية مريضة لا يرجى لها شفاء. وهذه أول مرة أسمع أو أقرا فيها عن شخص ينعت شعبا بكامله بأسوأ النعوت، اذ لم يترك مسلما ولا مسيحيا ولا عربيا ولا كرديا ولا تركمانيا ولا...ولا... من كل أطياف الشعب العراقي دون أن يكيل له السباب ورخيص الكلام بغير حساب.


ان السلطان وهو إمام وخطيب فى وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية فى الكويت، المفترض فيه أن يكون قدوة للناس فلا يتفوه ولا يكتب فاحش القول وبذيء الكلام. وهكذا انكشف الغطاء عن رجل دين مزيف آخر من اولئك الذين طالما حذرت منهم فى الكثير من مقالاتي.


كنت أستطيع أن أرد له الصاع صاعين، ولكن أهل الكويت الكرام هم جزء من أهل العراق (والعكس بالعكس)، فكيف يسب الانسان أهله؟ يوم أمس فقط قرأت عن عودة السفير الكويتي الى الكويت فى محاولة جادة لرأب الصدع الذى أحدثه غزو صدام المقبور للكويت ونهبها وتخريبها وتشريد العائلة الحاكمة وقتل أحد أفرادها، والمناوشات الحالية والتى يشتد اوارها كل يوم بين أعضاء مجلس النواب فى البلدين، فلماذا طلع الشيخ علينا بهذه المهاترات بعد يوم واحد من عودة السفير؟


عندما هاجم صدام الكويت لم يكن حاكما ديموقراطيا منتخبا انتخابا حقيقيا من أبناء العراق، ولم تكن الكويت دولة ديموقراطية بالمعنى الصحيح بل كانت مستعمرة بريطانية سابقة اقتطعها البريطانيون من لواء البصرة (على قاعدة فرق تسد)، وسلموها الى عائلة الصباح. قبل عائلة آل صباح كان هناك عائلة آل خليفة وعائلة آل جلاهمة يتنازعون على الحكم، ولكن الجميع اتفقوا على تسليم السلطة لآل الصباح. واثر ذلك ذهب جابر الصباح الى البصرة لايضاح موقفهم المسالم وخضوعهم التام للدولة العثمانية. وكان قائمقام الكويت فى تلك الأيام يعين من قبل متصرف البصرة.


كان أول اتصال لشيوخ الكويت بالبريطانيين فى عام 1775 حيث أقام البريطانيون قاعدة فيها. وفى عام 1922 رسم المبعوث البريطاني سير بيرسي كوكس الحدود بين العراق ونجد وبين العراق والكويت. حرص (كوكس) على ان لا يمنح العراق أكثر من 58 كيلومترمربع كمنفذ للعراق على خليج البصرة (الخليج العربي)، وكانت معظم تلك المساحة تغطيها الأهوار والمستنقعات. رفض الملك فيصل الأول توقيع اتفاقية الحدود المجحفة بحقوق العراق ولكن وبفعل الضغط البريطاني وافق العراق عليها مرغما فى سنة 1932


وفى عام 1961 منح البريطانيون الكويت (الاستقلال)، ورفض الزعيم عبد الكريم قاسم الاعتراف بالدولة الجديدة المزعومة، وأصدر مرسوما جمهوريا بتعيين حاكم الكويت قائمقام فيها. ولم يتنازل عن ذلك بالرغم من وقوف جمال عبد الناصر والسعودية ضده بالاضافة الى البريطانيين وحشد الجميع جيوشهم على حدود العراق. واستمرت المناوشات الكلامية على ذلك حتى اغتاله البعثيون فى سنة 1963، واعترف البعثيون بالحدود التى حددتها بريطانيا لقاء مبلغ 150 مليون دولار (أو دينار لا أتذكر بالضبط) استلمها الرئيس (آنذاك) عبد السلام عارف.


قامت الثورة فى ايران وخشي أن تؤثر عليهم، فأغدقوا الأموال على صدام، وأطلقوا عليه لقب (حامى البوابة الشرقية) و (سيف العرب). انتهت الحرب بين العراق وايران وخرج العراق منها منهوكا مدمرا، والتفت صدام الى أصدقاء الأمس طالبا منهم المعونة فضحكوا عليه ووجهوا له الاهانات تلو الاهانات بعد أن تأكدوا من حماية أمريكا لهم. ولكن ذلك الأحمق، وبعد أن اصم أذنيه عن نصائح الناصحين، قام بغزو الكويت (لتأديب) حكامها الذين أعلمتهم أمريكا -التى شجعت صداما على الهجوم على الكويت- بتقدم الجيش العراقي داخل حدودهم، فهرب الحكام وتركوا الكويت وأهلها تحت رحمة صدام وضباطه.


لقد كان باستطاعة حكام الكويت ترضية صدام بسهولة، ولكنهم حنقوا عليه لعدم (احتلال) ايران ولعجرفته وعجرفة موفديه اليهم، فردوه بعنجهية وشدة، وكان ما كان وتخرب العراق وتضررت الكويت. بقي صدام يحاور ويداور ويراوغ، فتارة يهدد وأخرى يفتح مخدعه للمفتشين الدوليين، حتى ضاقت به أمريكا ذرعا، وبدفع من حكام الخليج قامت أمريكا فى عام 2003 وغزت العراق. وحلت الفواجع وقتل مئات الألوف من العراقيين، ومعظمهم من المدنيين، ودمرت البنية التحتية تدميرا شاملا، وعاد العراق الى العصر الحجري كما أرادت له أمريكا واسرائيل وحكام الكويت.


وسقط حكم البعثيين الأسود وعلق سيدهم على أعواد المشنقة، وأعدم من أعدم من المقربين لصدام وحكم على الباقين بالاعدام أو السجن. وانتخب العراقيون حكومة جديدة، وكان المتوقع أن يفرح الجيران بزوال حكم الطاغية الذى كان يؤرقهم، ولكن العربان وخاصة الكويت رفضت التنازل عن الأموال التى دفعوها الى صدام لقاء حمايتهم من الإيرانيين، واعتبروها قروضا وزادوا عليها الفوائد التى يحرمها الاسلام، اضافة الى التعويضات عن الأضرار التى أصابتهم جراء غزو صدام لهم. علما بأن اسرائيل لم تطالب بتعويضها نتيجة ضرب صدام لها بالصواريخ.


من يقرأ التأريخ يجد أنه بعد انتصار الحلفاء فى الحرب العالمية الأولى على الألمان فرضوا عليهم شروطا وعقوبات قاسية جدا، كان من نتيجتها ظهور الحزب النازي الألماني بزعامة هتلر. قام هتلر باعادة بناء ألمانيا وتسليحها، والتف حوله الشعب الألماني الذى آذته تلك العقوبات، ونشبت الحرب العالمية الثانية وأصاب الدمار المانيا والحلفاء، ولكن الحلفاء اتعظوا فى هذه المرة، وبدلا من فرض العقوبات على ألمانيا التى خسرت الحرب قاموا هم أنفسهم باعادة بنائها حتى أصبحت ثالث أقوى اقتصاد فى العالم، وكذلك عمروا اليابان المهزومة وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد فى العالم، وبدلا من استمرار العداوات فقد حل الصلح والسلام والوئام بينهم وأصبحوا أصدقاء أحباء بدلا من أعداء ألداء. وهكذا يفعل العقلاء.


يذكرنى تطاول السلطان على العراقيين بقصة الفأرة التى تطاولت على الأسد واختبأت فى جحر يحميها منه، فقال لها الأسد: أنت لا تتطاولين علي ولكن من يتطاول هو الجحر الذى يحميك. والأمريكان لن يبقوا للأبد فى المنطقة العربية وستبقى الفأرة مكشوفة فى العراء!!.


عاطف العزي